الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نذر

                                                          نذر : النذر : النحب ، وهو ما ينذره الإنسان فيجعله على نفسه نحبا واجبا ، وجمعه نذور ، والشافعي سمى في كتاب جراح العمد ما يجب في الجراحات من الديات نذرا ، قال : ولغة أهل الحجاز كذلك ، وأهل العراق يسمونه الأرش . وقال أبو نهشل : النذر لا يكون إلا في الجراح صغارها وكبارها وهي معاقل تلك الجراح . يقال : لي قبل فلان نذر إذا كان جرحا واحدا له عقل ، وقال أبو سعيد الضرير : إنما قيل له نذر لأنه نذر فيه أي أوجب ، من قولك نذرت على نفسي أي أوجبت . وفي حديث ابن المسيب : أن عمر وعثمان - رضي الله عنهما - قضيا في الملطاة بنصف نذر الموضحة أي بنصف ما يجب فيها من الأرش والقيمة ، وقد نذر على نفسه لله كذا ينذر وينذر نذرا ونذورا . والنذيرة : ما يعطيه . والنذيرة : الابن يجعله أبواه قيما أو خادما للكنيسة أو للمتعبد من ذكر وأنثى ، وجمعه النذائر ، قد نذره . في التنزيل العزيز : إني نذرت لك ما في بطني محررا ; قالته امرأة عمران أم مريم . قال الأخفش : تقول العرب نذر على نفسه نذرا ونذرت مالي فأنا أنذره نذرا ; رواه عن يونس عن العرب . وفي الحديث ذكر النذر مكررا ، تقول : نذرت أنذر وأنذر نذرا إذا أوجبت على نفسك شيئا تبرعا من عبادة أو صدقة أو غير ذلك . قال ابن الأثير : وقد تكرر في أحاديثه ذكر النهي عنه وهو تأكيد لأمره وتحذير عن التهاون به بعد إيجابه ، قال : ولو كان معناه الزجر عنه حتى لا يفعل لكان في ذلك إبطال حكمه وإسقاط لزوم الوفاء به ; إذ كان بالنهي يصير معصية فلا يلزم ، وإنما وجه الحديث أنه قد أعلمهم أن ذلك أمر لا يجر لهم في العاجل نفعا ولا يصرف عنهم ضرا ولا يرد قضاء ، فقال : لا تنذروا على أنكم تدركون بالنذر شيئا لم يقدره الله لكم أو تصرفون به عنكم ما جرى به القضاء عليكم ، فإذا نذرتم ولم تعتقدوا هذا فاخرجوا عنه بالوفاء فإن الذي نذرتموه لازم لكم . ونذر بالشيء وبالعدو ، بكسر الذال ، نذرا : علمه فحذره . وأنذره بالأمر إنذارا ونذرا ; عن كراع ، واللحياني : أعلمه ، والصحيح أن النذر الاسم والإنذار المصدر . وأنذره أيضا : خوفه وحذره . وفي التنزيل العزيز : وأنذرهم يوم الآزفة ، وكذلك حكى الزجاجي : أنذرته إنذارا ونذيرا ، والجيد أن الإنذار المصدر ، والنذير الاسم . وفي التنزيل العزيز : فستعلمون كيف نذير . وقوله تعالى : فكيف كان نذير ; معناه فكيف كان إنذاري . والنذير : اسم الإنذار . وقوله تعالى : كذبت ثمود بالنذر ، قال الزجاج : النذر جمع نذير . وقوله - عز وجل - : عذرا أو نذرا ، قرئت : عذرا أو نذرا ، قال : معناهما المصدر وانتصابهما على المفعول له ، المعنى فالملقيات ذكرا للإعذار أو الإنذار . ويقال : أنذرته إنذارا . والنذر : جمع النذير ، وهو الاسم من الإنذار . والنذيرة : الإنذار . والنذير : الإنذار . والنذير : المنذر ، والجمع نذر ، وكذلك النذيرة ، قال ساعدة بن جؤية :


                                                          وإذا تحومي جانب يرعونه وإذا تجيء نذيرة لم يهربوا

                                                          وقال أبو حنيفة : النذير صوت القوس لأنه ينذر الرمية ، وأنشد لأوس بن حجر :

                                                          [ ص: 230 ]

                                                          وصفراء من نبع كأن نذيرها     إذا لم تخفضه عن الوحش ، أفكل

                                                          وتناذر القوم : أنذر بعضهم بعضا ، والاسم النذر . الجوهري : تناذر القوم كذا أي خوف بعضهم بعضا ، وقال النابغة الذبياني يصف حية ، وقيل يصف أن النعمان توعده فبات كأنه لديغ يتململ على فراشه :


                                                          فبت كأني ساورتني ضئيلة     من الرقش ، في أنيابها السم ناقع
                                                          تناذرها الراقون من سوء سمها     تطلقه طورا ، وطورا تراجع

                                                          نذيرة الجيش : طليعتهم الذي ينذرهم أمر عدوهم أي يعلمهم ، وأما قول ابن أحمر :


                                                          كم دون ليلى من تنوفية لماعة تنذر فيها النذر

                                                          فيقال : إنه جمع نذر مثل رهن ورهن . ويقال : إنه جمع نذير بمعنى منذور مثل قتيل وجديد . والإنذار : الإبلاغ ، ولا يكون إلا في التخويف ، والاسم النذر . ومنه قوله تعالى : فكيف كان عذابي ونذر ; أي إنذاري . والنذير : المحذر ، فعيل بمعنى مفعل ، والجمع نذر . وقوله - عز وجل - : وجاءكم النذير ، قال ثعلب : هو الرسول ، وقال أهل التفسير : يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قال - عز وجل - : إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وقال بعضهم : النذير هاهنا الشيب ، قال الأزهري : والأول أشبه وأوضح . قال أبو منصور : والنذير يكون بمعنى المنذر وكان الأصل وفعله الثلاثي أميت ، ومثله السميع بمعنى المسمع والبديع بمعنى المبدع . قال ابن عباس : لما أنزل الله تعالى : وأنذر عشيرتك الأقربين ، أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصفا فصعد عليه ثم نادى : يا صباحاه ! فاجتمع إليه الناس بين رجل يجيء ورجل يبعث رسوله ، قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بني عبد المطلب ، يا بني فلان ، لو أخبرتكم أن خيلا ستفتح هذا الجبل تريد أن تغير عليكم ; صدقتموني ؟ " قالوا : نعم . قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب : تبا لكم سائر القوم ! أما آذنتمونا إلا لهذا ؟ فأنزل الله تعالى : تبت يدا أبي لهب وتب ، ويقال : أنذرت القوم سير العدو إليهم فنذروا أي أعلمتهم ذلك فعلموا وتحرزوا . والتناذر : أن ينذر القوم بعضهم بعضا شرا مخوفا ، قال النابغة :


                                                          تناذرها الراقون من شر سمها

                                                          يعني حية إذا لدغت قتلت . ومن أمثال العرب : قد أعذر من أنذر أي من أعلمك أنه يعاقبك على المكروه منك فيما يستقبله ثم أتيت المكروه فعاقبك فقد جعل لنفسه عذرا يكف به لائمة الناس عنه . والعرب تقول : عذراك لا نذراك أي أعذر ولا تنذر . والنذير العريان : رجل من خثعم حمل عليه يوم ذي الخلصة عوف بن عامر فقطع يده ويد امرأته ، وحكى ابن بري في أماليه عن أبي القاسم الزجاجي في أماليه عن ابن دريد قال : سألت أبا حاتم عن قولهم أنا النذير العريان ، فقال : سمعت أبا عبيدة يقول : هو الزبير بن عمرو الخثعمي ، وكان ناكحا في بني زبيد ، فأرادت بنو زبيد أن يغيروا على خثعم فخافوا أن ينذر قومه فألقوا عليه براذغ وأهداما واحتفظوا به فصادف غرة فحاضرهم وكان لا يجارى شدا ، فأتى قومه فقال :


                                                          أنا المنذر العريان ينبذ ثوبه     إذا الصدق لا ينبذ لك الثوب

                                                          كاذب الأزهري : من أمثال العرب في الإنذار : أنا النذير العريان ، قال أبو طالب : إنما قالوا أنا النذير العريان لأن الرجل إذا رأى الغارة قد فجئتهم وأراد إنذار قومه تجرد من ثيابه وأشار بها ليعلم أن قد فجئتهم الغارة ، ثم صار مثلا لكل شيء تخاف مفاجأته ، ومنه قول خفاف يصف فرسا :


                                                          ثمل إذا صفر اللجام     كأنه رجل ، يلوح باليدين

                                                          ، سليب وفي الحديث : كان إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه ، كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم ; المنذر : المعلم الذي يعرف القوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره ، وهو المخوف أيضا ، وأصل الإنذار الإعلام . يقال : أنذرته أنذره إنذارا إذا أعلمته ، فأنا منذر ونذير أي معلم ومخوف ومحذر . ونذرت به إذا علمت ، ومنه الحديث : " انذر القوم أي احذر منهم واستعد لهم وكن منهم على علم وحذر " . ومنذر ومناذر : اسمان . وبات بليلة ابن المنذر يعني النعمان ، أي بليلة شديدة ، قال ابن أحمر :


                                                          وبات بنو أمي بليل ابن منذر     وأبناء أعمامي عذوبا صواديا

                                                          عذوب : وقوف لا ماء لهم ولا طعام . ومناذر ومحمد ابن مناذر ، بفتح الميم : اسم ، وهم المناذرة ; يريد آل المنذر أو جماعة الحي مثل المهالبة والمسامعة ، قال الجوهري : ابن مناذر شاعر ، فمن فتح الميم منه لم يصرفه ، ويقول إنه جمع منذر لأنه محمد بن منذر بن منذر بن منذر ، ومن ضمها صرفه .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية