الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نسأ

                                                          نسأ : نسئت المرأة تنسأ نسأ : تأخر حيضها عن وقته ، وبدأ حملها ، فهي نسء ونسيء ، والجمع أنساء ونسوء ، وقد يقال : نساء نسء ، على الصفة بالمصدر . يقال للمرأة أول ما تحمل : قد نسئت . ونسأ الشيء ينسؤه نسأ وأنسأه : أخره ، فعل وأفعل بمعنى ، والاسم النسيئة والنسيء . ونسأ الله في أجله ، وأنسأ أجله : أخره . وحكى ابن دريد : مد له في الأجل أنسأه فيه . قال ابن سيده : ولا أدري كيف هذا ، والاسم النساء . وأنسأه الله أجله ونسأه في أجله ، بمعنى . وفي الصحاح : ونسأ في أجله ، بمعنى . وفي الحديث عن أنس بن مالك : " من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ في أجله فليصل رحمه " . النسء : التأخير يكون في العمر والدين . وقوله ينسأ أي يؤخر . ومنه الحديث : " صلة الرحم مثراة في المال منسأة في الأثر " ، وهي مفعلة منه أي مظنة له وموضع . وفي حديث ابن عوف : وكان قد أنسيء له في العمر . وفي الحديث : " لا تستنسئوا الشيطان " ، أي إذا أردتم عملا صالحا ، فلا تؤخروه إلى غد ، ولا تستمهلوا الشيطان ; يريد : أن ذلك مهلة مسولة من الشيطان . والنسأة ، بالضم مثل الكلأة : التأخير . وقال فقيه العرب : من سره النساء ولا نساء ، فليخفف الرداء ، وليباكر الغداء ، وليقل غشيان النساء ، وفي نسخة : وليؤخر غشيان النساء ، أي تأخر العمر والبقاء . وقرأ أبو عمرو : ما ننسخ من آية أو ننسأها ، المعنى : ما ننسخ لك من اللوح المحفوظ ، أو ننسأها : نؤخرها ولا ننزلها . وقالأبو العباس : التأويل أنه نسخا بغيرها وأقر خطها ، وهذا عندهم الأكثر والأجود . ونسأ الشيء نسأ : باعه بتأخير ، والاسم النسيئة . تقول : نسأته البيع وأنسأته وبعته بنسأة وبعته بكلأة وبعته بنسيئة أي بأخرة . والنسيء : شهر كانت العرب تؤخره في الجاهلية ، فنهى الله - عز وجل - عنه . وقوله - عز وجل - : إنما النسيء زيادة في الكفر ، قال الفراء : النسيء المصدر ، ويكون المنسوء مثل قتيل ومقتول ، والنسيء فعيل بمعنى مفعول من قولك نسأت الشيء فهو منسوء إذا أخرته ، ثم يحول منسوء إلى نسيء كما يحول مقتول إلى قتيل . ورجل ناسئ وقوم نسأة ، مثل فاسق وفسقة ; وذلك أن العرب كانوا إذا صدروا عن منى يقوم رجل منهم من كنانة فيقول : أنا الذي لا أعاب ولا أجاب ولا يرد لي قضاء ، فيقولون : صدقت ! أنسئنا شهرا أي أخر عنا حرمة المحرم واجعلها في صفر وأحل المحرم ; لأنهم كانوا يكرهون أن يتوالى عليهم ثلاثة أشهر حرم ، ولا يغيرون فيها لأن معاشهم كان من الغارة ، فيحل لهم المحرم ، فذلك الإنساء . قال أبو منصور : النسيء في قوله - عز وجل - : إنما النسيء زيادة في الكفر بمعنى الإنساء ; اسم وضع موضع المصدر الحقيقي من أنسأت . وقد قال بعضهم : نسأت في هذا الموضع بمعنى أنسأت . وقال عمير بن قيس بن جذل الطعان :


                                                          ألسنا الناسئين ، على معد شهور الحل ، نجعلها حراما

                                                          وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - : كانت النسأة في كندة . النسأة ، بالضم وسكون السين : النسيء الذي ذكره الله في كتابه من تأخير الشهور بعضها إلى بعض . وانتسأت عنه : تأخرت وتباعدت . وكذلك الإبل إذا تباعدت في المرعى . ويقال : إن لي عنك لمنتسأ أي منتأى وسعة . وأنسأه الدين والبيع : أخره به أي جعله مؤخرا ، كأنه جعله له بأخرة . واسم ذلك الدين : النسيئة . وفي الحديث : " إنما الربا في النسيئة هي البيع إلى أجل معلوم " ; يريد : أن بيع الربويات بالتأخير من غير تقابض هو الربا ، وإن كان بغير زيادة . قال ابن الأثير : وهذا مذهب ابن عباس ، وكان يرى بيع الربويات متفاضلة مع التقابض جائزا ، وأن الربا مخصوص بالنسيئة . واستنسأه : سأله أن ينسئه دينه . وأنشد ثعلب :


                                                          قد استنسأت حقي ربيعة للحيا     وعند الحيا عار عليك عظيم
                                                          وإن قضاء المحل أهون ضيعة     من المخ ، في أنقاء كل حليم

                                                          قال : هذا رجل كان له على رجل بعير طلب منه حقه . قال : فأنظرني حتى أخصب . فقال : إن أعطيتني اليوم جملا مهزولا كان خيرا لك من أن تعطيه إذا أخصبت إبلك . وتقول : استنسأته الدين ، فأنسأني ، ونسأت عنه دينه : أخرته نساء ، بالمد . قال : وكذلك النساء في العمر ، ممدود . وإذا أخرت الرجل بدينه قلت : أنسأته ، فإذا زدت في الأجل زيادة يقع عليها تأخير قلت : قد نسأت في أيامك ، ونسأت في أجلك . وكذلك تقول للرجل : نسأ الله في أجلك ، لأن الأجل مزيد فيه ، ولذلك قيل للبن : النسيء لزيادة الماء فيه . وكذلك قيل : [ ص: 241 ] نسئت المرأة إذا حبلت ، جعلت زيادة الولد فيها كزيادة الماء في اللبن . ويقال للناقة : نسأتها أي زجرتها ليزداد سيرها . وما له نسأه الله أي أخزاه . ويقال : أخره الله ، وإذا أخره فقد أخزاه . ونسئت المرأة تنسأ نسأ ، على ما لم يسم فاعله ، إذا كانت عند أول حبلها ، وذلك حين يتأخر حيضها عن وقته ، فيرجى أنها حبلى . وهي امرأة نسيء . قال الأصمعي : يقال للمرأة أول ما تحمل قد نسئت . وفي الحديث : كانت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت أبي العاص بن الربيع ، فلما خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أرسلها إلى أبيها ، وهي نسوء أي مظنون بها الحمل . يقال : امرأة نسء ونسوء ، ونسوة نساء إذا تأخر حيضها ، ورجي حبلها ، فهو من التأخير ، وقيل بمعنى الزيادة من نسأت اللبن إذا جعلت فيه الماء تكثره به ، والحمل زيادة . قال الزمخشري : النسوء ، على فعول ، والنسء ، على فعل ، وروي نسوء ، بضم النون . فالنسوء كالحلوب ، والنسوء تسمية بالمصدر . وفي الحديث : أنه دخل على أم عامر بن ربيعة ، وهي نسوء ، وفي رواية نسء ، فقال لها أبشري بعبد الله خلفا من عبد الله ، فولدت غلاما ، فسمته عبد الله . وأنسأ عنه : تأخر وتباعد ، قال مالك بن زغبة الباهلي :


                                                          إذا أنسئوا فوت الرماح أتتهم عوائر نبل

                                                          ، كالجراد تطيرها وفي رواية : إذا انتسئوا فوت الرماح . وناساه إذا أبعده ، جاءوا به غير مهموز ، وأصله الهمز . وعوائر نبل أي جماعة سهام متفرقة لا يدرى من أين أتت . وانتسأ القوم إذا تباعدوا . وفي حديث عمر - رضي الله عنه - : ارموا فإن الرمي جلادة ، وإذا رميتم فانتسوا عن البيوت ، أي تأخروا . قال ابن الأثير : هكذا يروى بلا همز ، والصواب : فانتسئوا ، بالهمز ، ويروى : فبنسوا أي تأخروا . ويقال : بنست إذا تأخرت . وقولهم : أنسأت سربتي أي أبعدت مذهبي . قال الشنفرى يصف خروجه وأصحابه إلى الغزو ، وأنهم أبعدوا المذهب :


                                                          غدون من الوادي الذي بين مشعل     وبين الحشا ، هيهات أنسأت سربتي

                                                          ويروى : أنشأت ، بالشين المعجمة . فالسربة في روايته بالسين المهملة : المذهب ، وفي روايته بالشين المعجمة : الجماعة ، وهي رواية الأصمعي والمفضل . والمعنى عندهما : أظهرت جماعتي من مكان بعيد لمغزى بعيد . قال ابن بري : أورده الجوهري : غدون من الوادي ، والصواب غدونا ; لأنه يصف أنه خرج هو وأصحابه إلى الغزو ، وأنهم أبعدوا المذهب . قال : وكذلك أنشده الجوهري أيضا : غدونا ; في فصل سرب . والسربة : المذهب ; في هذا البيت . ونسأ الإبل نسأ : زاد في وردها وأخرها عن وقته . ونسأها : دفعها في السير وساقها . ونسأت في ظمء الإبل أنسؤها نسأ إذا زدت في ظمئها يوما أو يومين أو أكثر من ذلك . ونسأتها أيضا عن الحوض إذا أخرتها عنه . والمنسأة : العصا ، يهمز ولا يهمز ، ينسأ بها . وأبدلوا إبدالا كليا فقالوا : منساة ، وأصلها الهمز ، ولكنها بدل لازم ; حكاه سيبويه . وقد قرئ بهما جميعا . قال الفراء في قوله - عز وجل - : تأكل منسأته ، هي العصا العظيمة التي تكون مع الراعي ، يقال لها المنسأة ، أخذت من نسأت البعير أي زجرته ليزداد سيره . قال أبو طالب عم سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهمز :


                                                          أمن أجل حبل ، لا أباك ، ضربته     بمنسأة ، قد جر حبلك أحبلا

                                                          هكذا أنشده الجوهري منصوبا . قال : والصواب قد جاء حبل بأحبل ، ويروى وأحبل ، بالرفع ، ويروى قد جر حبلك أحبل ، بتقديم المفعول . وبعده بإبيات :

                                                          هلم إلى حكم ابن صخرة إنه سيحكم فيما بيننا ، ثم يعدل كما كان يقضي في أمور تنوبنا ، فيعمد للأمر الجميل ، ويفصل وقال الشاعر في ترك الهمز :


                                                          إذا دببت على المنساة من هرم     فقد تباعد عنك اللهو والغزل

                                                          ونسأ الدابة والناقة والإبل ينسؤها نسأ : زجرها وساقها . قال :

                                                          وعنس ، كألواح الإران ، نسأتها ، إذا قيل للمشبوبتين : هما هما المشبوبتان : الشعريان . وكذلك نسأها تنسئة : زجرها وساقها . وأنشد الأعشى :


                                                          وما أم خشف ، بالعلاية ، شادن     تنسئ ، في برد الظلال ، غزالها

                                                          وخبر ما في البيت الذي بعده :

                                                          بأحسن منها ، يوم قام نواعم ، فأنكرن ، لما واجهتهن ، حالها ونسأت الدابة والماشية تنسأ نسأ : سمنت ، وقيل هو بدء سمنها حين ينبت وبرها بعد تساقطه . يقال : جرى النسء في الدواب يعني السمن . قال أبو ذؤيب يصف ظبية :


                                                          به أبلت شهري ربيع كليهما     فقد مار فيها نسؤها واقترارها

                                                          أبلت : جزأت بالرطب عن الماء . ومار : جرى . والنسء : بدء السمن . والاقترار : نهاية سمنها عن أكل اليبيس . وكل سمين ناسئ . والنسء ، بالهمز ، والنسيء : اللبن الرقيق الكثير الماء . وفي التهذيب : الممذوق بالماء . ونسأته نسأ ونسأته له ونسأته إياه : خلطته له بماء ، واسمه النسء . قال عروة بن الورد العبسي :

                                                          سقوني النسء ، ثم تكنفوني ، عداة الله ، من كذب وزور وقيل : النسء الشراب الذي يزيل العقل ، وبه فسر ابن الأعرابي النسء هاهنا . قال : إنما سقوه الخمر ، ويقوي ذلك رواية سيبويه : سقوني الخمر . وقال ابن الأعرابي مرة : هو النسيء ، بالكسر ، وأنشد :


                                                          يقولون لا تشرب نسيئا     فإنه عليك ، إذا ما ذقته ، لوخيم

                                                          وقال غيره : النسيء ، بالفتح ; وهو الصواب . قال : والذي قاله ابن الأعرابي خطأ ، لأن فعيلا ليس في الكلام إلا أن يكون ثاني الكلمة أحد حروف الحلق ، وما أطرف قوله . ولا يقال نسيء ، بالفتح ، مع علمنا أن كل فعيل بالكسر ففعيل ، بالفتح ، هي اللغة الفصيحة فيه ; فهذا خطأ من وجهين ، فصح أن النسيء ، بالفتح ، هو الصحيح . وكذلك [ ص: 242 ] رواية البيت :

                                                          لا تشرب نسيئا

                                                          ، بالفتح ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية