الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نشأ

                                                          نشأ : أنشأه الله : خلقه . ونشأ ينشأ نشأ ونشوءا ونشاء ونشأة ونشاءة : حيي وأنشأ الله الخلق أي ابتدأ خلقهم . وفي التنزيل العزيز : وأن عليه النشأة الأخرى أي البعثة . وقرأ أبو عمرو : النشاءة ، بالمد . الفراء في قوله تعالى : ثم الله ينشئ النشأة الآخرة القراء مجتمعون على جزم الشين وقصرها إلا الحسن البصري فإنه مدها في كل القرآن ، فقال : النشاءة مثل الرأفة والرآفة والكأبة والكآبة . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو : النشاءة ، ممدود حيث وقعت . وقرأ عاصم ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي : النشأة ، بوزن النشعة حيث وقعت . ونشأ ينشأ نشأ ونشوءا ونشاء : ربا وشب . ونشأت في بني فلان نشأ ونشوءا : شببت فيهم . ونشئ وأنشئ بمعنى . وقرئ : أومن ينشأ في الحلية . وقيل : الناشئ فويق المحتلم ، وقيل : هو الحدث الذي جاوز حد الصغر وكذلك الأنثى ناشئ بغير هاء أيضا ، والجمع منهما نشأ مثل طالب وطلب ، وكذلك النشء مثل صاحب وصحب . قال : نصيب في المؤنث :


                                                          ولولا أن يقال صبا نصيب لقلت بنفسي النشأ الصغار

                                                          وفي الحديث : نشأ يتخذون القرآن مزامير . يروى بفتح الشين جمع ناشئ كخادم وخدم ، يريد : جماعة أحداثا . وقال أبو موسى : المحفوظ بسكون الشين كأنه تسمية بالمصدر . وفي الحديث : ضموا نواشئكم في ثورة العشاء أي صبيانكم وأحداثكم . قال ابن الأثير : كذا رواه بعضهم والمحفوظ فواشيكم بالفاء ، وسيأتي ذكره في المعتل . الليث : النشء أحداث الناس يقال للواحد أيضا هو نشء سوء ، وهؤلاء نشء سوء ، والناشئ الشاب . يقال : فتى ناشئ . قال الليث : ولم أسمع هذا النعت في الجارية . الفراء : العرب تقول هؤلاء نشء صدق ، ورأيت نشء صدق ومررت بنشء صدق ، فإذا طرحوا الهمز قالوا : هؤلاء نشو صدق ورأيت نشا صدق ومررت بنشي صدق . وأجود من ذلك حذف الواو والألف والياء ; لأن قولهم يسل أكثر من يسأل ومسلة أكثر من مسألة . أبو عمرو : النشأ : أحداث الناس غلام ناشئ وجارية ناشئة والجمع نشأ . وقال شمر : نشأ : ارتفع . ابن الأعرابي : الناشئ : الغلام الحسن الشاب . أبو الهيثم : الناشئ : الشاب حين نشأ أي بلغ قامة الرجل . ويقال للشاب والشابة إذا كانوا كذلك : هم النشأ يا هذا والناشئون . وأنشد بيت نصيب :


                                                          لقلت بنفسي النشأ الصغار

                                                          وقال بعده : فالنشأ قد ارتفعن عن حد الصبا إلى الإدراك أو قربن منه . نشأت تنشأ نشأ وأنشأها الله إنشاء . قال : وناشئ ونشأ : جماعة مثل خادم وخدم . وقال ابن السكيت : النشأ الجواري الصغار في بيت نصيب . وقوله تعالى : أومن ينشأ في الحلية قال الفراء : قرأ أصحاب عبد الله : ينشأ . وقرأ عاصم وأهل الحجاز : ينشأ . قال : ومعناه أن المشركين قالوا : إن الملائكة بنات الله تعالى الله عما افتروا فقال الله - عز وجل - : أخصصتم الرحمن بالبنات وأحدكم إذا ولد له بنت يسود وجهه ، قال : وكأنه قال : أومن لا ينشأ إلا في الحلية ، ولا بيان له عند الخصام يعني البنات تجعلونهن لله وتستأثرون بالبنين . والنشء بسكون الشين : صغار الإبل عن كراع . وأنشأت الناقة وهي منشئ : لقحت هذلية . ونشأ السحاب نشأ ونشوءا : ارتفع وبدا وذلك في أول ما يبدأ . ولهذا السحاب نشء حسن يعني أول ظهوره . الأصمعي : خرج السحاب له نشء حسن وخرج له خروج حسن ، وذلك أول ما ينشأ ، وأنشد :


                                                          إذا هم بالإقلاع همت به الصبا     فعاقب نشء بعدها وخروج



                                                          وقيل : النشء أن ترى السحاب كالملاء المنشور . والنشء والنشيء : أول ما ينشأ من السحاب ويرتفع وقد أنشأه الله . وفي التنزيل العزيز : وينشئ السحاب الثقال ، وفي الحديث : إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة . وفي الحديث : كان إذا رأى ناشئا في أفق السماء أي سحابا لم يتكامل اجتماعه واصطحابه . ومنه نشأ الصبي ينشأ فهو ناشئ إذا كبر وشب ولم يتكامل وأنشأ السحاب يمطر : بدأ . وأنشأ دارا : بدأ بناءها . وقال ابن جني في تأدية الأمثال على ما وضعت عليه : يؤدى ذلك في كل موضع على صورته التي أنشئ في [ ص: 253 ] مبدئه عليها فاستعمل الإنشاء في العرض الذي هو الكلام . وأنشأ يحكي حديثا : جعل . وأنشأ يفعل كذا ويقول كذا : ابتدأ وأقبل . وفلان ينشئ الأحاديث أي يضعها . قال الليث : أنشأ فلان حديثا أي ابتدأ حديثا ورفعه . ومن أين أنشأت أي خرجت ، عن ابن الأعرابي . وأنشأ فلان : أقبل . وأنشد قول الراجز :


                                                          مكان من أنشا على الركائب



                                                          أراد أنشأ فلم يستقم له الشعر فأبدل . ابن الأعرابي : أنشأ إذا أنشد شعرا أو خطب خطبة فأحسن فيهما . ابن السكيت عن أبي عمرو : تنشأت إلى حاجتي : نهضت إليها ومشيت . وأنشد :


                                                          فلما أن تنشأ قام خرق     من الفتيان مختلق هضوم

                                                          قال : وسمعت غير واحد من الأعراب يقول : تنشأ فلان غاديا إذا ذهب لحاجته . وقال الزجاج في قوله تعالى : وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات أي ابتدعها وابتدأ خلقها . وكل من ابتدأ شيئا فهو أنشأه . والجنات : البساتين . معروشات : الكروم . وغير معروشات : النخل والزرع . ونشأ الليل : ارتفع . وفي التنزيل العزيز : إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا قيل : هي أول ساعة وقيل : الناشئة والنشيئة إذا نمت من أول الليل نومة ثم قمت ، ومنه ناشئة الليل . وقيل : ما ينشأ في الليل من الطاعات . والناشئة : أول النهار والليل . أبو عبيدة : ناشئة الليل ساعاته وهي آناء الليل ناشئة بعد ناشئة . وقال الزجاج : ناشئة الليل ساعات الليل كلها ما نشأ منه أي ما حدث فهو ناشئة . قال أبو منصور : ناشئة الليل قيام الليل ، مصدر جاء على فاعلة وهو بمعنى النشء ، مثل العافية بمعنى العفو والعاقبة بمعنى العقب والخاتمة الختم . وقيل : ناشئة الليل أوله وقيل : كله ناشئة متى قمت فقد نشأت . والنشيئة : الرطب من الطريفة ، فإذا يبس فهو طريفة . والنشيئة أيضا : نبت النصي والصليان . قال : والقولان مقتربان . والنشيئة أيضا : التفرة إذا غلظت قليلا وارتفعت وهي رطبة عن أبي حنيفة . وقال مرة : النشيئة والنشأة من كل النبات : ناهضه الذي لم يغلظ بعد . وأنشد لابن مناذر في وصف حمير وحش :


                                                          أرنات صفر المناخر والأش     داق يخضدن نشأة اليعضيد

                                                          ونشيئة البئر : ترابها المخرج منها ، ونشيئة الحوض : ما وراء النصائب من التراب . وقيل : هو الحجر الذي يجعل في أسفل الحوض . وقيل : هي أعضاد الحوض ، والنصائب : ما نصب حوله . وقيل : هو أول ما يعمل من الحوض يقال : هو بادي النشيئة إذا جف عنه الماء وظهرت أرضه . قال ذو الرمة :


                                                          هرقناه في بادي النشيئة داثر     قديم بعهد الماء بقع نصائبه

                                                          يقول : هرقنا الماء في حوض بادي النشيئة . والنصائب : حجارة الحوض واحدتها نصيبة . وقوله : بقع نصائبه : جمع بقعاء ، وجمعها بذلك لوقوع النظر عليها . وفي الحديث : أنه دخل على خديجة خطبها ودخل عليها مستنشئة من مولدات قريش . قال الأزهري : هي اسم تلك الكاهنة . وقال غيره : المستنشئة : الكاهنة سميت بذلك ; لأنها كانت تستنشئ الأخبار أي تبحث عنها وتطلبها من قولك رجل نشيان للخبر . ومستنشئة يهمز ولا يهمز . والذئب يستنشيء الريح بالهمز . قال : وإنما هو من نشيت الريح غير مهموز أي شممتها . والاستنشاء يهمز ولا يهمز وقيل هو من الإنشاء : الابتداء . وفي خطبة المحكم : ومما يهمز مما ليس أصله الهمز من جهة الاشتقاق قولهم : الذئب يستنشئ الريح وإنما هو من النشوة والكاهنة تستحدث الأمور وتجدد الأخبار . ويقال : من أين نشيت هذا الخبر بالكسر من غير همز أي من أين علمته . قال ابن الأثير وقال الأزهري : مستنشئة اسم علم لتلك الكاهنة التي دخلت عليها ولا ينون للتعريف والتأنيث . وأما قول صخر الغي :


                                                          تدلى عليه من بشام وأيكة     نشاة فروع مرثعن الذوائب

                                                          يجوز أن يكون نشأة فعلة من نشأ ثم يخفف على حد ما حكاه صاحب الكتاب من قولهم الكماة والمراة ، ويجوز أن يكون نشاة فعلة فتكون نشاة من أنشأت كطاعة من أطعت إلا أن الهمزة على هذا أبدلت ولم تخفف . ويجوز أن يكون من نشا ينشو نشأ ينشأ وقد حكاه قطرب فتكون فعلة من هذا اللفظ ، ومن زائدة على مذهب الأخفش أي تدلى عليه بشام وأيكة . قال : وقياس قول سيبويه أن يكون الفاعل مضمرا يدل عليه شاهد في اللفظ ، التعليل لابن جني . ابن الأعرابي : النشيء ريح الخمر . قال الزجاج في قوله تعالى : وله الجواري المنشآت وقرئ المنشئات قال : ومعنى المنشآت : السفن المرفوعة الشرع . قال : والمنشئات : الرافعات الشرع . وقال الفراء : من قرأ المنشئات فهن اللاتي يقبلن ويدبرن ، ويقال المنشئات : المبتدئات في الجري . قال : والمنشآت أقبل بهن وأدبر . قال الشماخ :


                                                          عليها الدجى مستنشآت كأنها     هوادج مشدود عليها الجزاجز



                                                          يعني الزبى المرفوعات . والمنشآت في البحر كالأعلام . قال : هي السفن التي رفع قلعها وإذا لم يرفع قلعها فليست بمنشآت ، والله أعلم .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية