الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              4983 [ ص: 353 ] 20 - باب: إذا أسلمت المشركة أو النصرانية تحت الذمي أو الحربي

                                                                                                                                                                                                                              وقال عبد الوارث، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه. وقال داود، عن إبراهيم الصائغ: سئل عطاء عن امرأة من أهل العهد أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة، أهي امرأته؟ قال: لا، إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق. وقال مجاهد: إذا أسلم في العدة يتزوجها. وقال الله تعالى: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [الممتحنة: 10].

                                                                                                                                                                                                                              وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما: هما على نكاحهما، وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى الآخر بانت، لا سبيل له عليها. وقال ابن جريج: قلت لعطاء: امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين، أيعاوض زوجها منها، لقوله تعالى وآتوهم ما أنفقوا [الممتحنة: 10]؟ قال: لا، إنما كان ذاك بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل العهد. وقال مجاهد: هذا كله في صلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش.

                                                                                                                                                                                                                              5288 - حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال إبراهيم بن المنذر: حدثني ابن وهب، حدثني يونس، قال ابن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمتحنهن بقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 354 ] قال لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انطلقن فقد بايعتكن". لا والله ما مست يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام، والله ما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء إلا بما أمره الله يقول لهن إذا أخذ عليهن: "قد بايعتكن". كلاما.
                                                                                                                                                                                                                              [انظر: 2713 - مسلم: 1866 - فتح 9 \ 420].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              (وقال عبد الوارث، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها بساعة حرمت عليه). هذا أسنده ابن أبي شيبة، عن عباد بن العوام، عن خالد به، وقال: فهي أملك بنفسها. قال: وحدثنا وكيع، عن سفيان، عن سالم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: يفرق بينهما .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: وقال داود، عن إبراهيم الصائغ: سئل عطاء عن امرأة من أهل العهد أسلمت ثم أسلم زوجها في العدة، أهي امرأته؟ قال: لا، إلا أن تشاء هي بنكاح جديد وصداق.

                                                                                                                                                                                                                              هذا أخرج معناه ابن أبي شيبة عن عباد بن العوام، عن حجاج، عن عطاء في النصرانية تسلم تحت زوجها قال: يفرق بينهما.

                                                                                                                                                                                                                              وحدثنا عبد الرحمن المحاربي، عن ليث، عن عطاء وطاوس ومجاهد في نصراني يكون تحته نصرانية فتسلم، قالوا: إن أسلم معها فهي امرأته، وإن لم يسلم فرق بينهما .

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: وقال مجاهد: إذا أسلم في العدة يتزوجها. وقال الله تعالى : لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [الممتحنة: 10].

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 355 ] وقال الحسن وقتادة في مجوسيين أسلما: هما على نكاحهما، وإذا سبق أحدهما صاحبه وأبى الآخر بانت، لا سبيل له عليها

                                                                                                                                                                                                                              وهذا أخرجه ابن أبي شيبة أيضا، عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن وعكرمة وكتاب عمر بن عبد العزيز بلفظ: إذا سبق أحدهما -يعني: المجوسيين- صاحبه بالإسلام فلا سبيل له عليها إلا بخطبة.

                                                                                                                                                                                                                              وحدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن: إذا أسلما فهما على نكاحهما .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن جريج: قلت لعطاء: امرأة من المشركين جاءت إلى المسلمين، أيعاوض زوجها منها لقوله تعالى وآتوهم ما أنفقوا [الممتحنة: 10]؟ قال: لا، إنما ذلك بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين أهل العهد. وقال مجاهد: هذا كله في الصلح بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين قريش.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: حدثنا ابن بكير، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال إبراهيم بن المنذر: حدثني ابن وهب، حدثني يونس، عن شهاب: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كانت المؤمنات إذا هاجرن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يمتحنهن بقول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن إلى آخر الآية. قالت عائشة: فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات فقد أقر بالمحنة، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أقررن بذلك من قولهن قال لهن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انطلقن فقد بايعتكن". لا والله ما مست يد

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 356 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يد امرأة قط، غير أنه بايعهن بالكلام، والله ما أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء إلا بما أمر الله يقول لهن إذا أخذ عليهن: "قد بايعتكن". كلاما.


                                                                                                                                                                                                                              ولما ذكر الإسماعيلي حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أخبرني يونس، عن ابن شهاب قال: قال عقيل: سئل ابن شهاب عن قول الله تعالى: إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات [الممتحنة: 10] فقال: أخبرني عروة، عن عائشة قالت .. الحديث. ثم قال: هذا حديث يونس وحديث عقيل قريب منه.

                                                                                                                                                                                                                              قال: وأخبرنا ابن زيدان، حدثني أبو كريب، حدثنا رشدين، عن عقيل، قال: ورشدين ليس من شرط البخاري، على أن أحمد بن حنبل قال: رشدين أرجو أنه ليس بحديثه بأس، أو قال: هو صالح الحديث . والذي ذهب إليه ابن عباس وعطاء في هذا الباب أن إسلام النصرانية قبل زوجها فاسخ لنكاحها; لعموم قوله تعالى: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [الممتحنة: 10]. فلم يخصص تعالى وقت العدة من غيره.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن عباس: إن الإسلام يعلو ولا يعلى، لا يعلو النصراني المسلمة . وروي مثله عن عمر بن الخطاب، وهو قول طاوس، وإليه ذهب أبو ثور.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 357 ] وقالت طائفة: إذا أسلم في العدة تزوجها. هذا قول مجاهد، وقتادة. (وبه) قال مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو عبيد.

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا أسلمت عرض على زوجها الإسلام، فإن أسلم فهما على نكاحهما، وإن أبى أن يسلم فرق بينهما.

                                                                                                                                                                                                                              وهو قول الثوري والزهري، وبه قال أبو حنيفة: إذا كانا في دار الإسلام، وأما إذا كانا في دار الحرب فأسلمت وخرجت إلينا فقد بانت منه بافتراق الدارين. وفيه قول آخر يروى عن عمر أنه خير نصرانية أسلمت وزوجها نصراني إن شاءت فارقته، وإن شاءت أقامت معه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: والقول الأول عندي أصح الأقاويل . قال ابن بطال: وإليه أشار البخاري في تلاوته: لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن [الممتحنة: 10] يعني: ما دام الزوج كافرا .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن المنذر: وأجمع عوام أهل العلم على أن النصراني إذا أسلم قبل امرأته أنهما على نكاحهما إذ جائز له أن يبتدئ نكاحهما لو لم يكن له زوجة. وكذلك أجمعوا أنهما لو أسلما معا أنهما على نكاحهما .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 358 ] فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وأما قول الحسن وقتادة أن الوثنيين إذا أسلما معا أنهما على نكاحهما، فهو إجماع من العلماء. واختلفوا إذا سبق أحدهما الآخر بالإسلام، فقالت طائفة: تقع الفرقة بإسلام من أسلم منهما. وقاله - غير الحسن وقتادة- عكرمة، وطاوس، ومجاهد .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: إذا أسلم المتخلف منهما عن الإسلام قبل انقضاء عدة المرأة فهما على النكاح. هذا قول الزهري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، ولم يراعوا من سبق بالإسلام إذا اجتمع إسلامهما في العدة كما كان صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل أحق بزوجتيهما لما أسلما في العدة.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج الشافعي بأن أبا سفيان بن حرب أسلم قبل امرأته هند، وكان إسلامه بمر الظهران، ثم رجع إلى مكة، وهند بها كافرة، ثم أسلمت بعد أيام، فأقرا على نكاحهما في الشرك، لأن عدتها لم تنقض. وكذلك حكيم بن حزام أسلم قبل امرأته، ثم أسلمت بعد فكانا على نكاحهما .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك والكوفيون: إذا أسلم الرجل منهما قبل امرأته تقع الفرقة بينهما في الوقت إذا عرض عليها الإسلام فلم تسلم، واحتج مالك بقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة: 10] فلا يجوز التمسك بعصمة المجوسية; لأن الله تعالى لم يرد بالكوافر في هذه الآية أهل الكتاب، بدليل إباحة تزويج نساء أهل الكتاب، فلما كانت مجوسية

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 359 ] غير جائز ابتداء العقد عليها، فلذلك لا يجوز التمسك بها; لأن ما لا يجوز الابتداء عليه لا يجوز التمسك به إذا طرأ على النكاح.

                                                                                                                                                                                                                              وذهب مالك إلى أنه إن أسلمت الوثنية قبل زوجها، فإن أسلم في عدتها فهو أحق بها .

                                                                                                                                                                                                                              وعند الكوفيين يعرض على الزوج الإسلام في الوقت، كما يعرض على المرأة إذا أسلمت، ولم يراعوا انقضاء عدة فيها .

                                                                                                                                                                                                                              واحتج مالك في اعتبار العدة في إسلام المرأة قبل زوجها بما رواه في "الموطإ" عن ابن شهاب أنه قال: لم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزوجها كافر مقيم بدار الحرب إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها، إلا أن يقدم زوجها مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها .

                                                                                                                                                                                                                              فهذا من جهة الآية.

                                                                                                                                                                                                                              وأما من جهة القياس، فإن إسلامه بمنزلة الارتجاع، فلما كان له الارتجاع في الطلاق فكذلك إذا أسلم; لأن إسلامه فعله والرجعة فعله، فاشتبها لهذه العلة . ولم يجب عند الكوفيين مراعاة العدة; لأن العدة إنما تكون في طلاق، والكفر فرق بينهما وفسخ نكاحهما كالمرتد ولم يعلموا الآثار التي عند أهل المدينة وباعتبار العدة إذا أسلمت المرأة قبل زوجها.

                                                                                                                                                                                                                              واحتج أهل المقالة الأولى في أن النكاح يفسخ بالإسلام إذا أسلم بقوله تعالى: ولا تمسكوا بعصم الكوافر [الممتحنة: 10] قالوا: فكل

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 360 ] امرأة لا يجوز للمسلم ابتداء عقد نكاحها فلا يجوز له أن يتمسك بذلك النكاح، ولا ترجع إليه في عدة ولا غير عدة إلا بنكاح مستأنف; لأن الله كما حرم على المشركين نكاح المسلمات ونهى المسلمين عن نكاح المشركات فكان ابتداؤه في معنى استدامته.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول عطاء ومجاهد: إذا جاءت امرأة من المشركين إلى المسلمين أنه لا يعطى زوجها المشرك عوض صداقها; لأن ذلك إنما كان في عهد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين المشركين، وعلى ذلك انعقد الصلح بينهم، ولو كانوا أهل حرب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجز رد شيء مما أنفقوا إليهم، وكذلك قال الشعبي في قوله تعالى: وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم [الممتحنة: 11]: أنها منسوخة.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              لما ذكر ابن التين قول ابن عباس: لعله يريد غير المدخول بها قال: ومذهب مالك أنه أحق بها ما دامت في العدة إذا كانت مدخولا بها. وسواء كانت مجوسية أو نصرانية قال: واختلف إذا أسلم عقب إسلامها ولم تكن مدخولا بها، هل يكون أحق بها وإن تقدم إسلامه وهي وثنية أو مجوسية؟

                                                                                                                                                                                                                              قال أشهب: هو أحق بها مادامت في العدة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال مالك: يعرض عليها الإسلام فإن أسلمت وإلا فرق بينهما .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 361 ] قال: واختلف قوله إذا عرض عليها الإسلام وأبت. ففي "المدونة" يفرق بينهما . وعند محمد يعرض عليها اليومين والثلاث .

                                                                                                                                                                                                                              قال: واختلف إذا غفل عنها بعرض الإسلام ثم أسلمت: ففي "المدونة" الشهر وأكثر منه قليل قريب وقال محمد: (إذا) غفل عنها شهرا برئ منها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية