الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نزف

                                                          نزف : نزفت ماء البئر نزفا إذا نزحته كله ، ونزفت هي ، يتعدى ولا يتعدى ، ونزفت أيضا على ما لم يسم فاعله . ابن سيده : نزف البئر ينزفها نزفا وأنزفها بمعنى واحد ; كلاهما : نزحها . وأنزفت هي : نزحت وذهب ماؤها ، قال لبيد :


                                                          أربت عليه كل وطفاء جونة هتوف ، متى ينزف لها الماء تسكب

                                                          قال : وأما ابن جني فقال : نزفت البئر وأنزفت هي فإنه جاء مخالفا للعادة ، وذلك أنك تجد فيها فعل متعديا ، وأفعل غير متعد ، وقد ذكر علة ذلك في شنق البعير وجفل الظليم . وأنزف القوم : نفد شرابهم . الجوهري : أنزف القوم إذا انقطع شرابهم ، وقرئ : ولا هم عنها ينزفون ، بكسر الزاي . وأنزف القوم إذا ذهب ماء بئرهم وانقطع . وبئر نزيف ونزوف : قليلة الماء منزوفة . ونزفت البئر أي استقيت ماءها كله . وفي الحديث : " زمزم لا تنزف ولا تذم " ، أي لا يفنى ماؤها على كثرة الاستقاء . أبو عبيدة : نزفت عبرته ، بالكسر ، وأنزفها صاحبها ، قال العجاج :

                                                          وصرح ابن معمر لمن ذمر ، وأنزف العبرة من لاقى العبر ذمره : زجره أي قال له جد في الأمر ، وقال أيضا :

                                                          وقد أراني بالديار منزفا ، أزمان لا أحسب شيئا منزفا والنزفة ، بالضم : القليل من الماء والخمر مثل الغرفة ، والجمع نزف ، قال ذو الرمة :


                                                          يقطع موضون الحديث ابتسامها     تقطع ماء المزن في نزف الخمر

                                                          وقال العجاج :


                                                          فشن في الإبريق منها نزفا

                                                          والمنزفة : ما ينزف به الماء ، وقيل : هي دلية تشد في رأس عود طويل ، وينصب عود ويعرض ذلك العود الذي في طرفه الدلو على العود المنصوب ويستقى به الماء . ونزفه الحجام ينزفه وينزفه : أخرج دمه كله . ونزف دمه نزفا ، فهو منزوف ونزيف : هريق . ونزف فلان دمه ينزفه نزفا ، إذا استخرجه بحجامة أو فصد ، ونزفه الدم ينزفه نزفا ، قال : وهذا هو من المقلوب الذي يعرف معناه ، والاسم من ذلك كله النزف . ويقال : نزفه الدم إذا خرج منه كثيرا حتى يضعف . والنزف : الضعف الحادث عن ذلك ; فأما قول قيس بن الخطيم :


                                                          تغترق الطرف ، وهي لاهية     كأنما شف وجهها نزف

                                                          فإن ابن الأعرابي قال : يعني من الضعف والانبهار ، ولم يزد على ذلك ، قال غيره : النزف هنا الجرح الذي ينزف عنه دم الإنسان ، وقال أبو منصور : أراد أنها رقيقة المحاسن حتى كأن دمها منزوف . وقال اللحياني : أدركه النزف فصرعه من نزف الدم . ونزفه الدم والفرق : زال عقله ; عن اللحياني . قال : وإن شئت قلت أنزفه . ونزفت المرأة تنزيفا إذا رأت دما على حملها ، وذلك يزيد الولد ضعفا وحملها طولا . ونزف الرجل دما إذا رعف فخرج دمه كله . وفي المثل : فلان أجبن من المنزوف ضرطا وأجبن من المنزوف خضفا ، وذلك أن رجلا فزع فضرط حتى مات ، وقال اللحياني : هو رجل كان يدعي الشجاعة ، فلما رأى الخيل جعل يفعل حتى مات هكذا ، قال : يفعل يعني يضرط ، قال ابن بري : هو رجل كان إذا نبه لشرب الصبوح قال : هلا نبهتني لخيل قد أغارت ؟ فقيل له يوما على جهة الاختبار : هذه نواصي الخيل ! فما زال يقول الخيل الخيل ويضرط حتى مات ، وقيل : المنزوف هنا دابة بين الكلب والذئب تكون بالبادية إذا صيح بها لم تزل تضرط حتى تموت . والنزيف والمنزوف : السكران المنزوف العقل ، وقد نزف . وفي التنزيل العزيز : لا يصدعون عنها ولا ينزفون ، أي لا يسكرون ، وأنشد الجوهري للأبيرد :


                                                          لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم     لبئس الندامى كنتم ، آل أبجرا
                                                          ! شربتم ومدرتم ، وكان أبوكم كذاكم     إذا ما يشرب الكاس مدرا

                                                          ! قال ابن بري : هو أبجر بن جابر العجلي وكان نصرانيا . قال : وقوم يجعلون المنزف مثل المنزوف الذي قد نزف دمه . وقال اللحياني : نزف الرجل ، فهو منزوف ونزيف ، أي سكر فذهب عقله . الأزهري : وأما قول الله تعالى في صفة الخمر التي في الجنة : لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون ، قيل أي لا يجدون عنها سكرا ، وقرئت : ينزفون ، قال الفراء وله معنيان : يقال قد أنزف الرجل فنيت خمره ، وأنزف إذا ذهب عقله من السكر ; فهذان وجهان في قراءة من قرأ [ ص: 236 ] ينزفون ، ومن قرأ ينزفون فمعناه لا تذهب عقولهم أي لا يسكرون ، قال الشاعر في أنزف :


                                                          لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم

                                                          قال أبو منصور : ويقال للرجل الذي عطش حتى يبست عروقه وجف لسانه نزيف ومنزوف ، قال الشاعر :


                                                          شرب النزيف ببرد ماء الحشرج

                                                          أبو عمرو : النزيف السكران ، والسكران نزيف إذا نزف عقله . والنزيف : المحموم ، قال أبو العباس : الحشرج النقرة من الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو . ونزف عبرته وأنزفها : أفناها . وأنزف الشيء ; عن اللحياني ، قال :

                                                          أيام لا أحسب شيئا منزفا وأنزف القوم : لم يبق لهم شيء . وأنزف الرجل : انقطع كلامه أو ذهب عقله أو ذهبت حجته في خصومة أو غيرها ، وقال بعضهم : إذا كان فاعلا ، فهو منزف وإذا كان مفعولا ، فهو منزوف ، كأنه على حذف الزائد أو كأنه وضع فيه النزف . الجوهري : ونزف الرجل في الخصومة إذا انقطعت حجته . الليث : قالت بنت الجلندى ملك عمان حين ألبست السلحفاة حليها ودخلت البحر فصاحت وهي تقول : نزاف نزاف ، ولم يبق في البحر غير قذاف ; أرادت انزفن الماء ولم يبق غير غرفة .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية