الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          بسم الله الرحمن الرحيم أبواب الوتر باب ما جاء في فضل الوتر

                                                                                                          452 حدثنا قتيبة حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله بن راشد الزوفي عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بن حذافة أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله أمدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم الوتر جعله الله لكم فيما بين صلاة العشاء إلى أن يطلع الفجر قال وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وبريدة وأبي بصرة الغفاري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى حديث خارجة بن حذافة حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي حبيب وقد وهم بعض المحدثين في هذا الحديث فقال عن عبد الله بن راشد الزرقي وهو وهم في هذا وأبو بصرة الغفاري اسمه حميل بن بصرة وقال بعضهم جميل بن بصرة ولا يصح وأبو بصرة الغفاري رجل آخر يروي عن أبي ذر وهو ابن أخي أبي ذر [ ص: 438 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 438 ] قوله : ( عن يزيد بن أبي حبيب ) المضري أبي رجاء واسم أبيه سويد ثقة فقيه من رجال الكتب الستة ( عن عبد الله بن راشد الزوفي ) بفتح الزاي وسكون الواو وبفاء ، الحافظ مستور ، وقال الخزرجي : وثقه ابن حبان ، وقال الذهبي في الميزان في ترجمته : روى عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة بحديث الوتر ، رواه عنه يزيد بن أبي حبيب ، وخالد بن يزيد لا يعرف سماعه من ابن أبي مرة . قلت : ولا هو بالمعروف وذكره ابن حبان في الثقات ، انتهى ( عن عبد الله بن أبي مرة الزوفي ) صدوق أشار البخاري إلى أن روايته عن خارجة منقطعة ، قاله الحافظ . وقال الخزرجي في الخلاصة : قال ابن حبان خبره باطل والإسناد منقطع ، انتهى ، والمراد بخبره حديث الوتر كما صرح به الحافظ في التهذيب ( عن خارجة بن حذافة ) هو صحابي سكن مصر كان أحد فرسان قريش يقال إنه كان يعدل بألف فارس وعداده في أهل مصر ، وهو الذي قتله الخارجي ظنا منه أنه عمرو بن العاص ، والخارجي هو أحد الثلاثة الذين اتفقوا على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص وتوجه كل واحد منهم إلى واحد من الثلاثة فنفذ قضاء الله في علي دونهما ، وكان قتل خارجة في سنة أربعين .

                                                                                                          قوله : " إن الله أمدكم بصلاة " قال الطيبي : أي زادكم كما في بعض الروايات ، انتهى . وقال صاحب مجمع البحار : هو من أمد الجيش ، إذا ألحق به ما يقويه ، أي فرض عليكم الفرائض [ ص: 439 ] ليؤجركم بها ولم يكتف به فشرع صلاة التهجد والوتر ليزيدكم إحسانا على إحسان ، انتهى وقال القاري وغيره : أي حصلها زيادة لكم في أعمالكم من مد الجيش وأمده أي زاد ، والأصل في المزيد أن يكون من جنس من المزيد عليه فمقتضاه أن يكون الوتر واجبا ، انتهى .

                                                                                                          قلت : استدل به الحنفية على وجوب الوتر بهذا التقرير ، وقد رد عليهم القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي حيث قال فيه : به احتج العلماء وأبو حنيفة فقالوا : إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد وهذه دعوى بل الزيادة تكون من غير جنس المزيد كما لو ابتاع بدرهم فلما قضاه زاده ثمنا أو ربعا إحسانا ، كزيادة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر في ثمن الجمل فإنها زيادة وليست بواجبة ، وليس في هذا الباب حديث صحيح يتعللون به ، انتهى . قلت : الأمر كما قال ابن العربي لا شك في أن قولهم إن الزيادة لا تكون إلا من جنس المزيد مجرد دعوى لا دليل عليها ، ليردها ما ذكره هو بقوله كما لو ابتاع بدرهم إلخ ، وقال الحافظ في الدراية : ليس في قوله زادكم دلالة على وجوب الوتر ؛ لأنه لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزيد ، فقد روى محمد بن نصر المروزي في الصلاة من حديث أبي سعيد رفعه : إن الله زادكم صلاة إلى صلاتكم هي خير لكم من حمر النعم ألا وهي الركعتان قبل الفجر . وأخرجه البيهقي ونقل عن ابن خزيمة أنه قال : لو أمكنني لرحلت في هذا الحديث ، انتهى . ويأتي الكلام في هذه المسألة في الباب الآتي " هي خير لكم من حمر النعم " بضم الحاء وسكون الميم جمع أحمر ، والنعم الإبل ، فهو من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف ، وإنما قال ذلك ترغيبا للعرب فيها ؛ لأن حمر النعم أعز الأموال عندهم فكانت كناية عن أنها خير من الدنيا كلها لأنها ذخيرة الآخرة التي هي خير وأبقى " الوتر " بالجر بدل من صلاة بدل المعرفة من النكرة ، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هي الوتر .

                                                                                                          قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وبريدة وأبي بصرة صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه البيهقي في الخلافيات بلفظ : إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن . وله حديث آخر عند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من لم يوتر فليس منا ، وفي إسناده الخليل بن مرة ، قال فيه أبو زرعة شيخ صالح وضعفه أبو حاتم والبخاري . وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه محمد بن نصر في قيام الليل عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الله زادكم صلاة فحافظوا عليها وهي الوتر . وأما حديث بريدة فأخرجه أبو داود بلفظ : الوتر حق [ ص: 440 ] فمن لم يوتر فليس منا ، قال المنذري : في إسناده عبيد الله بن عبد الله أبو المنيب العتكي المروزي ، وقد وثقه ابن معين ، وقال أبو حاتم الرازي : صالح الحديث ، وتكلم فيه البخاري والنسائي وغيرهما . وأما حديث أبي بصرة فأخرجه أحمد ولفظه : إن الله زادكم صلاة وهي الوتر فصلوها في ما بين العشاء إلى الفجر ورواه الطبراني بلفظ : فحافظوا عليها .

                                                                                                          قوله : ( حديث خارجة بن حذافة حديث غريب ) وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه لتفرد التابعي عن الصحابي ، ورواه ابن عدي في الكامل ونقل عن البخاري أنه قال : لا يعرف سماع بعض هؤلاء عن بعض كذا في نصب الراية . وقد عرفت أن البخاري أشار إلى أن رواية عبد الله بن أبي مرة الزوفي عن خارجة منقطعة ، وقال ابن حبان : خبره باطل والإسناد منقطع ، وقال السيوطي ليس لعبد الله الزوفي ولا لشيخه عبد الله بن أبي مرة ولشيخه خارجة بن حذافة عند المؤلف يعني أبا داود والترمذي وابن ماجه إلا هذا الحديث الواحد وليس لهم رواية في بقية الكتب الستة ، انتهى .




                                                                                                          الخدمات العلمية