الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء
      ( مسألة ) : اشتهر عن السلف الصالح كأحمد بن حنبل ، وهارون الفروي ، وجماعة أئمة الحديث أن اللفظية جهمية ، واللفظية هم من قال : لفظي بالقرآن مخلوق . قال أئمة السنة - رحمهم الله تعالى : ومن قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، فهو مبتدع ، يعنون غير بدعية الجهمية ، وذلك لأن اللفظ يطلق على معنيين : أحدهما الملفوظ به ، وهو القرآن ، وهو كلام الله ، ليس فعلا للعبد ولا مقدورا له ، والثاني التلفظ ، وهو فعل العبد وكسبه وسعيه ، فإذا أطلق لفظ الخلق على المعنى الثاني ، شمل الأول ، وهو قول الجهمية ، وإذا عكس الأمر بأن قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق ، شمل المعنى الثاني ، وهي بدعة أخرى من بدع الاتحادية . وهذا ظاهر عند كل عاقل ، فإنك إذا سمعت رجلا يقرأ ( قل هو الله أحد ) تقول : هذا لفظ سورة الإخلاص ، وتقول : هذا لفظ فلان بسورة الإخلاص ، إذ اللفظ معنى مشترك بين التلفظ الذي هو فعل العبد ، وبين الملفوظ به الذي هو كلام الله ، عز [ ص: 293 ] وجل .

      وهذا بخلاف ما ذكر السلف بقولهم : الصوت صوت القاري ، والكلام كلام الباري ، فإن الصوت معنى خاص بفعل العبد ، لا يتناول المتلو المؤدى بالصوت البتة ، ولا يصلح أن تقول هذا صوت قل هو الله أحد ، ولا يقول ذلك عاقل ، وإنما تقول هذا صوت فلان يقرأ قل هو الله أحد ، ونحو ذلك . نعم ، إذا سمع كلام الله - عز وجل - منه - تعالى - بدون واسطة ، كسماع موسى عليه الصلاة والسلام ، وسماع جبريل - عليه السلام ، وسماع أهل الجنة كلامه منه - عز وجل - فحينئذ التلاوة والمتلو صفة الباري - عز وجل - ليس منها شيء مخلوق .

      تعالى الله علوا كبيرا . ( ما قاله لا يقبل التبديلا ) قال الله تعالى : ( ما يبدل القول لدي ) ، ( ق : 29 ) ، وقال تعالى : ( واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ) ، ( الكهف : 27 ) ، وقال تعالى : ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم ) ، ( الأنعام : 115 ) ، وقال تعالى : ( لا تبديل لكلمات الله ) ، ( يونس : 64 ) .

      ( كلا ) أي لا يكون ذلك ، ( ولا أصدق منه ) أي من الله - تعالى - ( قيلا ) أي قولا ، وهو تمييز محول عن اسم لا ، والتقدير لا قيل أصدق من قيله ، قال الله تبارك وتعالى : ( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا ) ، ( النساء : 87 ) ، وقال تعالى في الآية الأخرى : ( ومن أصدق من الله قيلا ) ، ( النساء : 112 ) أي من أصدق من الله - تعالى - في حديثه وخبره ، ووعده ووعيده ؟ والجواب : لا أحد .

      وفي خطبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إن أصدق الحديث كلام الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم . الحديث .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية