الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

في تدبيره لأمر الملبس

وكان من أتم الهدي ، وأنفعه للبدن ، وأخفه عليه ، وأيسره لبسا وخلعا ، وكان أكثر لبسه الأردية والأزر ، وهي أخف على البدن من غيرها ، وكان يلبس القميص ، بل كان أحب الثياب إليه . وكان هديه في لبسه لما يلبسه أنفع شيء للبدن ، فإنه لم يكن يطيل أكمامه ويوسعها ، بل كانت كم قميصه إلى الرسغ لا [ ص: 218 ] يجاوز اليد فتشق على لابسها ، وتمنعه خفة الحركة والبطش ، ولا تقصر عن هذه فتبرز للحر والبرد ، وكان ذيل قميصه وإزاره إلى أنصاف الساقين لم يتجاوز الكعبين ، فيؤذي الماشي ويؤوده ، ويجعله كالمقيد ، ولم يقصر عن عضلة ساقيه ، فتنكشف ويتأذى بالحر والبرد ، ولم تكن عمامته بالكبيرة التي تؤذي الرأس حملها ، ويضعفه ويجعله عرضة للضعف والآفات ، كما يشاهد من حال أصحابها ، ولا بالصغيرة التي تقصر عن وقاية الرأس من الحر والبرد ، بل وسطا بين ذلك ، وكان يدخلها تحت حنكه ، وفي ذلك فوائد عديدة : فإنها تقي العنق الحر والبرد ، وهو أثبت لها ، ولا سيما عند ركوب الخيل والإبل ، والكر والفر ، وكثير من الناس اتخذ الكلاليب عوضا عن الحنك ، ويا بعد ما بينهما في النفع والزينة ، وأنت إذا تأملت هذه اللبسة وجدتها من أنفع اللبسات وأبلغها في حفظ صحة البدن وقوته ، وأبعدها من التكلف والمشقة على البدن .

وكان يلبس الخفاف في السفر دائما ، أو أغلب أحواله لحاجة الرجلين إلى ما يقيهما من الحر والبرد ، وفي الحضر أحيانا .

وكان أحب ألوان الثياب إليه البياض والحبرة ، وهي البرود المحبرة ، ولم يكن من هديه لبس الأحمر ، ولا الأسود ، ولا المصبغ ، ولا المصقول . وأما الحلة الحمراء التي لبسها فهي الرداء اليماني الذي فيه سواد وحمرة وبياض ، كالحلة الخضراء ، فقد لبس هذه وهذه ، وقد تقدم تقرير ذلك ، وتغليط من زعم أنه لبس الأحمر القاني بما فيه كفاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية