الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر [ ص: 348 ] الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون

                                                                                                                                                                                                "ولنبلونكم": ولنصيبنكم بذلك إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم، هل تصبرون وتثبتون على ما أنتم عليه من الطاعة وتسلمون لأمر الله وحكمه أم لا؟ "بشيء": بقليل من كل واحد من هذه البلايا وطرف منه وبشر الصابرين : المسترجعين عند البلاء; لأن الاسترجاع: تسليم وإذعان.

                                                                                                                                                                                                وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من استرجع عند المصيبة جبر الله مصيبته، وأحسن عقباه، وجعل له خلفا صالحا يرضاه".

                                                                                                                                                                                                وروي: أنه طفئ سراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فقيل: أمصيبة هي؟ قال: "نعم، كل شيء يؤذي المؤمن فهو له مصيبة".

                                                                                                                                                                                                وإنما قلل في قوله: (بشيء): ليؤذن أن كل بلاء أصاب الإنسان - وإن جل - ففوقه ما يقل إليه، وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم; وإنما وعدهم ذلك قبل كونه; ليوطنوا عليه نفوسهم، "نقص": عطف على "شيء"، أو على الخوف، بمعنى: وشيء من نقص الأموال، والخطاب في: "بشر": لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو لكل من يتأتى منه البشارة، وعن الشافعي -رحمه الله- في الخوف: خوف الله، والجوع: صيام شهر رمضان، والنقص من الأموال: الزكوات والصدقات، ومن الأنفس: الأمراض، ومن الثمرات: موت الأولاد.

                                                                                                                                                                                                وعن النبي - صلى الله عليه وسلم -: [ ص: 349 ] "إذا مات ولد العبد، قال الله تعالى للملائكة: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم، فيقول: أقبضتم ثمرة قلبه؟ فيقولون: نعم، فيقول الله تعالى: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة، وسموه بيت الحمد".

                                                                                                                                                                                                والصلاة: الحنو والتعطف، فوضعت موضع الرأفة، وجمع بينها وبين الرحمة، كقوله تعالى: رأفة ورحمة [الحديد: 27]، رءوف رحيم [التوبة: 117]، والمعنى: عليهم رأفة بعد رأفة، ورحمة أي رحمة، وأولئك هم المهتدون : لطريق الصواب، حيث استرجعوا وسلموا لأمر الله.

                                                                                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                                                                                الخدمات العلمية