nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعارض، ويمكر به، ويدبر له وللمؤمنين زعماء
مكة وكبراؤها، وذوو البيوتات الكبيرة فيها، يؤذون النبي -صلى الله عليه وسلم-، وضعفاء المؤمنين، وكانوا هم الذين يدبرون ما يقال توهينا لأمر الدعوة، وإدحاضا لقول الحق،
[ ص: 2655 ] ينسون ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من أمانة قربته منهم، وجعلته الثقة فيهم، ويقولون مرة كذاب، ويقولون: أملاه عليه قوم آخرون، ويقولون ثالثة: إنه مسحور، وما كان يدبر ذلك القول إلا إذا كانوا بحكم وصفهم الجاهلي أشرافا وأكابر، فبين تعالى أن ذلك شأن أعداء النبوات، ويكون أكابرهم مجرميهم ويمكرون بالنبي ومن معه; ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وكذلك جعلنا في كل قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها
الأكابر جمع أكبر، وهو الذي بلغ أعلى العلو في قومه على حسب مقياس العلو عندهم، وكذلك، أي: كالحال التي ترى من ذوي البيوتات في قومك جعلنا في كل قرية، أي: مدينة عظيمة، أكابر مجرميها يمكرون ويدبرون.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123أكابر مجرميها الظاهر منها أن "أكابر" مضافة إلى "مجرميها"، أي: صيرنا في كل قرية مجرميها،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123ليمكروا فيها أي: يدبرون ما يقاومون به الأنبياء، ويعارضون، ويكون المؤدى الذين يعارضون الأنبياء في القرى أي: المدن هم الذين يمكرون المكر السيئ فيها، وهذا كقول الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=34وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا بما أرسلتم به كافرون nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=35وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين
وإن مقياس الكبر عندهم هو النسب وكثرة المال والقوة الظاهرة، وليست الأخلاق الفاضلة والعقيدة السليمة والشرف الذاتي الذي لا يكتسب بالنسب، ولكن يكتسب بالخلال الكريمة الفاضلة.
ومعنى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123ليمكروا فيها أي: ليدبروا الأمور العامة كما يحبون، أي: يسيطرون على الفكر العام، فلا يكون الرأي العام عندهم فاضلا، وإنما يكون فاسدا أثيما.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون أي: إن عاقبة التدبير الفاسد الأثيم يعود عليهم بالوبال; لأنهم يريدون إعلاء الرذيلة بتدبيرهم وإنكار الحق بتفكيرهم،
[ ص: 2656 ] وشيوع الشرك بتقليدهم لآبائهم، وإن ذلك يؤدي -لا محالة- إلى الهلاك، ومصداق قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا
وهكذا لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، وقد قال تعالى أيضا:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون
مكر هؤلاء أن يحرضوا على معارضة الرسول، وأن يلقنوا الناس ما يردون به على دعوة الحق التي جاء بها النذير من قبل الله تعالى، وأن يزيدوا معارضة الحق وأن يثبتوهم على الشرك.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله كما يكون; ولذا قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وما يمكرون إلا بأنفسهم أي: أن مآل مكرهم عائد بالوبال عليهم، وقد أكد سبحانه أن مآل الوبال على أنفسهم، لا على النذير الذي أنذرهم، أكد ذلك بالنفي ثم الإثبات وذلك فيه معنى القصر، أي: أن المكر في عاقبته لا يكون إلا عليهم، فهم في حقيقة الأمر يمكرون بأنفسهم، لا بغيرهم.
وما يشعرون بتلك العاقبة; لأنهم سادرون في غيهم، لا يرشدون ولا يفكرون، عميت عليهم أمورهم، فلا يشعرون بمغبة ما يفعلون، ولا بنتيجته، وإنهم إذ يقاومون أمر الله ونهيه اللذين حملهما نبيه المرسل -يقاومون مالك كل شيء والعليم بعواقب الأمور.
وكان مكرهم بأنفسهم; لأنهم يضللونها، ويزيدونها ضلالا، إذ إن كثرة التدبير للدفاع عن الضلال يزيد الضال ضلالا، والخاسر خسرانا، وإن عاقبة كل ذلك عليهم، إذ سينالون جزاء ذلك، وسيحملون أوزارهم، وأوزار الذين يضلونهم بمكرهم، وسوء تدبيرهم.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَارَضُ، وَيُمْكَرُ بِهِ، وَيُدَبِّرُ لَهُ وَلِلْمُؤْمِنِينَ زُعَمَاءُ
مَكَّةَ وَكُبَرَاؤُهَا، وَذَوُو الْبُيُوتَاتِ الْكَبِيرَةِ فِيهَا، يُؤْذُونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَضُعَفَاءَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَانُوا هُمُ الَّذِينَ يُدَبِّرُونَ مَا يُقَالُ تَوْهِينًا لِأَمْرِ الدَّعْوَةِ، وَإِدْحَاضًا لِقَوْلِ الْحَقِّ،
[ ص: 2655 ] يَنْسَوْنَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَمَانَةٍ قَرَّبَتْهُ مِنْهُمْ، وَجَعَلَتْهُ الثِّقَةَ فِيهِمْ، وَيَقُولُونَ مَرَّةً كَذَّابٌ، وَيَقُولُونَ: أَمَلَاهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، وَيَقُولُونَ ثَالِثَةً: إِنَّهُ مَسْحُورٌ، وَمَا كَانَ يُدَبَّرُ ذَلِكَ الْقَوْلُ إِلَّا إِذَا كَانُوا بِحُكْمِ وَصْفِهِمُ الْجَاهِلِيِّ أَشْرَافًا وَأَكَابِرَ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ أَعْدَاءِ النُّبُوَّاتِ، وَيَكُونُ أَكَابِرُهُمْ مُجْرِمِيهِمْ وَيَمْكُرُونَ بِالنَّبِيِّ وَمَنْ مَعَهُ; وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا
الْأَكَابِرُ جَمْعُ أَكْبَرَ، وَهُوَ الَّذِي بَلَغَ أَعْلَى الْعُلُوِّ فِي قَوْمِهِ عَلَى حَسَبِ مِقْيَاسِ الْعُلُوِّ عِنْدَهُمْ، وَكَذَلِكَ، أَيْ: كَالْحَالِ الَّتِي تُرَى مِنْ ذَوِي الْبُيُوتَاتِ فِي قَوْمِكَ جَعْلَنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ، أَيْ: مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ، أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا يَمْكُرُونَ وَيُدَبِّرُونَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا الظَّاهِرُ مِنْهَا أَنَّ "أَكَابِرَ" مُضَافَةٌ إِلَى "مُجْرِمِيهَا"، أَيْ: صَيَّرْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مُجْرِمِيهَا،
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123لِيَمْكُرُوا فِيهَا أَيْ: يُدَبِّرُونَ مَا يُقَاوِمُونَ بِهِ الْأَنْبِيَاءَ، وَيُعَارِضُونَ، وَيَكُونُ الْمُؤَدَّى الَّذِينَ يُعَارِضُونَ الْأَنْبِيَاءَ فِي الْقُرَى أَيِ: الْمُدُنِ هُمُ الَّذِينَ يَمْكُرُونَ الْمَكْرَ السَّيِّئَ فِيهَا، وَهَذَا كَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=34وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=35وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ
وَإِنَّ مِقْيَاسَ الْكِبَرِ عِنْدَهُمْ هُوَ النَّسَبُ وَكَثْرَةُ الْمَالِ وَالْقُوَّةُ الظَّاهِرَةُ، وَلَيْسَتِ الْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ وَالْعَقِيدَةَ السَّلِيمَةَ وَالشَّرَفَ الذَّاتِيَّ الَّذِي لَا يُكْتَسَبُ بِالنَّسَبِ، وَلَكِنْ يُكْتَسَبُ بِالْخِلَالِ الْكَرِيمَةِ الْفَاضِلَةِ.
وَمَعْنَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123لِيَمْكُرُوا فِيهَا أَيْ: لِيُدَبِّرُوا الْأُمُورَ الْعَامَّةَ كَمَا يُحِبُّونَ، أَيْ: يُسَيْطِرُونَ عَلَى الْفِكْرِ الْعَامِّ، فَلَا يَكُونُ الرَّأْيُ الْعَامُّ عِنْدَهُمْ فَاضِلًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ فَاسِدًا أَثِيمًا.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيْ: إِنَّ عَاقِبَةَ التَّدْبِيرِ الْفَاسِدِ الْأَثِيمِ يَعُودُ عَلَيْهِمْ بِالْوَبَالِ; لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ إِعْلَاءَ الرَّذِيلَةِ بِتَدْبِيرِهِمْ وَإِنْكَارَ الْحَقِّ بِتَفْكِيرِهِمْ،
[ ص: 2656 ] وَشُيُوعَ الشِّرْكِ بِتَقْلِيدِهِمْ لِآبَائِهِمْ، وَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي -لَا مَحَالَةَ- إِلَى الْهَلَاكِ، وَمِصْدَاقُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=16وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا
وَهَكَذَا لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى أَيْضًا:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ
مَكْرُ هَؤُلَاءِ أَنْ يُحَرِّضُوا عَلَى مُعَارَضَةِ الرَّسُولِ، وَأَنْ يُلَقِّنُوا النَّاسَ مَا يَرُدُّونَ بِهِ عَلَى دَعْوَةِ الْحَقِّ الَّتِي جَاءَ بِهَا النَّذِيرُ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَزِيدُوا مُعَارَضَةَ الْحَقِّ وَأَنْ يُثَبِّتُوهُمْ عَلَى الشِّرْكِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ كَمَا يَكُونُ; وَلِذَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=123وَمَا يَمْكُرُونَ إِلا بِأَنْفُسِهِمْ أَيْ: أَنَّ مَآلَ مَكْرِهِمْ عَائِدٌ بِالْوَبَالِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ أَكَّدَ سُبْحَانَهُ أَنَّ مَآلَ الْوَبَالِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، لَا عَلَى النَّذِيرِ الَّذِي أَنْذَرَهُمْ، أَكَّدَ ذَلِكَ بِالنَّفْيِ ثُمَّ الْإِثْبَاتِ وَذَلِكَ فِيهِ مَعْنَى الْقَصْرِ، أَيْ: أَنَّ الْمَكْرَ فِي عَاقِبَتِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا عَلَيْهِمْ، فَهُمْ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ يَمْكُرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ، لَا بِغَيْرِهِمْ.
وَمَا يُشْعِرُونَ بِتِلْكَ الْعَاقِبَةِ; لِأَنَّهُمْ سَادِرُونَ فِي غَيِّهِمْ، لَا يُرْشَدُونَ وَلَا يُفَكِّرُونَ، عَمِيَتْ عَلَيْهِمْ أُمُورُهُمْ، فَلَا يَشْعُرُونَ بِمَغَبَّةِ مَا يَفْعَلُونَ، وَلَا بِنَتِيجَتِهِ، وَإِنَّهُمْ إِذْ يُقَاوِمُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ اللَّذَيْنِ حَمَّلَهُمَا نَبِيَّهُ الْمُرْسَلَ -يُقَاوِمُونَ مَالِكَ كُلِّ شَيْءٍ وَالْعَلِيمَ بِعَوَاقِبِ الْأُمُورِ.
وَكَانَ مَكْرُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ; لِأَنَّهُمْ يُضَلِّلُونَهَا، وَيَزِيدُونَهَا ضَلَالًا، إِذْ إِنَّ كَثْرَةَ التَّدْبِيرِ لِلدِّفَاعِ عَنِ الضَّلَالِ يَزِيدُ الضَّالَّ ضَلَالًا، وَالْخَاسِرَ خُسْرَانًا، وَإِنَّ عَاقِبَةَ كُلِّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، إِذْ سَيَنَالُونَ جَزَاءَ ذَلِكَ، وَسَيَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ، وَأَوْزَارَ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِمَكْرِهِمْ، وَسُوءِ تَدْبِيرِهِمْ.