الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ووهبنا له إسحاق ولدا لصلبه "ويعقوب" ولدا لإسحاق "كلا" من هؤلاء المذكورين هدينا أي: أرشدنا .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 79 ] قوله تعالى: ومن ذريته في "هاء الكناية" قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها ترجع إلى نوح; رواه أبو صالح عن ابن عباس ، واختاره الفراء ، ومقاتل ، وابن جرير الطبري .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: إلى إبراهيم ، قاله عطاء . وقال الزجاج : كلا القولين جائز ، لأن ذكرهما جميعا قد جرى ، واحتج ابن جرير للقول الأول بأن الله تعالى: ذكر في سياق الآيات لوطا ، وليس من ذرية إبراهيم . وأجاب عنه أبو سليمان الدمشقي بأنه يحتمل أن يكون أراد: ووهبنا له لوطا في المعاضدة والنصرة ، ثم قوله: وكذلك نجزي المحسنين من أبين دليل على أنه إبراهيم ، لأن افتتاح الكلام إنما هو بذكر ما أثاب به إبراهيم . فأما "يوسف" فهو اسم أعجمي . قال الفراء: "يوسف" . بضم السين من غير همز ، لغة أهل الحجاز ، وبعض بني أسد يقول: "يؤسف" بالهمز ، وبعض العرب يقول: "يوسف" بكسر السين ، وبعض بني عقيل يقول: "يوسف" بفتح السين .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وكذلك نجزي المحسنين أي: كما جزينا إبراهيم على توحيده وثباته على دينه ، بأن رفعنا درجته ، ووهبنا له أولادا أنبياء أتقياء ، كذلك نجزي المحسنين . فأما عيسى ، وإلياس ، واليسع ، ولوطا ، فأسماء أعجمية ، وجمهور القراء يقرؤون "اليسع" بلام واحدة مخففا ، منهم ابن كثير ، ونافع ، وعاصم ، وأبو عمرو وابن عامر . وقرأ حمزة ، والكسائي هاهنا وفي "ص": "إلليسع" بلامين مع التشديد . قال الفراء: وهي أشبه بالصواب ، وبأسماء الأنبياء من بني إسرائيل ، ولأن العرب لا تدخل على "يفعل" ، إذا كان في معنى فلان ، ألفا ولاما ، يقولون: [ ص: 80 ] هذا يسع قد جاء ، وهذا يعمر ، وهذا يزيد ، فهكذا الفصيح من الكلام .

                                                                                                                                                                                                                                      وأنشدني بعضهم .


                                                                                                                                                                                                                                      وجدنا الوليد بن اليزيد مباركا شديدا بأحناء الخلافة كاهله



                                                                                                                                                                                                                                      فلما ذكر الوليد بالألف واللام ، أتبعه يزيد بالألف واللام ، وكل صواب . وقال مكي: من قرأه بلام واحدة ، فالأصل عنده: يسع ، ومن قرأه بلامين ، فالأصل عنده: ليسع ، فأدخلوا عليه حرف التعريف . وباقي أسماء الأنبياء قد تقدم بيانها ، والمراد بالعالمين: عالمو زمانهم .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ومن آبائهم وذرياتهم "من" هاهنا للتبعيض . قال الزجاج : المعنى: هدينا هؤلاء ، وهدينا بعض آبائهم وذرياتهم . واجتبيناهم مثل اخترناهم واصطفيناهم ، وهو مأخوذ من جبيت الشيء: إذا أخلصته لنفسك . وجبيت الماء في الحوض: إذا جمعته فيه . فأما الصراط المستقيم ، فهو التوحيد .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية