الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4975 [ ص: 330 ] 14 - باب: لا يكون بيع الأمة طلاقا

                                                                                                                                                                                                                              5279 - حدثنا إسماعيل بن عبد الله، قال حدثني مالك، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، عن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان في بريرة ثلاث سنن، إحدى السنن أنها أعتقت، فخيرت في زوجها. وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق". ودخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والبرمة تفور بلحم، فقرب إليه خبز وأدم من أدم البيت، فقال: "ألم أر البرمة فيها لحم؟". قالوا: بلى، ولكن ذلك لحم تصدق به على بريرة، وأنت لا تأكل الصدقة. قال: "عليها صدقة، ولنا هدية". [انظر: 456 - مسلم: 1075 ، 1504 - فتح 9 \ 404].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة بريرة وقد سلفت.

                                                                                                                                                                                                                              ووجه مطابقة التبويب أن عصمتها لو زالت لما خيرت. وقد اختلف العلماء فيما عقد له، فروي عن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ما ترجم له، وهو مذهب كافة الفقهاء.

                                                                                                                                                                                                                              وخالفت فيه طائفة، روي عن ابن مسعود وابن عباس وأبي بن كعب، ومن التابعين سعيد بن المسيب والحسن ومجاهد ، واحتجوا بقوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [النساء: 24] فحرم الله علينا المتزوجات من النساء، إلا إذا ملكتهن أيماننا فهن حلال لنا; لأن البيع لها حدوث ملك فيها، فوجب أن يرتفع حكم النكاح ويبطل، دليله الأمة المسبية ذات الزوج.

                                                                                                                                                                                                                              وحجة الجماعة قصة بريرة أنها أعتقت فخيرت في زوجها، فلو كان طلاقها يقع ببيعها لم يخيرها الشارع بعد ذلك عند العتق، ويقول لها: إن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 331 ] شئت أقمت تحته.

                                                                                                                                                                                                                              وأيضا فإنه عقد على منفعة، فوجب ألا يبطل بيع الرقبة، دليله المستأجرة ; لأن النكاح عقد على منفعة، والإجارة كذلك، ثم إن البيع لا يبطلها، وكذا النكاح. وأيضا فإنه انتقال ملك رقبة أحد الزوجين من ملك إلى ملك، فوجب ألا يبطل، دليله إذا بيع الزوج، ولما لم يمنع ملك البائع صحة النكاح كان ملك المبتاع مثله; لأنه يقوم مقامه، وهو فرع مثله.

                                                                                                                                                                                                                              فإن قالوا: إن الأمة الحربية إذا كانت مزوجة فإنها إذا استرقت تنتقل من ملك إلى ملك، ومع هذا ينفسخ النكاح عندكم.

                                                                                                                                                                                                                              قلنا: إن قلنا لا ينفسخ على إحدى الروايتين كالحربية إذا سبيت، سقط سؤالهم.

                                                                                                                                                                                                                              وإن قلنا: ينفسخ على الأخرى، فالفرق أن الحربي لا يملك و (إنما) له شبهة ملك، فإذا سبيت وملكها المسلم ملكا صحيحا، فليس تنتقل من ملك صحيح، وليس كذلك مسألتنا ولا حجة لهم في الآية; لأنها نزلت في سبي أوطاس خاصة، فتحرج بعض أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوفا أن يكون لهن أزواج، فسألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله الآية.

                                                                                                                                                                                                                              فالمراد بها المسبيات إذا حضن قبل أن يحضر أزواجهن، إذا أسلمن معا فإنه يحل وطؤهن وإن كان لهن أزواج مشركون، فأما إن أسلمن وأسلم أزواجهن معا فهم على نكاحهم، كما ستعلمه في موضعه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 332 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن الناس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكونوا مستنكرين هدية بعضهم لبعض الطعام، والشيء الذي يؤكل، وما لا يعظم خطره، دليله قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أهدي إلي ذراع لقبلت" ; لأنه - عليه السلام - لم ينكره من بريرة أن أهدت اللحم، ولا أنكر قبول عائشة - رضي الله عنها - له.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن من أهدي إليه هدية قلت أو كثرت لا يردها، فإن أطاق المكافأة عليها فعل، وإلا أثنى عليه بها وشكرها بقوله; لما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية