الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
923 [ ص: 243 ] حديث خامس وخمسون لنافع ، عن ابن عمر

مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها .

التالي السابق


قال نافع : وكان عبد الله يفعل ذلك ، وهذا عند مالك ، وغيره من أهل العلم مستحب مستحسن مرغوب فيه كما يستحبون أن لا يكون إهلال المحرم من ذي الحليفة ، وغيرها إلا بإثر صلاة ، لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذلك كان إحرامه بإثر صلاة صلاها يومئذ وليس شيء مما في هذا الحديث من سنن الحج ، ومناسكه التي يجب فيها على تاركها فدية ، أو دم عند أهل العلم ، ولكنه حسن كما ذكرت لك عند جميعهم إلا ابن عمر ، فإنه جعله سنة ، وهذه البطحاء المذكورة في هذا الحديث يعرفها أهل المدينة بالمعرس ، وقال مالك في الموطإ : لا ينبغي لأحد أن يجاوز المعرس إذا قفل راجعا إلى المدينة حتى يصلي به ما بدا له ، لأنه بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرس به .

[ ص: 244 ] وقال أبو حنيفة : من مر بالمعرس من ذي الحليفة راجعا من مكة ، فإن أحب أن يعرس به حتى يصلي فعل وليس عليه ذلك بواجب .

وقال محمد بن الحسن محتجا له : بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرس به ، وأن ابن عمر أناخ به ، وليس ذلك - عندنا - من الأمر الواجب إنما هو مثل المنازل التي نزل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من منازل طريق مكة ، وبلغنا أن ابن عمر كان يتبع آثاره تلك فينزل بها فلذلك فعل مثل ذلك بالمعرس لا أنه كان يراه واجبا على الناس ، ولو كان واجبا لقال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وأصحابه للناس ما يقفون عليه .

وقال إسماعيل بن إسحاق : ليس نزوله - صلى الله عليه وسلم - بالمعرس كسائر منازل طريق مكة ، لأنه كان يصلي الفريضة حيث أمكنه ، والمعرس إنما كان يصلي نافلة ، ولا وجه لمن زهد الناس في الخير ، ولو كان المعرس كسائر المنازل ما أنكر ابن عمر على نافع ما توهمه عليه من التأخر عنه .

قال : وحدثنا أبو ثابت ، عن ابن أبي حازم ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع أن ابن عمر سبقه إلى المعرس ، وأبطأ [ ص: 245 ] عليه نافع ، فقال له : ما حبسك ؟ قال : فأخبرته ، فقال : ظننت أنك أخذت الطريق الأخرى لو فعلت لأوجعتك ضربا .

وروى الليث ، عن نافع مثله ، قال إسماعيل : وحدثنا إبراهيم بن الحجاج ، عن عبد العزيز بن المختار ، عن موسى بن عقبة ، عن سالم ، عن أبيه أن النبي - عليه السلام - نزل في المعرس من ذي الحليفة في بطن الوادي فقيل له : إنك ببطحاء مباركة .

قال أبو عمر : وأما المحصب فموضع قرب مكة في أعلى المدينة نزله أيضا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان مالك ، وغيره يستحبون النزول به ، والمبيت ، والصلاة فيه ، وجعله بعض أهل العلم من المناسك التي ينبغي للحجاج نزولها والمبيت فيها ، وأكثرهم على أن ذلك ليس من مناسك الحج ، ومشاعره في شيء ، وهو الصواب . والمحصب يعرف بالأبطح ، والبطحاء أيضا خيف بني كنانة ، والخيف الوادي .

وروى مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يصلي الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء بالمحصب ، ثم يدخل مكة من الليل ويطوف بالبيت .

[ ص: 246 ] ورواه أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر والعصر ، والمغرب ، والعشاء بالبطحاء ، ثم هجع بها هجعة ، ثم دخل مكة ، وكان ابن عمر يفعله ، وروى ، أيوب ، وحميد الطويل ، عن بكر بن عبد الله المزني ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثله سواء حرفا بحرف ، ذكره حماد بن سلمة ، عن أيوب وحميد جميعا .

وروى الأوزاعي ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال حين أراد أن ينفر من منى : نحن نازلون غدا - إن شاء الله - بخيف بني كنانة يعني المحصب وذلك أن بني كنانة تقاسموا على بني هاشم ، وبني المطلب وذكر الحديث .

وروى معمر ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن عمرو بن عثمان ، عن أسامة بن زيد ، قال : قلت : يا رسول الله ، أين تنزل غدا في حجته ؟ قال : هل ترك لنا عقيل منزلا ؟ ثم قال : نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث تقاسمت قريش على الكفر يعني المحصب ، وذكر الحديث .

وروى هشام بن عروة ، عن عائشة قالت : المحصب ليس بسنة ، وإنما نزله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليكون أسمح لخروجه ، فمن شاء نزله ، ومن شاء لم ينزله .




الخدمات العلمية