nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97nindex.php?page=treesubj&link=28977_31762_32415_29426وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون .
عطف على جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وجاعل الليل سكنا ) ، وهذا تذكير بوحدانية الله ، وبعظيم خلقة النجوم ، وبالنعمة الحاصلة من نظام سيرها إذ كانت هداية
[ ص: 393 ] للناس في ظلمات البر والبحر يهتدون بها . وقد كان ضبط حركات النجوم ومطالعها ومغاربها من أقدم العلوم البشرية ظهر بين
الكلدانيين والمصريين القدماء . وذلك النظام هو الذي أرشد العلماء إلى تدوين علم الهيئة .
والمقصود الأول من هذا الخبر الاستدلال على وحدانية الله تعالى بالإلهية ، فلذلك صيغ بصيغة القصر بطريق تعريف المسند والمسند إليه ، لأن كون خلق النجوم من الله وكونها مما يهتدى بها لا ينكره المخاطبون ولكنهم لم يجروا على ما يقتضيه من إفراده بالعبادة .
والنجوم جمع نجم ، وهو الكوكب ، أي الجسم الكروي المضيء في الأفق ليلا الذي يبدو للعين صغيرا ، فليس القمر بنجم .
و جعل هنا بمعنى خلق ، فيتعدى إلى مفعول واحد و لكم . متعلق بـ جعل ، والضمير للبشر كلهم ، فلام لكم للعلة .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97لتهتدوا بها علة ثانية لـ جعل فاللام للعلة أيضا ، وقد دلت الأولى على قصد الامتنان ، فلذلك دخلت على ما يدل على الضمير الدال على الذوات ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1ألم نشرح لك صدرك ، واللام الثانية دلت على حكمة الجعل وسبب الامتنان وهو ذلك النفع العظيم . ولما كان الاهتداء من جملة أحوال المخاطبين كان موقع قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97لتهتدوا قريبا من موقع بدل الاشتمال بإعادة العامل ، وقد تقدم ذلك عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا في سورة المائدة .
والمراد بالظلمات : الظلمة الشديدة ، فصيغة الجمع مستعملة في القوة . وقد تقدم أن الشائع أن يقال : ظلمات ، ولا يقال : ظلمة ، عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17وتركهم في ظلمات لا يبصرون في سورة البقرة .
وإضافة ظلمات إلى البر والبحر على معنى ( في ) لأن الظلمات واقعة في
[ ص: 394 ] هذين المكانين ، أي لتهتدوا بها في السير في الظلمات . ومن ينفي الإضافة على معنى ( في ) يجعلها إضافة على معنى اللام لأدنى ملابسة كما في كوكب الخرقاء .
والإضافة لأدنى ملابسة ، إما مجاز لغوي مبني على المشابهة ، فهو استعارة على ما هو ظاهر كلام المفتاح في مبحث البلاغة والفصاحة إذ جعل في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44يا أرض ابلعي ماءك إضافة الماء إلى الأرض على سبيل المجاز تشبيها لاتصال الماء بالأرض باتصال الملك بالمالك ا هـ . فاستعمل فيه الإضافة التي هي على معنى لام الملك فهو استعارة تبعية ; وإما مجاز عقلي على رأي
التفتزاني في موضع آخر إذ قال في كوكب الخرقاء حقيقة الإضافة اللامية الاختصاص الكامل ، فالإضافة لأدنى ملابسة تكون مجازا حكميا . ولعل
التفتزاني يرى الاختلاف في المجاز باختلاف قرب الإضافة لأدنى ملابسة من معنى الاختصاص وبعدها منه كما يظهر الفرق بين المثالين ، على أن قولهم : لأدنى ملابسة ، يؤذن بالمجاز العقلي لأنه إسناد الحكم أو معناه إلى ملابس لما هو له .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97قد فصلنا الآيات مستأنفة للتسجيل والتبليغ وقطع معذرة من لم يؤمنوا . واللام للتعليل متعلق بـ فصلنا كقوله :
ويوم عقرت للعذارى مطيتي
أي فصلنا لأجل قوم يعلمون .
وتفصيل الآيات تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=55وكذلك نفصل الآيات في هذه السورة . وجعل التفصيل لقوم يعلمون تعريضا بمن لم ينتفعوا من هذا التفصيل بأنهم قوم لا يعلمون .
[ ص: 395 ] والتعريف في الآيات للاستغراق فيشمل آية خلق النجوم وغيرها .
والعلم في كلام العرب إدراك الأشياء على ما هي عليه ، قال
السموأل أو
عبد الملك الحارثي :
فليس سواء عالم وجهول
وقال
النابغة :
وليس جاهل شيء مثل من علما
والذين يعلمون هم الذين انتفعوا بدلائل الآيات ، وهم الذين آمنوا بالله وحده ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97nindex.php?page=treesubj&link=28977_31762_32415_29426وَهْوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ .
عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا ) ، وَهَذَا تَذْكِيرٌ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ ، وَبِعَظِيمِ خِلْقَةِ النُّجُومِ ، وَبِالنِّعْمَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ نِظَامِ سَيْرِهَا إِذْ كَانَتْ هِدَايَةً
[ ص: 393 ] لِلنَّاسِ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ يَهْتَدُونَ بِهَا . وَقَدْ كَانَ ضَبْطُ حَرَكَاتِ النُّجُومِ وَمَطَالِعِهَا وَمَغَارِبِهَا مِنْ أَقْدَمِ الْعُلُومِ الْبَشَرِيَّةِ ظَهَرَ بَيْنَ
الْكَلْدَانِيِّينَ وَالْمِصْرِيِّينَ الْقُدَمَاءِ . وَذَلِكَ النِّظَامُ هُوَ الَّذِي أَرْشَدُ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَدْوِينِ عِلْمِ الْهَيْئَةِ .
وَالْمَقْصُودُ الْأَوَّلُ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْإِلَهِيَّةِ ، فَلِذَلِكَ صِيغَ بِصِيغَةِ الْقَصْرِ بِطَرِيقِ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ، لِأَنَّ كَوْنَ خَلْقِ النُّجُومِ مِنَ اللَّهِ وَكَوْنَهَا مِمَّا يُهْتَدَى بِهَا لَا يُنْكِرُهُ الْمُخَاطَبُونَ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يَجْرُوا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ مِنْ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ .
وَالنُّجُومُ جَمْعُ نَجْمٍ ، وَهُوَ الْكَوْكَبُ ، أَيِ الْجِسْمُ الْكُرَوِيُّ الْمُضِيءُ فِي الْأُفُقِ لَيْلًا الَّذِي يَبْدُو لِلْعَيْنِ صَغِيرًا ، فَلَيْسَ الْقَمَرُ بِنَجْمٍ .
وَ جَعَلَ هُنَا بِمَعْنَى خَلَقَ ، فَيَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ وَ لَكُمُ . مُتَعَلِّقٌ بِـ جَعَلَ ، وَالضَّمِيرُ لِلْبَشَرِ كُلِّهِمْ ، فَلَامُ لَكُمُ لِلْعِلَّةِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97لِتَهْتَدُوا بِهَا عِلَّةٌ ثَانِيَةٌ لِـ جَعَلَ فَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ أَيْضًا ، وَقَدْ دَلَّتِ الْأُولَى عَلَى قَصْدِ الِامْتِنَانِ ، فَلِذَلِكَ دَخَلَتْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى الضَّمِيرِ الدَّالِّ عَلَى الذَّوَاتِ ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=1أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ، وَاللَّامُ الثَّانِيَةُ دَلَّتْ عَلَى حِكْمَةِ الْجَعْلِ وَسَبَبِ الِامْتِنَانِ وَهُوَ ذَلِكَ النَّفْعُ الْعَظِيمُ . وَلَمَّا كَانَ الِاهْتِدَاءُ مِنْ جُمْلَةِ أَحْوَالِ الْمُخَاطَبِينَ كَانَ مَوْقِعُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97لِتَهْتَدُوا قَرِيبًا مِنْ مَوْقِعِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=114تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ .
وَالْمُرَادُ بِالظُّلُمَاتِ : الظُّلْمَةُ الشَّدِيدَةُ ، فَصِيغَةُ الْجَمْعِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الْقُوَّةِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الشَّائِعَ أَنْ يُقَالَ : ظُلُمَاتٌ ، وَلَا يُقَالُ : ظُلْمَةٌ ، عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَإِضَافَةُ ظُلُمَاتِ إِلَى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ عَلَى مَعْنَى ( فِي ) لِأَنَّ الظُّلُمَاتِ وَاقِعَةٌ فِي
[ ص: 394 ] هَذَيْنِ الْمَكَانَيْنِ ، أَيْ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي السَّيْرِ فِي الظُّلُمَاتِ . وَمَنْ يَنْفِي الْإِضَافَةَ عَلَى مَعْنَى ( فِي ) يَجْعَلُهَا إِضَافَةً عَلَى مَعْنَى اللَّامِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ كَمَا فِي كَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ .
وَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ ، إِمَّا مَجَازٌ لُغَوِيٌّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُشَابَهَةِ ، فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِفْتَاحِ فِي مَبْحَثِ الْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ إِذْ جَعَلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=44يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ إِضَافَةَ الْمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ تَشْبِيهًا لِاتِّصَالِ الْمَاءِ بِالْأَرْضِ بِاتِّصَالِ الْمِلْكِ بِالْمَالِكِ ا هـ . فَاسْتَعْمَلَ فِيهِ الْإِضَافَةَ الَّتِي هِيَ عَلَى مَعْنَى لَامِ الْمِلْكِ فَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ ; وَإِمَّا مَجَازٌ عَقْلِيٌّ عَلَى رَأْيِ
التَّفْتَزَانِيِّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِذْ قَالَ فِي كَوْكَبِ الْخَرْقَاءِ حَقِيقَةُ الْإِضَافَةِ اللَّامِيَّةِ الِاخْتِصَاصُ الْكَامِلُ ، فَالْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ تَكُونُ مَجَازًا حُكْمِيًّا . وَلَعَلَّ
التَّفْتَزَانِيَّ يَرَى الِاخْتِلَافَ فِي الْمَجَازِ بِاخْتِلَافِ قُرْبِ الْإِضَافَةِ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ مِنْ مَعْنَى الِاخْتِصَاصِ وَبُعْدِهَا مِنْهُ كَمَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمِثَالَيْنِ ، عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ : لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ ، يُؤْذِنُ بِالْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ لِأَنَّهُ إِسْنَادُ الْحُكْمِ أَوْ مَعْنَاهُ إِلَى مَلَابِسٍ لِمَا هُوَ لَهُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=97قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ مُسْتَأْنِفَةٌ لِلتَّسْجِيلِ وَالتَّبْلِيغِ وَقَطْعِ مَعْذِرَةِ مَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا . وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ مُتَعَلِّقٌ بِـ فَصَّلْنَا كَقَوْلِهِ :
وَيَوْمَ عَقَرْتُ لِلْعِذَارَى مَطِيَّتِي
أَيْ فَصَّلْنَا لِأَجْلِ قَوْمٍ يَعْلَمُونَ .
وَتَفْصِيلُ الْآيَاتِ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=55وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ . وَجَعَلَ التَّفْصِيلَ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ تَعْرِيضًا بِمَنْ لَمْ يَنْتَفِعُوا مِنْ هَذَا التَّفْصِيلِ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ .
[ ص: 395 ] وَالتَّعْرِيفُ فِي الْآيَاتِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَيَشْمَلُ آيَةَ خَلْقِ النُّجُومِ وَغَيْرَهَا .
وَالْعِلْمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ إِدْرَاكُ الْأَشْيَاءِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ ، قَالَ
السَّمَوْأَلُ أَوْ
عَبْدُ الْمَلِكِ الْحَارِثِيُّ :
فَلَيْسَ سَوَاءً عَالِمٌ وَجَهُولُ
وَقَالَ
النَّابِغَةُ :
وَلَيْسَ جَاهِلُ شَيْءٍ مِثْلَ مَنْ عَلِمَا
وَالَّذِينَ يَعْلَمُونَ هُمُ الَّذِينَ انْتَفَعُوا بِدَلَائِلِ الْآيَاتِ ، وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=99إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .