الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الفصل الثالث : في الدال على العلة ، وهو ثمانية : النص ، والإيماء ، والمناسبة ، والشبه ، والدوران ، والسبر ، والطرد ، وتنقيح المناط .

                                                                                                                فالأول : النص على العلة ، وهو ظاهر .

                                                                                                                والثاني : الإيماء ، وهو خمسة : الفاء نحو قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد ) . وترتيب الحكم على الوصف نحو ترتيب الكفارة على قوله : واقعت أهلي في شهر رمضان . قال الإمام فخر الدين : سواء كان مناسبا ، أو لم يكن ، وسؤاله عليه السلام عن وصف المحكوم عليه نحو قوله عليه السلام : أينقص الرطب إذا جف . وتفريق الشارع بين شيئين في الحكم نحو قوله عليه السلام : القاتل لا يرث .

                                                                                                                أو ورود النهي عن فعل يمنع ما تقدم وجوبه .

                                                                                                                الثالث : المناسب : ما تضمن تحصيل مصلحة ، أو درء مفسدة . فالأول كالغنى علة لوجوب الزكاة ، والثاني كالإسكار علة لتحريم الخمر .

                                                                                                                والمناسب ينقسم إلى ما هو في محل الضرورات ، وإلى ما هو في محل الحاجات ، وإلى ما هو في محل التتمات ، فيقدم الأول على الثاني ، والثاني على الثالث عند التعارض .

                                                                                                                فالأول نحو الكليات الخمس : وهي حفظ النفوس ، والأديان ، والأنساب ، والعقول ، والأموال ، وقيل : والأعراض .

                                                                                                                والثاني مثل تزويج الولي الصغيرة ، فإن النكاح غير ضروري لكن الحاجة تدعو إليه في تحصيل الكفء لئلا يفوت .

                                                                                                                والثالث : ما كان حثا على مكارم الأخلاق كتحريم تناول القاذورات ، [ ص: 128 ] وسلب أهلية الشهادات عن الأرقاء ، ونحو الكتابات ، ونفقات القرابات ، وتقع أوصاف مترددة بين هذه المراتب كقطع الأيدي باليد الواحدة ، فإن شرعيته ضرورية صونا للأطراف ، وللأعضاء ، وإن أمكن أن يقال ليس منه لأنه يحتاج الجاني فيه إلى الاستعانة بالغير ، وقد يتعذر .

                                                                                                                ومثال اجتماعها كلها في وصف واحد : أن نفقة النفس ضرورية ، والزوجات حاجية ، والأقارب تتمة ، واشتراط العدالة في الشهادة ضروري صونا للنفوس والأموال ، وفي الإمامة على الخلاف حاجة لأنها شفاعة ، والحاجة داعية لإصلاح حال الشفيع ، وفي النكاح تتمة لأن الولي قريب يزعه طبعه عن الوقوع في العار ، والسعي في الإضرار ، وقيل : حاجية على الخلاف .

                                                                                                                ولا تشترط في الإقرار لقوة الوازع الطبعي ، ودفع المشقة عن النفوس مصلحة ، ولو أفضت إلى مخالفة القواعد ، وهي ضرورية مؤثرة في الترخيص كالبلد الذي يتعذر فيه العدول قال ابن زيد في النوادر : تقبل شهادة أمثلهم حالا لأنه ضرورة ، وكذلك يلزم في القضاة ، وولاة الأمور ، وحاجية في الأوصياء على الخلاف في عدم اشتراط العدالة ، وتمامية في السلم ، والمساقاة ، وبيع الغائب ، فإن في منعها مشقة على الناس ، وهي من تتمات معاشهم .

                                                                                                                وهو أيضا ينقسم إلى : ما اعتبره الشرع ، وإلى ما ألغاه ، وإلى ما جهل حاله .

                                                                                                                والأول ينقسم إلى : ما اعتبر نوعه في نوع لحكم كاعتبار نوع الإسكار في نوع التحريم ، وإلى ما اعتبر جنسه في جنسه كالتعليل بمطلق المصلحة كإقامة الشرب مقام القذف لأنه مظنته ، وإلى ما اعتبر نوعه في جنسه كاعتبار الأخوة في التقديم في الميراث ، فتقدم في النكاح ، وإلى ما اعتبر جنسه في نوع الحكم ، [ ص: 129 ] كإسقاط الصلاة عن الحائض بالمشقة ، فإن المشقة جنس ، وهو أي : الإسقاط نوع من الرخص ، فتأثير النوع في النوع مقدم على تأثير النوع في الجنس ، وتأثير النوع في الجنس مقدم على تأثير الجنس في النوع ، وهو مقدم على تأثير الجنس في الجنس .

                                                                                                                والملغى : نحو المنع من زراعة العنب خشية الخمر .

                                                                                                                والذي جهل أمره : هو المصلحة المرسلة التي نحن نقول بها ، وعند التحقيق هي عامة في المذاهب .

                                                                                                                الرابع : الشبه قال القاضي أبو بكر : هو الوصف الذي لا يناسب بذاته ، ويستلزم المناسب لذاته ، وقد شهد الشرع لتأثير جنسه القريب في جنس الحكم القريب ، والشبه يقع في الحكم كشبه العبد المقتول بالحر ، وشبهه بسائر المملوكات ، وعند ابن علية يقع الشبه في الصورة كرد الجلسة الثانية إلى الجلسة الأولى في الحكم .

                                                                                                                وعند الإمام : التسوية بين الأمرين إذا غلب على الظن أنه مستلزم للحكم ، أو لما هو علة للحكم صح القياس ، وهو ليس بحجة عند القاضي منا .

                                                                                                                الخامس الدوران : وهو عبارة عن اقتران ثبوت الحكم مع ثبوت الوصف ، وعدمه مع عدمه ، وفيه خلاف ، والأكثرون من أصحابنا ، وغيرهم يقولون بكونه حجة .

                                                                                                                السادس السبر ، والتقسيم : وهو أن يقول : إما أن يكون الحكم معللا بكذا ، أو بكذا ، أو بكذا ، والكل باطل إلا كذا ، فيتعين .

                                                                                                                السابع الطرد : وهو عبارة عن اقتران الحكم بسائر صور الوصف ، وليس مناسبا ، ولا مستلزما للمناسب ، وفيه خلاف .

                                                                                                                الثامن تنقيح المناط : وهو إلغاء الفارق ، فيشتركان في الحكم .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية