الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          وفي الركاز الخمس ، أي نوع كان من المال ، قل أو كثر لأهل الفيء . وعنه : أنه زكاة ، وباقيه لواجده إن وجده في موات أو أرض لا يعلم مالكها ، وإن علم مالكها أو كانت منتقلة إليه ، فهو له أيضا ، وعنه أنه لمالكها ، أو لمن انتقلت عنه إن اعترف به ، وإلا فهو لأول مالك ، وإن وجده في أرض حربي ملكه إلا أن لا يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين ، فيكون غنيمة ، والركاز : ما وجد من دفن الجاهلية عليه علامتهم ، وإن كانت عليه علامة المسلمين أو لم تكن عليه علامة ، فهو لقطة .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          فصل

                                                                                                                          ( وفي الركاز الخمس ) لحديث أبي هريرة مرفوعا : " وفي الركاز الخمس " متفق عليه . قال ابن المنذر : لا نعلم أحدا خالف هذا الحديث إلا الحسن فإنه قال : في أرض الحرب الخمس ، وفي أرض العرب الزكاة ( أي نوع كان من المال ) كالنقدين ، والحديد ، والرصاص ، ونحوها ؛ لأنه مال مظهور عليه من مال الكفار ، فوجب فيه الخمس والغنيمة ( قل ) ذلك الموجود ( أو كثر ) بخلاف المعدن والزرع ؛ لكونهما يحتاجان إلى كلفة ، واعتبر لهما النصاب تحقيقا ، واختلفت الرواية في مصرفه ، فروى عنه محمد بن عبد الحكم أنه ( لأهل الفيء ) اختارها ابن أبي موسى ، والقاضي في " تعليقه " وابن عقيل ، وصححها في " المغني " لفعل عمر . رواه سعيد عن هشيم عن مجاهد عن الشعبي ، ولأنه مال مخموس لخمس الغنيمة ، ولا يختص [ ص: 361 ] بمصرف الغنيمة ، بل الفيء المطلق للمصالح كلها ( وعنه : أنه زكاة ) نقلها حنبل ، واختارها الخرقي ، وقدمها في " المحرر " ؛ لأن عليا أمر صاحب الكنز أن يتصدق بالخمس على المساكين ؛ ولأنه حق يجب في الخارج من الأرض كالمعدن ، فيصرف مصرف الزكاة ، ويجب على كل واحد إذا قلنا بأنه فيء ، إلا إذا كان عبدا فيكون لسيده ؛ لأنه ماله كالاحتشاش ، وإذا قلنا بأنه زكاة لم يجب على من ليس من أهلها ، ويملكه صبي ومجنون ، ويخرجه عنهما وليهما ، وصحح بعضهم وجوبه على كل واحد مطلقا ، ويجوز لواجده تعرفته بنفسه ، كما لو قلنا إنه زكاة ، نص عليه ، واحتج بقول علي ، وجزم به في " الكافي " لأنه أدى الحق إلى مستحقه ، وعنه : لا يجوز ، قدمه في " منتهى الغاية " كخمس الغنيمة والفيء ، فعلى هذا هل يضمن ؛ ولا يجوز لواجد المعدن إمساك الحق لنفسه لحاجة ( وباقيه لواجده ) لفعل عمر وعلي أنهما دفعا باقي الركاز لواجده ؛ ولأنه مال كافر مظهور عليه ، فكان لواجده بعد الخمس كالغنيمة ، وظاهره أنه له ، ولو كان مستأمنا بدارنا ، ومحله ما لم يكن أجيرا لطلبه ، فإنه لا شيء له سوى الأجرة ( إن وجده في موات ) ؛ لأنه مباح لا حق لأحد فيه كالصيد منها ( أو أرض لا يعلم مالكها ) كالأرض التي يوجد فيها آثار الملك من الأبنية القديمة ، وجدران الجاهلية وقبورهم ، ولو كان على وجهها ، قاله في " الشرح " أو قرية خراب أو طريق غير مسلوك ، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال : " وما لم يكن في طريق مأتي ، ولا في قرية عامرة ، ففيه وفي الركاز الخمس " رواه النسائي ، وفي لفظ : " وإن وجده في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة ، ففيه وفي الركاز الخمس " ( وإن علم مالكها ) كمن دخل دار غيره ، أو [ ص: 362 ] استأجرها أو استعادها ( أو كانت منتقلة إليه ) ببيع أو هبة ( فهو له أيضا ) في الأشهر ؛ لأنه ليس من أجزاء الأرض ، بل هو مودع فيها ، فهو كالصيد والكلأ ، يملكه من ظفر به كالمباحات كلها ، وعليها لا فرق بين أن يدعيه المالك أو لا ، ونقل محمد بن يحيى الكحال عن أحمد فيمن استأجر أجيرا ليحفر له في داره ، فأصاب كنزا ، فهو للأجير ، وصححه القاضي ( وعنه : أنه لمالكها ) قطع به في " الهداية " و " التلخيص " لأن يده عليها ، فكان ما فيها له كالقماش ( أو لمن انتقلت عنه ) ؛ لأن الظاهر أنه له ( إن اعترف به ) كل من المالك والمنتقل عنه ، فإن انتقلت إليه ميراثا حكم بأنه ميراث ، فإن أنكر الورثة أنه لمورثهم فلأول مالك ، وإن اختلفوا أعطي كل حكمه ( وإلا ) فإن لم يعترف به ، ولم يدعه ( فهو لأول مالك ) ؛ لأنه في ملكه ، فكان له كحيطانه ، وظاهره أنه له ، وإن لم يعترف به ، كما لو ادعاه بصفة ، وفي " المغني " و " الشرح " أنه يكون كالمال الضائع حيث لم يعترف به ، وإذا لم يعترف به فادعاه واجده فهو له ، جزم به بعضهم ، وظاهر كلام جماعة خلافه ، وعلى الأولى إن ادعاه المالك قبله بلا بينة ولا وصف ، فهو له مع يمينه ؛ لأنه ادعى ممكنا ، وكانت يده عليها ، فالظاهر صدقه ، وعنه : لا تقبل دعواه كسائر الدعاوى بلا بينة ، ولا ما يقوم مقامها ، فعليها يكون لواجده ، ومتى دفع إلى مدعيه بعد إخراج خمسه ، غرم واجده بدله إن كان أخرج باختياره ، وإن كان الإمام أخذه منه قهرا غرمه ، لكن هل هو من ماله أو من بيت المال ؛ فيه الخلاف ، وعنه : ماله يكون للمالك قبله إن اعترف به ، فإن لم يعترف به أو يعرفه الأول ، فلواجده ، وقيل : لبيت المال ( وإن وجده في أرض حربي ملكه ) نص عليه ، إذا قدر عليه بنفسه ؛ لأن المالك لا حرمة له [ ص: 363 ] كما لو وجده في موات ، وقيل : غنيمة ، خرجه في " منتهى الغاية " كما لو قدر عليه بمنعه ( إلا أن يقدر عليه إلا بجماعة من المسلمين فتكون غنيمة ) ؛ لأن قوتهم أوصلته إليه ، فكان غنيمة كالمأخوذ بالحرب ( والركاز ) اشتقاقه من ركز يركز كغرز يغرز : إذا خفي ؛ ومنه غرزت الرمح إذا أخفيت أسفله ، فهو في اللغة المال المدفون في الأرض ، وفي الاصطلاح ( ما وجد من دفن الجاهلية ) ؛ لأن دفنهم تقادم عهده وخفي مكانه ( عليه علامتهم ) كأسمائهم وأسماء ملوكهم ؛ وهو معنى كلامهم : هو المال الجاهلي المدفون ، وحكم من تقدم من الكفار في دار الإسلام كحكم الجاهلية ، فإن كان على بعضه علامتهم ، فذكر في " الشرح " ( أنه ينبغي أن يكون ركازا ، نص عليه ؛ وهو قول أكثر العلماء عملا بالظاهر ، فإن كانت عليه أو على بعضه ( علامة المسلمين ) كاسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أو أحد من خلفاء المسلمين ، أو أنه من القرآن العظيم ( أو لم تكن عليه علامة ) كالحلي والسبائك والآنية ( فهو لقطة ) أي : لا ملك إلا بعد التعريف ؛ لأنه مال مسلم لم يعلم زواله عنه ، وتغليبا لحكم دار الإسلام ، إلا أن يجده في ملك انتقل إليه ، فيدعيه المالك قبله بلا بينة ولا صفة ، فهل يدفع إليه ؛ على روايتين حكاهما في " المحرر " ونقله في " الشرح " عنه إحداهما : لا يدفع إليه كاللقطة ، والثانية : بلى ؛ لأنه تبع للملك .




                                                                                                                          الخدمات العلمية