الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نسا

                                                          نسا : النسوة والنسوة بالكسر والضم ، والنساء والنسوان والنسوان : جمع المرأة من غير لفظه كما يقال خلفة ومخاض وذلك وأولئك والنسون . قال ابن سيده : والنساء جمع نسوة إذا كثرن ، ولذلك قال سيبويه في الإضافة إلى نساء نسوي ، فرده إلى واحده ، وتصغير نسوة نسية ، ويقال : نسيات ، وهو تصغير الجمع . والنسا : عرق من الورك إلى الكعب ، ألفه منقلبة عن واو ، لقولهم نسوان في تثنيته ، وقد ذكرت أيضا منقلبة عن الياء لقولهم نسيان ، أنشد ثعلب :


                                                          ذي محزم نهد وطرف شاخص وعصب عن نسويه قالص



                                                          الأصمعي : النسا ، بالفتح مقصور بوزن العصا عرق يخرج من الورك فيستبطن الفخذين ثم يمر بالعرقوب حتى يبلغ الحافر ، فإذا سمنت الدابة انفلقت فخذاها بلحمتين عظيمتين وجرى النسا بينهما واستبان وإذا هزلت الدابة اضطربت الفخذان وماجت الربلتان وخفي النسا ، وإنما يقال منشق النسا ، يريد موضع النسا . وفي حديث سعد : رميت سهيل بن عمرو يوم بدر فقطعت نساه . والأفصح أن يقال له النسا ، لا عرق النسا . ابن سيده : والنسا من الورك إلى الكعب ، ولا يقال عرق النسا ، وقد غلط فيه ثعلب فأضافه ، والجمع أنساء ، قال أبو ذؤيب :


                                                          متفلق أنساؤها عن قانئ     كالقرط صاو غبره لا يرضع


                                                          وإنما قال متفلق أنساؤها ، والنسا لا يتفلق إنما يتفلق موضعه ، أراد يتفلق فخذاها عن موضع النسا لما سمنت تفرجت اللحمة فظهر النسا ، صاو : يابس ، يعني الضرع ، كالقرط شبهه بقرط المرأة ولم يرد أن ثم بقية لبن لا يرضع ، إنما أراد أنه لا غبر هنالك فيهتدى به ، قال ابن بري : وقوله عن قانئ أي عن ضرع أحمر كالقرط ، يعني في صغره ، وقوله : غبره لا يرضع أي ليس لها غبر فيرضع ، قال : ومثله قوله :


                                                          على لاحب لا يهتدى لمناره



                                                          أي ليس ثم منار فيهتدى به ، ومثله قوله تعالى : لا يسألون الناس إلحافا أي لا سؤال لهم فيكون منه الإلحاف ، وإذا قالوا إنه لشديد النسا فإنما يراد به النسا نفسه . ونسيته أنسيه نسيا فهو منسي : ضربت نساه . ونسي الرجل ينسي نسا إذا اشتكى نساه فهو نس على فعل إذا اشتكى نساه ، وفي المحكم : فهو أنسى ، والأنثى نسآء ، وفي التهذيب نسياء إذا اشتكيا عرق النسا ، قال ابن السكيت : هو عرق النسا ، وقال الأصمعي : لا يقال عرق النسا ، والعرب لا تقول عرق النسا كما لا يقولون عرق الأكحل ، ولا عرق الأبجل ، إنما هو النسا والأكحل والأبجل ، وأنشد بيتين لامرئ القيس ، وحكى الكسائي وغيره : هو عرق النسا ، وحكى أبو العباس في الفصيح : أبو عبيد يقال للذي يشتكي نساه نس ، وقال ابن السكيت : هو النسا لهذا العرق ، قال لبيد :


                                                          من نسا الناشط إذا ثورته     أو رئيس الأخدريات الأول



                                                          قال ابن بري : جاء في التفسير عن ابن عباس وغيره كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه قالوا : حرم إسرائيل لحوم الإبل ; لأنه كان به عرق النسا ، فإذا ثبت أنه مسموع فلا وجه لإنكار قولهم عرق النسا ، قال : ويكون من باب إضافة المسمى إلى اسمه كحبل الوريد ونحوه ، ومنه قول الكميت :


                                                          إليكم ذوي آل النبي تطلعت     نوازع من قلبي ظماء وألبب



                                                          أي إليكم يا أصحاب هذا الاسم ، قال : وقد يضاف الشيء إلى نفسه إذا اختلف اللفظان كحبل الوريد وحب الحصيد وثابت قطنة وسعيد كرز ، ومثله : فقلت انجوا عنها نجا الجلد ، والنجا : هو الجلد المسلوخ ، وقول الآخر :


                                                          تفاوض من أطوي طوى الكشح دونه



                                                          وقال فروة بن مسيك :


                                                          لما رأيت ملوك كندة أعرضت     كالرجل خان الرجل عرق نسائها



                                                          قال : ومما يقوي قولهم عرق النساء قول هميان : كأنما ييجع عرقا أبيضه والأبيض : هو العرق . والنسيان بكسر النون : ضد الذكر والحفظ ، نسيه نسيا ونسيانا ونسوة ونساوة ونساوة ، الأخيرتان على المعاقبة . وحكى ابن بري عن ابن خالويه في كتاب اللغات قال : نسيت الشيء نسيانا ونسيا ونسيا ونساوة ونسوة ، وأنشد :


                                                          فلست بصرام ولا ذي ملالة     ولا نسوة للعهد يا أم جعفر



                                                          وتناساه وأنساه إياه . وقوله - عز وجل - : نسوا الله فنسيهم قال ثعلب : لا ينسى الله - عز وجل - إنما معناه تركوا الله فتركهم ، فلما كان النسيان ضربا من الترك وضعه موضعه ، وفي التهذيب : أي تركوا أمر الله [ ص: 251 ] فتركهم من رحمته . وقوله تعالى : فنسيتها وكذلك اليوم تنسى أي تركتها فكذلك تترك في النار . ورجل نسيان بفتح النون : كثير النسيان للشيء . وقوله - عز وجل - : ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي معناه أيضا ترك ; لأن الناسي لا يؤاخذ بنسيانه ، والأول أقيس . والنسيان : الترك . وقوله - عز وجل - : ما ننسخ من آية أو ننسها أي نأمركم بتركها . يقال : أنسيته أي أمرت بتركه . ونسيته : تركته . وقال الفراء : عامة القراء يجعلون قوله : أو ننساها من النسيان ، والنسيان هاهنا على وجهين : أحدهما على الترك نتركها فلا ننسخها كما قال - عز وجل - : نسوا الله فنسيهم يريد تركوه فتركهم ، وقال تعالى : ولا تنسوا الفضل بينكم والوجه الآخر من النسيان الذي ينسى كما قال تعالى : واذكر ربك إذا نسيت وقال الزجاج : قرئ : أو ننسها . وقرئ : ننسها . وقرئ : ننسأها . قال : وقول أهل اللغة في قوله أو ننسها قولان : قال بعضهم : أو ننسها من النسيان ، وقال : دليلنا على ذلك قوله تعالى : سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله فقد أعلم الله أنه يشاء أن ينسى . قال أبو إسحاق : هذا القول عندي غير جائز لأن الله تعالى قد أنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله : ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا أنه لا يشاء أن يذهب بما أوحى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وقوله فلا تنسى أي فلست تترك إلا ما شاء الله أن تترك ، قال : ويجوز أن يكون إلا ما شاء الله مما يلحق بالبشرية ، ثم تذكر بعد ليس أنه على طريق السلب للنبي صلى الله عليه وسلم شيئا أوتيه من الحكمة ، قال : وقيل في قوله أو ننسها قول آخر ، وهو خطأ أيضا : أو نتركها ، وهذا إنما يقال فيه نسيت إذا تركت ، لا يقال أنسيت تركت قال : وإنما معنى أو ننسها أو نتركها أي نأمركم بتركها ، قال أبو منصور : ومما يقوي هذا ما روى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه أنشده :


                                                          إن علي عقبة أقضيها     لست بناسيها ولا منسيها



                                                          قال : بناسيها بتاركها ولا منسيها ولا مؤخرها ، فوافق قول ابن الأعرابي قوله في الناسي إنه التارك لا المنسي ، واختلفا في المنسي قال أبو منصور : وكأن ابن الأعرابي ذهب في قوله ولا منسيها إلى ترك الهمز من أنسأت الدين إذا أخرته على لغة من يخفف الهمز . والنسوة : الترك للعمل . وقوله - عز وجل - : نسوا الله فأنساهم أنفسهم قال : إنما معناه أنساهم أن يعملوا لأنفسهم . وقوله - عز وجل - : وتنسون ما تشركون قال الزجاج : تنسون هاهنا على ضربين : جائز أن يكون تنسون تتركون ، وجائز أن يكون المعنى أنكم في ترككم دعاءهم بمنزلة من قد نسيهم ، وكذلك قوله تعالى : فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا أي نتركهم من الرحمة في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا ، وكذلك قوله تعالى : فلما نسوا ما ذكروا به يجوز أن يكون معناه تركوا ويجوز أن يكونوا في تركهم القبول بمنزلة من نسي . الليث : نسي فلان شيئا كان يذكره ، وإنه لنسي كثير النسيان . والنسي : الشيء المنسي الذي لا يذكر . والنسي والنسي ، الأخيرة عن كراع ، وآدم قد أوخذ بنسيانه فهبط من الجنة . وجاء في الحديث : لو وزن حلمهم وحزمهم مذ كان آدم إلى أن تقوم الساعة ما وفى بحلم آدم وحزمه . وقال الله فيه : فنسي ولم نجد له عزما النسي : المنسي . وقوله - عز وجل - حكاية عن مريم : وكنت نسيا منسيا فسره ثعلب فقال : النسي خرق الحيض التي يرمى بها فتنسى ، وقرئ : نسيا ونسيا بالكسر والفتح ، فمن قرأ بالكسر فمعناه حيضة ملقاة ، ومن قرأ نسيا فمعناه شيئا منسيا لا أعرف ، قال دكين الفقيمي :


                                                          بالدار وحي كاللقى المطرس     كالنسي ملقى بالجهاد البسبس



                                                          والجهاد بالفتح : الأرض الصلبة . والنسي أيضا : ما نسي وما سقط في منازل المرتحلين من رذال أمتعتهم . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : وددت أني كنت نسيا منسيا أي شيئا حقيرا مطرحا لا يلتفت إليه . ويقال لخرقة الحائض : نسي ، وجمعه أنساء . تقول العرب إذا ارتحلوا من المنزل : انظروا أنساءكم تريد الأشياء الحقيرة التي ليست عندهم ببال مثل العصا والقدح والشظاظ أي اعتبروها لئلا تنسوها في المنزل ، وقال الأخفش : النسي ما أغفل من شيء حقير ونسي ، وقال الزجاج : النسي في كلام العرب الشيء المطروح لا يؤبه له ، وقال الشنفرى :


                                                          كأن لها في الأرض نسيا تقصه     على أمها وإن تخاطبك تبلت



                                                          قال ابن بري : بلت بالفتح إذا قطع ، وبلت بالكسر إذا سكن . وقال الفراء : النسي والنسي لغتان فيما تلقيه المرأة من خرق اعتلالها مثل وتر ووتر ، قال : ولو أردت بالنسي مصدر النسيان كان صوابا ، والعرب تقول نسيته نسيانا ونسيا ، ولا تقل نسيانا بالتحريك لأن النسيان إنما هو تثنية نسا العرق . وأنسانيه الله ونسانيه تنسية بمعنى . وتناساه : أرى من نفسه أنه نسيه وقول امرئ القيس : ومثلك بيضاء العوارض طفلة لعوب تناساني إذا قمت سربالي أي تنسيني عن أبي عبيد . والنسي : الكثير النسيان يكون فعيلا وفعولا وفعيل أكثر ; لأنه لو كان فعولا لقيل نسو أيضا . وقال ثعلب : رجل ناس ونسي كقولك حاكم وحكيم وعالم وعليم وشاهد وشهيد وسامع وسميع . وفي التنزيل العزيز : وما كان ربك نسيا أي لا ينسى شيئا . قال الزجاج : وجائز أن يكون معناه والله أعلم ما نسيك ربك يا محمد وإن تأخر عنك الوحي يروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبطأ عليه جبريل - عليه السلام - بالوحي فقال وقد أتاه جبريل : ما زرتنا حتى اشتقناك ، فقال : ما نتنزل إلا بأمر ربك . وفي الحديث : لا يقولن أحدكم نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي . كره نسبة النسيان إلى النفس لمعنيين : أحدهما أن الله - عز وجل - هو الذي أنساه إياه ; لأنه المقدر للأشياء كلها ، والثاني أن أصل النسيان الترك فكره له أن يقول تركت القرآن أو قصدت إلى نسيانه ، ولأن ذلك لم يكن باختياره . يقال : نساه الله وأنساه . ولو روي نسي بالتخفيف لكان معناه ترك من الخير وحرم ، ورواه أبو عبيد : بئسما لأحدكم أن يقول نسيت آية كيت وكيت ليس هو نسي ولكنه نسي . قال : وهذا اللفظ أبين من الأول واختار فيه أنه بمعنى الترك ومنه الحديث : إنما أنسى لأسن أي [ ص: 252 ] لأذكر لكم ما يلزم الناسي لشيء من عبادته وأفعل ذلك فتقتدوا بي . وفي الحديث : فيتركون في المنسى تحت قدم الرحمن أي ينسون في النار ، وتحت القدم استعارة كأنه قال : ينسيهم الله الخلق لئلا يشفع فيهم أحد قال الشاعر :


                                                          أبلت مودتها الليالي بعدنا     ومشى عليها الدهر وهو مقيد

                                                          ومنه قوله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح : كل مأثرة من مآثر الجاهلية تحت قدمي إلى يوم القيامة . والنسي : الذي لا يعد في القوم ; لأنه منسي . الجوهري في قوله تعالى : ولا تنسوا الفضل بينكم قال : أجاز بعضهم الهمز فيه . قال المبرد : كل واو مضمومة لك أن تهمزها إلا واحدة فإنهم اختلفوا فيها ، وهي قوله تعالى : ولا تنسوا الفضل بينكم وما أشبهها من واو الجمع ، وأجاز بعضهم الهمز وهو قليل ، والاختيار ترك الهمز ، قال : وأصله تنسيوا ، فسكنت الياء وأسقطت لاجتماع الساكنين ، فلما احتيج إلى تحريك الواو ردت فيها ضمة الياء . وقال ابن بري : عند قول الجوهري فسكنت الياء وأسقطت لاجتماع الساكنين ، قال : صوابه فتحركت الياء وانفتح ما قبلها فانقلبت ألفا ، ثم حذفت لالتقاء الساكنين . ابن الأعرابي : ناساه إذا أبعده جاء به غير مهموز وأصله الهمز . الجوهري : المنساة العصا ، قال الشاعر :


                                                          إذا دببت على المنساة من هرم     فقد تباعد عنك اللهو والغزل

                                                          قال : وأصله الهمز وقد ذكر ، وروى شمر أن ابن الأعرابي أنشده :


                                                          سقوني النسي ثم تكنفوني     عداة الله من كذب وزور

                                                          بغير همز وهو كل ما نسى العقل ، قال : وهو من اللبن حليب يصب عليه ماء ، قال شمر : وقال غيره هو النسي ، نصب النون بغير همز ، وأنشد :


                                                          لا تشربن يوم ورود حازرا     ولا نسيا فتجئ فاترا

                                                          ابن الأعرابي : النسوة الجرعة من اللبن .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية