الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نصا

                                                          نصا : الناصية : واحدة النواصي . ابن سيده : الناصية والناصاة لغة طيئية ، قصاص الشعر في مقدم الرأس ، قال حريث بن عتاب الطائي :


                                                          لقد آذنت أهل اليمامة طيء بحرب كناصاة الحصان المشهر



                                                          وليس لها نظير إلا حرفين : بادية وباداة وقارية وقاراة ، وهي الحاضرة . ونصاه نصوا : قبض على ناصيته ، وقيل : مد بها . وقال الفراء في قوله - عز وجل - : لنسفعن بالناصية ناصيته مقدم رأسه أي لنهصرنها لنأخذن بها أي لنقيمنه ولنذلنه . قال الأزهري : الناصية عند العرب منبت الشعر في مقدم الرأس لا الشعر الذي تسميه العامة الناصية ، وسمي الشعر ناصية لنباته من ذلك الموضع ، وقيل في قوله تعالى : لنسفعن بالناصية أي لنسودن وجهه فكفت الناصية ; لأنها في مقدم الوجه من الوجه ، والدليل على ذلك قول الشاعر :


                                                          وكنت إذا نفس الغوي نزت به     سفعت على العرنين منه بميسم



                                                          ونصوته : قبضت على ناصيته . والمناصاة : الأخذ بالنواصي . وقوله - عز وجل - : ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها قال الزجاج : معناه في قبضته تناله بما شاء قدرته ، وهو سبحانه لا يشاء إلا العدل . وناصيته مناصاة ونصاء : نصوته ونصاني ، أنشد ثعلب :


                                                          فأصبح مثل الحلس يقتاد نفسه     خليعا تناصيه أمور جلائل



                                                          وقال ابن دريد : ناصيته جذبت ناصيته ، وأنشد :


                                                          قلال مجد فرعت آصاصا     وعزة قعساء لن تناصى



                                                          وناصيته إذا جاذبته فيأخذ كل واحد منكما بناصية صاحبه . وفي حديث عائشة رضي الله عنها : لم تكن واحدة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - تناصيني غير زينب . أي تنازعني وتباريني ، وهو أن يأخذ كل واحد من المتنازعين بناصية الآخر . وفي حديث مقتل عمر : فثار إليه فتناصيا أي تواخذا بالنواصي ، وقال عمرو بن معديكرب :


                                                          أعباس لو كانت شنارا جيادنا     بتثليث ما ناصيت بعدي الأحامسا



                                                          وفي حديث ابن عباس : قال للحسين حين أراد العراق : لولا أني أكره لنصوتك . أي أخذت بناصيتك ولم أدعك تخرج . ابن بري : قال ابن دريد : النصي عظم العنق ، ومنه قول ليلى الأخيلية :


                                                          يشبهون ملوكا في تجلتهم     وطول أنصية الأعناق والأمم



                                                          ويقال : هذه الفلاة تناصي أرض كذا وتواصيها أي تتصل بها . والمفازة تنصو المفازة وتناصيها أي تتصل بها ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          لمن طلل بالمنتصى غير حائل     عفا بعد عهد من قطار ووابل



                                                          قال السكري : المنتصى أعلى الواديين . وإبل ناصية إذا ارتفعت في المرعى ، عن ابن الأعرابي . وإني لأجد في بطني نصوا ووخزا أي وجعا . والنصو مثل المغس ، وإنما سمي بذلك ; لأنه ينصوك أي يزعجك عن القرار . قال أبو الحسن : ولا أدري ما وجه تعليله له بذلك . وقال الفراء : وجدت في بطني حصوا ونصوا وقبصا بمعنى واحد . وانتصى الشيء : اختاره ، وأنشد ابن بري لحميد بن ثور يصف الظبية :


                                                          وفي كل نشز لها ميفع     وفي كل وجه لها منتصى



                                                          قال : وقال آخر في وصف قطاة :


                                                          وفي كل وجه لها وجهة     وفي كل نحو لها منتصى



                                                          قال : وقال آخر :


                                                          لعمرك ما ثوب ابن سعد بمخلق     ولا هو مما ينتصى فيصان



                                                          يقول : ثوبه من العذر لا يخلق ، والاسم النصية وهذه نصيتي . وتذريت بني فلان وتنصيتهم إذا تزوجت في الذروة منهم والناصية . وفي حديث ذي المشعار : نصية من همدان من كل حاضر وباد ، النصية من ينتصى من القوم أي يختار من نواصيهم . وهم الرؤوس والأشراف ويقال للرؤساء نواص كما يقال للأتباع أذناب . وانتصيت من القوم رجلا أي اخترته . ونصية القوم : خيارهم . ونصية المال : بقيته . والنصية : البقية ، قاله ابن السكيت وأنشد للمرار الفقعسي :


                                                          تجرد من نصيتها نواج     كما ينجو من البقر الرعيل



                                                          وقال كعب بن مالك الأنصاري :


                                                          ثلاثة آلاف ونحن نصية     ثلاث مئين إن كثرنا وأربع



                                                          وقال في موضع آخر : وفي الحديث أن وفد همدان قدموا على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : نحن نصية من همدان . قال الفراء : الأنصاء السابقون [ ص: 277 ] والنصية الخيار الأشراف ، ونواصي القوم مجمع أشرافهم ، وأما السفلة فهم الأذناب ، قالت أم قبيس الضبية :


                                                          ومشهد قد كفيت الغائبين به     في مجمع من نواصي الناس مشهود



                                                          والنصية من القوم : الخيار ، وكذلك من الإبل وغيرها . ونصت الماشطة المرأة ونصتها فتنصت ، وفي الحديث : أن أم سلمة تسلبت على حمزة ثلاثة أيام فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمرها أن تنصى وتكتحل . قوله : أمرها أن تنصى أي تسرح شعرها ، أراد تتنصى فحذف التاء تخفيفا . يقال : تنصت المرأة إذا رجلت شعرها . وفي حديث عائشة رضي الله عنها حين سئلت عن الميت يسرح رأسه ، فقالت : علام تنصون ميتكم ؟ قولها : تنصون مأخوذ من الناصية ، يقال : نصوت الرجل أنصوه نصوا إذا مددت ناصيته فأرادت عائشة أن الميت لا يحتاج إلى تسريح الرأس ، وذلك بمنزلة الأخذ بالناصية ، وقال أبو النجم :


                                                          إن يمس رأسي أشمط العناصي     كأنما فرقه مناصي



                                                          قال الجوهري : كأن عائشة رضي الله عنها كرهت تسريح رأس الميت . وانتصى الشعر أي طال . والنصي : ضرب من الطريفة ما دام رطبا ، واحدته نصية ، والجمع أنصاء ، وأناص جمع الجمع ، قال :


                                                          ترعى أناض من حرير الحمض



                                                          وروي أناض ، وهو مذكور في موضعه . قال ابن سيده : وقال لي أبو العلاء : لا يكون أناض لأن منبت النصي غير منبت الحمض . وأنصت الأرض : كثر نصيها . غيره : النصي نبت معروف يقال له نصي ما دام رطبا ، فإذا ابيض فهو الطريفة ، فإذا ضخم ويبس فهو الحلي ، قال الشاعر :


                                                          لقد لقيت خيل بجنبي بوانة     نصيا كأعراف الكوادن أسحما



                                                          وقال الراجز :


                                                          نحن منعنا منبت النصي     ومنبت الضمران والحلي



                                                          وفي الحديث : رأيت قبور الشهداء جثا قد نبت عليها النصي ، هو نبت سبط أبيض ناعم من أفضل المرعى . التهذيب : الأصناء الأمثال والأنصاء السابقون .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية