الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( السادس ) من أركانها ( الاعتدال ) ولو في نفل على المعتمد ، كما صححه في التحقيق لخبر المسيء صلاته ، إذ فيه { ثم ارفع حتى تعتدل } ( قائما مطمئنا ) لما مر ويتحقق بعوده لما كان عليه قبله من قيام أو قعود فلو ركع عن قيام فسقط عنه قبل الطمأنينة وجب العود إلى ما سقط عنه واطمأن ثم اعتدل ، أو أسقط عنه بعدها نهض معتدلا ثم سجد ، وإن سجد وشك هل أتم اعتداله اعتدل وجوبا ثم سجد [ ص: 501 ] ( ولا يقصد غيره ، فلو رفع فزعا ) بفتح الزاي : أي خوفا على أنه مصدر مفعول لأجله ، ويجوز كسرها على أنه اسم فاعل منصوب على الحال : أي خائفا ( من شيء ) كعقرب ( لم يكف ) رفعه لذلك عن رفع صلاته لوجود الصارف ( ويسن رفع يديه ) كما مر في تكبيرة الإحرام ( مع ابتداء رفع رأسه ) من ركوعه مبتدئا رفعهما مع ابتداء رفعه ويستمر إلى انتهائه للاتباع رواه الشيخان ( قائلا ) في رفعه إلى الاعتدال ( سمع الله لمن حمده ) أي تقبل الله منه حمده ، ويحصل أصل السنة بقوله من حمد الله سمع له ، ولا فرق في ذلك بين الإمام والمأموم والمنفرد وخبر { إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد أو ربنا ولك الحمد } أي مع ما علمتموه من سمع الله لمن حمده ، وإنما اقتصر على ربنا لك الحمد لأنه كان يجهر بسمع الله لمن حمده فتتبعه الناس ، وكان يسر بربنا لك الحمد فلا يسمعونه غالبا فنبههم عليه ، فيجهر الإمام والمبلغ بكلمة التسميع إن احتيج إليه ، ولا اعتبار بما جرت به عادة كثير من الأئمة والمؤذنين بالجهر به دون الجهر به دون الجهر بالتسميع ، وقد أشار للجمع بينهما بقوله ( فإذا انتصب ) أرسل يديه و ( قال ربنا لك الحمد ) أي ربنا استجب لنا ولك الحمد على هدايتك إيانا ، زاد في تحقيقه بعده :

                                                                                                                            [ ص: 502 ] حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، ولم يذكره الجمهور ، وأغرب في مجموعه فقال : لا يزيد الإمام على ربنا لك الحمد إلا برضا المأمومين .

                                                                                                                            وقول ابن المنذر إن الشافعي خرق الإجماع في جمع المأموم بين سمع الله لمن حمده وربنا لك الحمد مردود ، إذ قال بقوله عطاء وابن سيرين وإسحاق وأبو بردة وداود وغيرهم ( ملء السموات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد ) أي بعدهما كالعرش والكرسي وغيرهما مما لا يعلمه غيره ، ويجوز في ملء رفعه على الصفة ونصبه على الحال : أي مالئا لو كان جسما ( ويزيد المنفرد ) وإمام قوم محصورين متصفين بما مر سرا ( أهل الثناء ) أي المدح ( والمجد ) أي العظمة وقال الجوهري الكرم ( أحق ما قال العبد ) مبتدأ وقوله ( وكلنا لك عبد ) اعتراض ، وقوله ( لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد ) بفتح الجيم : أي الغنى ( منك ) أي عندك ( الجد ) ويروى بالكسر وهو الاجتهاد خبر المبتدأ : أي لا ينفع ذا الحظ في الدنيا حظه في الأخرى وإنما ينفعه طاعتك ، ويحتمل كما قاله ابن الصلاح كون أحق خبرا لما قبله وهو ربنا لك الحمد : أي هذا الكلام أحق ، والأصل في ذلك الاتباع كما رواه الشيخان إلى لك الحمد ومسلم إلى آخره ، وإثبات ألف أحق واو وكلنا هو المشهور وإن وقع في كتب الفقهاء حذفهما فالصواب إثباتهما كما مر ، رواه مسلم وسائر المحدثين قاله المصنف .

                                                                                                                            وتعقب بأن النسائي روى حذفهما .

                                                                                                                            ويجاب بأنه روى عنه إثباتهما أيضا ، ولم يقل عبيد مع أنه القياس لأن القصد أن يكون الخلق كلهم بمنزلة عبد واحد وقلب واحد .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : الاعتدال ) أي ولو في نفل ، وكالاعتدال فيما ذكر فيه الجلوس بين السجدتين في أنه ركن ولو في نفل وأخذ النفل غاية للرد على ما فهمه بعضهم من كلام النووي ، وقد جزم به ابن المقري من عدم وجوب الاعتدال والجلوس بين السجدتين في النفل ، وعلى ما قاله فهل يخر ساجدا من ركوعه بعد الطمأنينة أو يرفع رأسه قليلا أم كيف الحال ؟ ولعل الأقرب عنده الثاني ( قوله : كما صححه في التحقيق ) أي وغيره فاقتضاء بعض كتبه عدم وجوب ذينك : أي الاعتدال والجلوس بين السجدتين فضلا عن طمأنينتهما غير مراد ، أو ضعيف خلافا لجزم الأنوار ومن تبعه بذلك الاقتضاء غفلة عن الصريح المذكور في التحقيق كما تقرر انتهى حج .

                                                                                                                            وكتب عليه سم : الجزم بالغفلة ينبغي أن يكون غفلة ، فإنه يجوز أن يكونوا اختاروا الاقتضاء على الصريح مع الاطلاع عليه لنحو ظهور الاقتضاء عندهم ، وقد قدم الاقتضاء على الصريح في مواضع في كلام الشيخين وغيرهما كما لا يخفى ( قوله : { حتى تعتدل قائما مطمئنا } ) قال حج : وتعبيره بطمأنينة : أي في الركوع ثم مطمئنا هنا تفنن كقوله في السجود ويجب أن يطمئن وفي الجلوس بين السجدتين مطمئنا .

                                                                                                                            نعم لو قيل عبر هنا كالاعتدال بمطمئنا دون الآخرين إشارة لمخالفتهما لهما في الخلاف المذكور لم يبعد انتهى ( قوله : لما مر ) أي في خبر المسيئ صلاته ( قوله : من قيام أو قعود ) قضيته أنه إذا كان يصلي من اضطجاع لا يعود له وهو واضح في الفرض ، لأنه متى قدر فيه على حالة لا يجزي ما دونها ، فمتى قدر على العقود لا يجزي ما دونه ، وأما في النفل فلا مانع من عوده للاضطجاع لجواز التنفل معه مع قدرته على القيام والقعود ، ثم المراد من عوده إلى القعود أنه لا يكلف ما فوقه في النافلة ولا يمتنع قيامه لأنه أكمل من القعود .

                                                                                                                            وعبارة المحلي قبيل الرابع : ويقعد أي المضطجع للركوع والسجود انتهى .

                                                                                                                            وهي تفيد جواز العود إليه وإن صلى مضطجعا أو مستلقيا ( قوله : نهض معتدلا ) وله أن يرتفع إلى حد الركوع ويطيله إن شاء ثم يرتفع قائما ( قوله : اعتدل وجوبا ثم سجد ) ظاهره ولو مأموما ، وعليه فلعل الفرق بينه وبين ما لو شك في الفاتحة بعد [ ص: 501 ] الركوع مع الإمام حيث يوافق الإمام فيما هو فيه ثم يأتي بركعة بعد سلامه أن ما هنا قليل بخلافه ثم حيث يحتاج فيه للقراءة ، لكن في حاشية شيخنا الزيادي ما نصه : ولو شك في إتمامه عاد إليه غير المأموم فورا وجوبا وإلا بطلت صلاته ، والمأموم يأتي بركعة بعد سلام إمامه انتهى ، وعليه فما هنا مساو لما لو شك في الفاتحة بعد الركوع فقول الشارح اعتدال إلخ مصور بغير المأموم ( قوله : فلو رفع فزعا ) .

                                                                                                                            [ تنبيه ] ضبط شارح فزعا بفتح الزاي وكسرها : أي لأجل الفزع أو حالته وفيه نظر بل يتعين الفتح فإن المضر الرفع لأجل الفزع وحده لا الرفع المقارن للفزع من غير قصد الرفع لأجله فتأمله انتهى حج .

                                                                                                                            ويمكن الجواب عن الشارح بأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق فكسر الزاي بهذا المعنى مساو للفتح ، وكأنه قيل : فلو رفع حال كونه فزعا لأجل الفزع ( قوله لم يكف رفعه ) بقي ما لو رفع ثم شك هل كان رفعه لأجله أم لغيره هل يعتد به أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأن تردده في ذلك شك في الرفع والشك مؤثر في جميع الأفعال ( قوله : أي مع ما علمتموه ) خبر عن قوله وخبر إذا قال إلخ ( قوله : إن احتيج إليه ) راجع لكل من الإمام والمبلغ ، فالجهر به حيث لم يحتج إليه مكروه ، ويحتمل رجوع الضمير إلى الجهر ( قوله : فإذا انتصب أرسل يديه ) قال حج : وما قيل يجعلهما تحت صدره كالقيام يأتي قريبا رده ا هـ .

                                                                                                                            وأراد به ما ذكر بعد قول المتن ورفع يديه بقوله وفارق دعاء الافتتاح والتشهد بأن ليديه وظيفة ثم لا هنا ، ومنه يعلم رد ما قيل : السنة في الاعتدال جعل يديه تحت صدره كالقيام ( قوله : ربنا لك الحمد ) عبارة حج : ربنا أو اللهم ربنا لك أو ولك الحمد أو ولك الحمد ربنا أو الحمد لربنا وأفضلها ربنا لك الحمد عند الشيخين لأنه أكثر الروايات ، أو ربنا ولك الحمد كما في الأم ووجه بتضمنه جملتين ا هـ : أي فإن لك الحمد من ربنا لك الحمد جملة واحدة ، بخلاف ولك الحمد فإن الواو تدل على محذوف والمقدر كالملفوظ ، فربنا لك الحمد جملتان وربنا ولك الحمد ثلاث جمل بما دل عليه العاطف ، وبهذا يجاب عن تنظير سم فيه ( قوله أي ربنا استجب لنا إلخ ) هذا إنما يحتاج إليه على زيادة الواو قبل لك فيحتاج إلى تقدير المعطوف عليه ، [ ص: 502 ] أما بدونها فلا حاجة إلى ما ذكره ( قوله : مباركا فيه ) قال حج : وصح { أنه صلى الله عليه وسلم رأى بضعا وثلاثين ملكا يستبقون إلى هذه أيهم يكتبها أول } وعبارة حج في المشكاة في باب الركوع في الفصل الأول : وعن رفاعة بن رافع قال { كنا نصلي وراء النبي صلى الله عليه وسلم فلما رفع رأسه من الركعات قال : سمع الله لمن حمده ، فقال رجل وراءه : ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فلما انصرف قال : من المتكلم آنفا ؟ قال : أنا ، قال : رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول } رواه البخاري ا هـ .

                                                                                                                            وقال الجلال السيوطي في عقود الزبرجد : قال السهيلي : روي أول بالضم على البناء لأنه ظرف قطع عن الإضافة كقبل وبعد : أي يكتبها أول من غيره ، وبالنصب على الحال .

                                                                                                                            وقال الكرماني : يعني في كتاب الصلاة : أول مبني على الضم بأن حذف منه المضاف وتقديره أولهم : يعني كل واحد منهم يسرع ليكتب هذه الكلمات قبل الآخر ويصعد بها إلى حضرة الله لعظم قدرها ، وفي بعضها : أول بالفتح ( قوله : ويزيد المنفرد ) أفهم أن ما قبله يقوله الإمام مطلقا ، وبه صرح حج حيث قال : ويسن هذا حتى للإمام مطلقا خلافا للمجموع أنه إنما يسن له ربنا لك الحمد فقط ( قوله وإمام قوم محصورين ) أي فيكره تركه عباب . قال الرملي في تصحيحه : وهو كما قال ( قوله : سرا ) قضية أنه يقول ما قبله جهرا وقضية قوله قبل وكان يسر ربنا لك الحمد إلخ خلافا ( قوله : وقال الجوهري الكرم ) أي فيؤخذ من ذلك أنه يطلق على كل منهما ( قوله : ويروى بالكسر ) أي فيهما ( قوله : حظه في الأخرى ) الضمير لذا المتقدم ، فالمعنى : لا ينفع صاحب الجد في الدنيا ذلك الجد في الآخرة ، فكأنه قيل : الجد النافع في الدنيا لا ينفع في الآخرة .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 500 ] قوله : لخبر المسيء صلاته إذ فيه ثم ارفع حتى تعتدل قائما لما مر ) اعلم أن لفظ قائما فيما ذكرناه من تتمة الحديث كما هو ظاهر فحقها أن تكتب بالأسود ، والموجود في نسخ الشارح كتبها بالأحمر ، وسببه أن في نسخه التي رأيتها سقطا في هذا المحل ، إذ لفظ المتن : السادس الاعتدال قائما مطمئنا ، فلفظ مطمئنا لا وجود لها في النسخ كلفظ قائما ، وكأن الكتبة ظنوا أن قائما التي في المتن هي التي تقدم ذكرها في الحديث فكتبوها بالأحمر فلتراجع نسخة صحيحة ( قوله : اعتدل وجوبا ثم سجد ) أي إذا كان غير مأموم كما في حاشية الزيادي . [ ص: 501 ] قوله : بفتح الزاي ) ذكر الشهاب ابن حجر أنه متعين ، فإن المضر الرفع لأجل الفزع وحده لا الرفع المقارن للفزع من غير قصد الرفع لأجله ( قوله : أي ربنا استجب لنا ولك الحمد إلخ ) هذا التقدير إنما يحتاج إليه على رواية ولك الحمد بالعطف ، ولعل الشارح زادها وأسقطها الكتبة ، وعبارة الروض وشرحه ربنا لك الحمد أو ربنا ولك الحمد ، إلى أن قالا : والأولى أولى لورود السنة به ، لكن قال في الأم : الثاني أحب إلي ، ووجه بأنه يجمع معنيين الدعاء والاعتراف : أي ربنا استجب لنا إلخ [ ص: 502 ] قوله : سرا ) ليس بقيد هنا ، فكذلك ما مر يأتي به سرا إلا التسميع بالنسبة للإمام ، والمبلغ المحتاج إليه ( قوله : في الأخرى ) متعلق بينفع لا بحظه




                                                                                                                            الخدمات العلمية