الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " ومن حلف بغير الله فهي يمين مكروهة وأخشى أن تكون معصية : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع عمر يحلف بأبيه فقال عليه السلام : ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فقال عمر : والله ما حلفت بها بعد ذاكرا ولا آثرا .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهو كما قال ، اليمين بغير الله من المخلوقات كلها مكروهة ، سواء حلف بمعظم كالملائكة ، والأنبياء ، أو بغير معظم ، لرواية الشافعي عن مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب ، وحلف بأبيه ، فقال : إن الله ينهاكم بأن تحلفوا بآبائكم ، من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت .

                                                                                                                                            وروى الشافعي عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه ، قال : سمع نبي الله عمر يحلف بأبيه ، فقال : إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم . قال عمر : فوالله ما حلفت بها ذاكرا ولا آثرا ، وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : يعني : عامدا ، ولا ناسيا .

                                                                                                                                            والثاني : معتقدا لنفسي ، ولا حاكيا عن غيري .

                                                                                                                                            وروى ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من حلف بغير الله فقد أشرك ، وفيه تأويلان :

                                                                                                                                            أحدهما : فقد أشرك بين الله وبين غيره في التعظيم ، وإن لم يصر من المشركين الكافرين .

                                                                                                                                            والثاني : فقد أشرك بالله ، فصار كافرا به إن اعتقد لزوم يمينه بغير الله كاعتقاد لزومها بالله .

                                                                                                                                            فإن قيل : فقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه حلف بغير الله ، فقال للأعرابي : " وأبيه إن صدق دخل الجنة " ، وقال لأبي العشراء الدارمي : وأبيك لو طعنت في فخذه لأجزأك فعنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لم يخرج مخرج اليمين ، وإنما كانت كلمة تخف على ألسنتهم في مبادئ الكلام .

                                                                                                                                            والثاني : أنه يجوز أن يكون ذلك في صدر الإسلام قبل النهي .

                                                                                                                                            وقول الشافعي : وأخشى أن يكون معصية .

                                                                                                                                            [ ص: 263 ] هي في استحقاق الوعيد ؛ لأنه ليس كل مكروه يستحق عليه الوعيد .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية