الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4896 [ ص: 7 ] باقي

                                                                                                                                                                                                                              كتاب الرضاع

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 8 ] [ ص: 9 ] 84 - باب: صوم المرأة بإذن زوجها تطوعا

                                                                                                                                                                                                                              5192 - حدثنا محمد بن مقاتل، أخبرنا عبد الله، أخبرنا معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه". [انظر: 2066 - مسلم: 1026 - فتح: 9 \ 293].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث معمر، عن همام بن منبه، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه".

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه مسلم أيضا، وفي لفظ: "لا يحل" مكان: "لا تصوم" ويأتي ، ولأبي داود: "لا تصومن امرأة يوما سوى شهر رمضان، وزوجها شاهد إلا بإذنه" وحسنه الترمذي، وصححه ابن حبان، واللفظ له ، وهو طبق ما ترجم له، ولابن الجوزي في "حدائقه" من حديث ليث، عن عطاء، عن ابن عباس: سألت امرأة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما حق الرجل على امرأته؟ قال: "لا تصوم يوما تطوعا إلا بإذنه" . مع أن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 10 ] حديث الباب يؤخذ منه أيضا; فإن قوله: "وبعلها شاهد" (يفهمه) إذ لو كان فرضا لصاماه، ولا يقال: يحتمل أن يكون زوجها مريضا أو قدم من سفر; لبعده.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("لا تصوم"). قال القرطبي: صوابه: لا تصم; لأنه مجزوم بالأمر، وكذا قال ابن التين; لأنه نهي، والنهي يجزم الفعل، فيلتقي ساكنان فتحذف الواو. قلت: وفي مسلم: "لا تصم المرأة" الحديث ، وفي أبي داود: سبب هذا الحديث -من طريق أبي سعيد الخدري- جاءت امرأة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده، فقالت: يا رسول الله، إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت .. الحديث، فقال: "لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها" ، وفي لفظ للزبير في "الفكاهة": "لا تصوم تطوعا إلا بإذنه".

                                                                                                                                                                                                                              قال البزار: هذا الحديث كلامه منكر، ونكرته أن الأعمش لم يقل: حدثنا أبو صالح. (فأحسب أنه) أخذه عن رجل غير ثقة، وأمسك عن ذكر الرجل، فصار الحديث ظاهر إسناده حسنا، وكلامه منكر لما فيه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمدح هذا الرجل ويذكره بخير، وليس للحديث عندي أصل .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 11 ] وفيما ذكره نظر، ولعل نكارته من قوله: إنها تصوم وأنا شاب. فلا (أصبر) ، فإنه قد سلف في قصة الإفك أنه لا يأتي النساء -أعني: صفوان بن المعطل- فإنه معارض . وأما قوله فيه: إنه لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس. فلعل المراد قرب طلوعها; لأن صلاته - عليه السلام - كانت بغلس، فصلاته بالنسبة إليه كالطلوع.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قد ذكرنا رواية أبي داود وغيره أنها في التطوع، ولم يظفر به المهلب، وإنما قال: هو المراد بحديث البخاري عند العلماء كما ترجم له; لإجماعهم على أن الزوج ليس له أن يمنعها من أداء الفرائض اللازمة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 12 ] وقوله: ("لا تصوم إلا بإذنه") محمول على الندب لا على الإلزام، وإنما هو من حسن المعاشرة، وخوف المخالفة التي هي سبب البغضة، ولها أن تفعل من غير الفرائض ما لا يضره ولا يمنعه من واجباته بغير إذنه، وليس له أن يعطل عليها شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير إذنه. قلت: ظاهره التحريم، ويؤيده رواية البخاري الآتية في باب لا تأذن في بيته. "لا يحل" .

                                                                                                                                                                                                                              ومراعاة حق الزوج واجبة، وله تحليلها من حج وعمرة مطوعين لم يأذن فيه، وفي الفرض قولان: أظهرهما كذلك.

                                                                                                                                                                                                                              قال : وفيه حجة لمالك ومن وافقه في أن من أفطر في صيام التطوع عامدا عليه القضاء; لأنه لو كان للرجل أن يفسد عليها صومها بجماع ما احتاجت إلى إذنه، ولو كان مباحا كان إذنه لا معنى له. وهو قول أبي حنيفة وأبي ثور، خلافا للشافعي وأحمد وإسحاق، حيث قالوا: لا قضاء عليه .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن حقوق الزوج آكد على المرأة من التطوع بالخير.

                                                                                                                                                                                                                              واختلف العلماء في قضاء رمضان على قولين:

                                                                                                                                                                                                                              أحدهما: ليس لها ذلك بل يؤخر إلى شعبان.

                                                                                                                                                                                                                              وثانيهما: لها، وحديث عائشة - رضي الله عنها - يدل له، معللة بالشغل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية