الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب العتق في المرض ( يعتبر حال العقد في تصرف منجز ) هو الذي أوجب حكمه في الحال ( فإن كان في الصحة فمن كل ماله وإلا فمن ثلثه ) والمراد التصرف الذي هو إنشاء ويكون فيه معنى التبرع حتى إن الإقرار بالدين في المرض ينفذ من كل المال والنكاح فيه ينفذ بقدر مهر المثل من كل المال ( والمضاف إلى موته ) وهو ما أوجب حكمه بعد موته كأنت حر بعد موتي أو هذا لزيد بعد موتي ( من الثلث وإن كان في الصحة ) ومرض صح منه كالصحة . والمقعد والمفلوج والمسلول إذا تطاول ولم يقعده في الفراش كالصحيح مجتبى . ثم رمز حد التطاول سنة وفي المرض المعتبر المبيح لصلاته قاعدا ( إعتاقه ومحاباته [ ص: 680 ] وهبته ووقفه وضمانه ) كل ذلك حكمه ( ك ) حكم ( وصية فيعتبر من الثلث ) كما قدمنا في الوقف أن وقف المريض المديون بمحيط باطل . فليحفظ وليحرر ( ويزاحم أصحاب الوصايا في الضرب ولم يسع العبد - [ ص: 681 ] إن أجيز ) عتقه لأن المنع لحقهم فيسقط بالإجازة ( فإن حابى فحرر ) وضاق الثلث عنهما ( فهي ) أي المحاباة ( أحق وبعكسه ) بأن حرر فحابى ( استويا ) وقالا : عتقه أولى فيهما ( ووصيته بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد لا تنفذ ) الوصية ( بما بقي إن هلك درهم ) لأن القربة تتفاوت بتفاوت قيمة العبد ( بخلاف الحج ) وقالا : هما سواء .

التالي السابق


باب العتق في المرض

هو من أنواع الوصية لكن لما كان له أحكام مخصوصة أفرده في باب على حدة ، وأخره عن صريح الوصية لأن الصريح هو الأصل عناية ( قوله : منجز ) احتراز عن المضاف الآتي بيانه فالعبرة فيه لحال الإضافة ( قوله : في الحال ) أي حال صدوره ط ( قوله : وإلا فمن ثلثه ) استثنى في الأشباه التبرع بالمنافع ، كسكنى الدار قال فإنه نافذ من كل المال ، وتمامه فيها وفي حواشيها ( قوله : والمراد ) أي من التصرف المذكور ( قوله : حتى إن الإقرار إلخ ) أي لغير الوارث وهو محترز قوله : إنشاء فإن الإقرار إخبار ( قوله : والنكاح إلخ ) محترز قوله فيه معنى التبرع ، فإن النكاح بقدر مهر المثل لا تبرع فيه لأن البضع متقوم حال الدخول ، وقيمته مهر المثل ، فإن قوبل به كان معارضة لا تبرعا ، والزائد عليه محاباة وهي من قبيل الوصية لأنها إنشاء فيه معنى التبرع وكذا بدل الخلع ، لأن البضع حال الخروج غير متقوم ، فما جعل في مقابلته تبرع قليلا كان أو كثيرا رحمتي ( قوله : وإن كان في الصحة ) إن وصلية لأن التصرف المضاف إلى الموت المعتبر فيه حالة الموت كما في الدرر ( قوله : ومرض صح منه كالصحة ) كذا ذكرت هذه المسألة في هذا المحل في عامة المعتبرات كالملتقى والإصلاح وغيرهما ، والأولى ذكرها قبل قوله " والمضاف " لأنه لا فرق فيه بين الصحة والمرض تأمل ، . قال القهستاني : فلو أوصى بشيء صارت باطلة لأنه ظهر بالصحة أنه لا يتعلق بماله حق أحد ، وهذا إذا قيد بالمرض بأن قال إن مت من مرضي هذا .

وأما إذا أطلق ثم صح فباقية ، وإن عاش بعد ذلك سنين كما في التتمة ا هـ ( قوله : وفي المرض المعتبر ) بجر المعتبر صفة للمرض : أي المعتبر لنفوذ التصرف الإنشائي من الثلث ، وهو متعلق بمحذوف تقديره والحد في المرض المعتبر هو المبيح لصلاته قاعدا ، وقد قدم الكلام على هذا أول كتاب الوصايا بأبسط مما هنا ط ( قوله : ومحاباته ) أي في الإجارة [ ص: 680 ] والاستئجار والمهر والشراء والبيع ، بأن باع مريض مثلا من أجنبي ما يساوي مائة بخمسين كما في النتف قهستاني أي : أو يشتري ما يساوي خمسين بمائة ، فالزائد على قيمة المثل في الشراء والناقص في البيع محاباة : أي مسامحة ، من حبوته حباء ككتاب : أعطيته الشيء من غير عوض ا هـ ط عن المصباح ، وقيد المحاباة في البزازية وغيرها بما لا يتغابن فيه . قلت : وفي آخر إجارات الوهبانية : وإيجار ذي ضعف من الكل جائز ولو أن أجر المثل من ذاك أكثر قال الشرنبلالي في شرحه : صورتها مريض آجر داره بأقل من أجرة المثل قالوا : جازت الإجارة من جميع ماله ، ولا تعتبر من الثلث ; لأنه لو أعارها ، وهو مريض جازت فالإجارة بأقل من أجر المثل أولى : قال الطرسوسي : وهذه المسألة خالفت القاعدة ، فإن الأصل أن المنافع تجري مجرى الأعيان ، وفي البيع يعتبر من الثلث اعتبارا للفرع بالأصل .

والفرق أن البيع عقد لازم يتعلق بعين المال ، وقد تعلق به حق الورثة والغرماء ، والإجارة تتعلق بالنفقة وتنفسخ بالموت فلا يتصور التعلق بعده ا هـ فتنبه ولعلهما روايتان كما سيذكره الشارح في الفروع آخر الوصايا ( قوله : وهبته ) أي إذا اتصل بها القبض قبل موته ، أما إذا مات ولم يقبض فتبطل الوصية لأن هبة المريض هبة حقيقية وإن كانت وصية حكما كما صرح به قاضي خان وغيره ا هـ ط عن المكي ( قوله : وضمانه ) هو أعم من الكفالة ، فإن منه ما لا يكون كفالة بأن قال أجنبي خالع امرأتك على ألف على أني ضامن أو قال بع عبدك هذا على أني ضامن لكن بخمسمائة من الثمن سوى الألف فإن بدل الخلع يكون على الأجنبي لا على المرأة والخمسمائة على الضامن دون المشتري عناية .

[ تنبيه ] قال في البزازية : وكفالته على ثلاثة أوجه : في وجه كدين الصحة بأن كفل في الصحة معلقا بسبب ووجد السبب في المرض بأن قال ما ذاب لك على فلان فعلي . وفي وجه كدين المرض بأن أخبر في المرض بأني كفلت فلانا في الصحة لا يصدق في حق غرماء الصحة والمكفول له مع غرماء المرض ، وفي الأول مع غرماء الصحة ، وفي وجه كسائر الوصايا بأن أنشأ الكفالة في مرض الموت ا هـ ( قوله : حكمه كحكم وصية ) أي من حيث الاعتبار من الثلث لا حقيقة الوصية لأن الوصية إيجاب بعد الموت ، وهذه التصرفات منجزة في الحال زيلعي ( قوله : وليحرر ) تحريره أنه لا ينافي ما هنا لأن المستغرق بالدين لا ثلث له رحمتي ( قوله : ويزاحم أصحاب الوصايا في الضرب ) أي العبد المعتق والمحابى . والموهوب له والمضمون له يضرب في الثلث مع أصحاب الوصايا ، فإن وفى الثلث بالجميع ، وإلا تحاصصوا فيه ، ويعتبر في القسمة قدر ما لكل من الثلث هذا ما ظهر لي ا هـ ، ط أقول : وقال العلامة الأتقاني : والمراد من ضربهم بالثلث مع أصحاب الوصايا أنهم يستحقون الثلث لا غير ، وليس المراد أنهم يساوون أصحاب الوصايا في الثلث ويحاصصونهم لأن العتق المنفذ في المرض مقدم على الوصية بالمال في الثلث ، بخلاف ما إذا أوصى بعتق عبده بعد موته أو قال هو حر بعد موتي بيوم أو شهر فإنه كسائر الوصايا ا هـ ملخصا .

[ ص: 681 ] قلت : وكالعتق المنفذ المحاباة المنجزة كما مر عند قول المصنف : وإذا اجتمع الوصايا ويأتي قريبا ( قوله : وإن أجيز عتقه ) أي إذا ضاق الثلث ، ولو كانت الإجازة قبل موت الموصي كما قدمناه أول الوصايا عن البزازية ( قوله : لأن المنع ) أي من تنفيذه من كل المال والأولى لأن السعي تأمل ( قوله : فإن حابى فحرر إلخ ) صورة الأولى : باع عبدا قيمته مائتان بمائة ثم أعتق عبدا قيمته مائة ولا مال له سواهما يصرف الثلث إلى المحاباة ويسعى المعتق في كل قيمته . وصورة العكس : أعتق الذي قيمته مائة ثم باع الذي قيمته مائتان بمائة يقسم الثلث ، وهو المائة بينهما نصفين ، فالمعتق يعتق نصفه مجانا ، ويسعى في نصف قيمته ، وصاحب المحاباة يأخذ العبد الآخر بمائة وخمسين ابن كمال . والأصل في هذا أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فكل واحد من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض ، إلا العتق الموقع في المرض ، والعتق المعلق بالموت كالتدبير الصحيح سواء كان مطلقا أو مقيدا ، والمحاباة في المرض وتمامه في الزيلعي ( قوله : وقالا عتقه أولى فيهما ) أي في المسألتين لأنه لا يلحقه الفسخ . وله أن المحاباة أقوى لأنها في ضمن عقد المعاوضة ، لكن إن وجد العتق أولا وهو لا يحتمل الدفع يزاحم المحاباة ابن كمال . وقول الزيلعي والمصنف في المنح . وقالا : هما سواء في المسألتين سبق قلم ، والصواب ما هنا كما نبه عليه الشلبي ( قوله : بهذه المائة ) أي المعينة ، وإنما قيد بذلك حتى يتصور هلاك بعضها . فلو قال بمائة وزادت على الثلث تبطل أيضا كما مر متنا ( قوله : لأن القربة تتفاوت إلخ ) لا يظهر بهذا التعليل الفرق بين العتق والحج ، فالمناسب قول الزيلعي : وله أنه وصية بالعتق بعبد يشترى بمائة من ماله ، وتنفيذها فيمن يشترى بأقل منه تنفيذ في غير الموصى به وذلك لا يجوز ، بخلاف الوصية بالحج لأنها قربة محضة هي حق الله - تعالى - والمستحق لم يستبدل ، وصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع إليه الباقي ا هـ




الخدمات العلمية