الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          الجزاء

                                                          لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون

                                                          بعد أن ذكر الله سبحانه حال الناس في الدنيا بين مهدي كتبت له الهداية، وبين شقي كتبت له الغواية، وبين من هداه الله إلى الصراط المستقيم صراط الله، أخذ يبين سبحانه جزاء كل من الفريقين، وابتدأ سبحانه بمن هداه الله تعالى إلى صراط العزيز الحميد، فقال تعالى: [ ص: 2665 ] لهم دار السلام عند ربهم

                                                          الضمير في: (لهم) يعود على من فصل لهم الآيات، فتذكرها؛ إذ يقول سبحانه: قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون فقال سبحانه وتعالى: لهم دار السلام عند ربهم والسلام معناه الأمن، ودار السلام هي الجنة، وسميت دار السلام لأنها دار الأمن من الخوف، فلا يخافون أحدا، ولا يحزنون على شيء فاتهم فيها، وهي دار إقامة وفيها النعيم المقيم، وغيرهم في العذاب، وهم فيها يتمتعون بأمرين: أولهما النعيم الدائم الذي لا يخافون فيه انقطاعا.

                                                          ثاني الأمرين: أنهم يكونون عند ربهم، فهم يلقون الله تعالى، وهو وحده نعيم نفسي لا يعدله نعيم، وهو الذي ربهم في الدنيا، ويربهم في الآخرة، فهم في رحمته في الدنيا، وقد قاموا بالشكر، وفي رحمته في الآخرة لاستحقاقهم الأجر، فالشكر منهم، والأجر من الله تعالى متقابلان، وهما البيع الرابح، وأكد الله تعالى الأمر الثاني وهو قربهم من الله تعالى فقال تعالى: وهو وليهم بما كانوا يعملون

                                                          (الولي) الموالي والنصير والحبيب، والله سبحانه وتعالى هو ذلك كله بالنسبة للمؤمن الطائع الذي سلك طريق الله تعالى المستقيم، وتذكر الله تعالى في الدنيا، في سره وجهره، في ظاهره وباطنه، فهو وليه إذ أخرجه من الظلمات إلى النور وهو وليه إذ شرح قلبه للإسلام وهو وليه إذ وقاه الله تعالى ضر النفس بالانحراف والظلم، ثم هو وليه إذ لقيه في الآخرة ووقاه عذاب الجحيم.

                                                          وقد تكرم الله سبحانه وتعالى-وهو مجري النعم - بأن جعل نعيم الجنة جزاء، وهو المتفضل، وله المن والفضل، فقال تعالى: بما كانوا يعملون أي: أنهم استحقوا دار السلام عند ربهم وولايته بالذي عملوا في الدنيا وداوموا عليه، وكان يتجدد عملهم بتجدد شعورهم بنعمة الله تعالى عليهم، ذلك الفضل من الله، والله يختص برحمته من يشاء، وهو ذو الفضل العظيم.

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية