الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب بدء الأذان

                                                                      498 حدثنا عباد بن موسى الختلي وزياد بن أيوب وحديث عباد أتم قالا حدثنا هشيم عن أبي بشر قال زياد أخبرنا أبو بشر عن أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها آذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال فذكر له القنع يعني الشبور وقال زياد شبور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال هو من أمر اليهود قال فذكر له الناقوس فقال هو من أمر النصارى فانصرف عبد الله بن زيد بن عبد ربه وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه قال فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان قال وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ما منعك أن تخبرني فقال سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله قال فأذن بلال قال أبو بشر فأخبرني أبو عمير أن الأنصار تزعم أن عبد الله بن زيد لولا أنه كان يومئذ مريضا لجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنا [ ص: 126 ]

                                                                      التالي السابق


                                                                      [ ص: 126 ] باب بدء الأذان

                                                                      أي هذا باب في بيان الأذان .

                                                                      ( عباد بن موسى الختلي ) بضم الخاء المعجمة وتشديد المثناة المفتوحة ( قالا ) أي عباد وزياد ( حدثنا هشيم ) بن بشير على وزن عظيم ثقة ثبت كثير التدليس ( عن أبي بشر ) هو جعفر بن أبي وحشية ( قال زياد ) بن أيوب في روايته حدثنا هشيم قال ( أخبرنا أبو بشر ) أي بلفظ أخبرنا أبو بشر ، وأما عباد فقال حدثنا هشيم عن أبي بشر ، فزياد صرح بتحديث هشيم عن أبي بشير فارتفعت مظنة التدليس عن هشيم ، وما وقع في بعض النسخ زياد أبو بشر بحذف لفظ أخبرنا ، وزعم بعضهم أن أبا بشر هذا بدل من زياد فهو غلط قطعا كما يظهر من أطراف المزي والله أعلم ( عن أبي عمير بن أنس ) هو عبد الله أبو عمير بن أنس بن مالك ( عن عمومة له ) أي لأبي عمير مصغر ( قال ) أي عمومة أبي عمير ( اهتم النبي صلى الله عليه وسلم ) يقال اهتم الرجل بالأمر قام به قال ابن الأثير في النهاية : هم بالأمر يهم : إذا عزم عليه ( لها ) أي للصلاة ( فإذا رأوها ) . أي إذا رأى المسلمون راية ( آذن ) من الإيذان ( فلم يعجبه ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( ذلك ) أي نصب الراية عند حضور الصلاة ( قال ) أي الراوي ( فذكر له ) أي للنبي صلى الله عليه وسلم ( القنع يعني الشبور ) القنع بضم القاف وسكون النون . قال ابن الأثير في النهاية : هذه اللفظة قد اختلف في ضبطها ، فرويت بالياء والتاء والثاء والنون وأشهرها وأكثرها النون انتهى ، والشبور بفتح الشين المعجمة وضم الباء الموحدة المثقلة ، وفي رواية للبخاري بوقا ، وفي رواية لمسلم والنسائي قرنا ، وهذه الألفاظ الأربعة كلها متحد المعنى ، وهو الذي ينفخ فيه ليخرج منه صوت . .

                                                                      قال الخطابي : قوله القنع هكذا قاله ابن داسة ، وحدثناه ابن الأعرابي عن [ ص: 127 ] أبي داود مرتين ، فقال مرة : القنع بالنون الساكنة ، وقال مرة : القبع بالباء المفتوحة ، وجاء في الحديث : تفسيره أنه الشبور ، وهو البوق وقد سألت عنه غير واحد لم يثبته لي على واحد من الوجهين ، فإن كانت رواية القنع صحيحة فلا أراه سمي إلا لإقناع الصوت وهو رفعه ، يقال : أقنع الرجل صوته وأقنع رأسه إذا رفعه ، وأما القبع بالباء فلا أحسبه سمي قبعا إلا أنه يقبع فم صاحبه أي يستره ، يقال قبع الرجل رأسه في جيبه إذا أدخله فيه ، وسمعت أبا عمر يقول : هو القثع بالثاء المثلثة يعني البوق ولم أسمع هذا الحرف من غيره ( فلم يعجبه ذلك ) أي اتخاذ القنع والشبور ( وقال ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( هو من أمر اليهود ) أي الشبور ( قال ) أي عمومة أبي عمير ( فذكر له ) أي للنبي صلى الله عليه وسلم ( الناقوس ) هو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها يجعله النصارى علامة لأوقات صلاتهم ( فانصرف عبد الله بن زيد ) من عند النبي صلى الله عليه وسلم ( وهو ) أي عبد الله والواو للحال ( مهتم ) من الاهتمام أي في مقدمة الأذان ( لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) في ذلك . قال في المصباح المنير : الهم بالفتح أول العزيمة يقال : هممت بالشيء هما إذا أردته ولم تفعله ( فأري ) أي عبد الله ( الأذان في منامه ) قال الحافظ في الفتح : الأذان لغة الإعلام . قال الله تعالى : وأذان من الله ورسوله واشتقاقه من الأذن بفتحتين وهو الاستماع ، وشرعا الإعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة . قال القرطبي وغيره : الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة ؛ لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ، ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك ، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول ، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم ، وفيه الإشارة إلى المعاد ، ثم أعاد ما أعاد توكيدا . ويحصل من الأذان الإعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعائر الإسلام . والحكمة في اختبار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان .

                                                                      قال الراوي ( فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي ذهب عبد الله بن زيد في وقت الغداة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( قد رآه ) أي الأذان في المنام ( فقال له ) أي لعمر بن الخطاب ( يا بلال قم [ ص: 128 ] فانظر ما يأمرك به عبد الله ) قال الخطابي : فيه دليل على أن الواجب أن يكون الأذان قائما . انتهى . وقال الحافظ في الفتح قال عياض وغيره : فيه حجة لشروع الأذان قائما . قلت : وكذا احتج به ابن خزيمة وابن المنذر ، وتعقبه النووي بأن المراد بقوله قم أي اذهب إلى موضع بارز فناد فيه بالصلاة ليسمعك الناس . وقال وليس فيه تعرض للقيام في حال الأذان انتهى . وما نفاه ليس ببعيد من ظاهر اللفظ ، فإن الصيغة محتملة للأمرين وإن كان ما قاله أرجح ، ونقل عياض أن مذهب العلماء كافة أن الأذان قاعد لا يجوز إلا أبا ثور ووافقه أبو الفرج المالكي ، وتعقب بأن الخلاف معروف عند الشافعية وبأن المشهور عند الحنفية كلهم أن القيام سنة ، وأنه لو أذن قاعدا صح ، والصواب ما قال ابن المنذر : إنهم اتفقوا على أن القيام من السنة ( لجعله ) الضمير المنصوب يرجع إلى عبد الله وهو جواب لولا .

                                                                      وفي الحديث مشروعية التشاور في الأمور المهمة وأنه لا حرج على أحد من المتشاورين إذا أخبر بما أدى إليه اجتهاده . وقد استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد لأن رؤيا غير الأنبياء لا يبنى عليها حكم شرعي ، وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك ، أو لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بمقتضاها لينظر أيقر على ذلك أم لا ، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه ، ويؤيد الأول ما رواه عبد الرزاق وأبو داود في المراسيل من طريق عبيد بن عمير الليثي أحد كبار التابعين أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر به النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " سبقك بذلك الوحي " . وأشار السهيلي إلى أن الحكمة في ابتداء شرع الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم التنويه . بعلو قدره على لسان غيره ليكون أفخم لشأنه والله أعلم قاله الحافظ في الفتح .




                                                                      الخدمات العلمية