الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد جئتمونا فرادى سبب نزولها: أن النضر بن الحارث قال: سوف تشفع لي اللات والعزى ، فنزلت هذه الآية ، قاله عكرمة . ومعنى فرادى: وحدانا . وهذا إخبار من الله تعالى بما يوبخ به المشركين يوم القيامة . قال أبو عبيدة: فرادى ، أي فرد فرد . وقال ابن قتيبة; فرادى: جمع فرد .

                                                                                                                                                                                                                                      وللمفسرين في معنى "فرادى" خمسة أقوال متقاربة المعنى .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: فرادى من الأهل والمال والولد ، قاله ابن عباس . والثاني: كل واحد على حدة ، قاله الحسن . والثالث: ليس معكم من الدنيا شيء ، قاله مقاتل . والرابع: كل واحد منفرد عن شريكه في الغي ، وشقيقه ، قاله الزجاج . والخامس: فرادى من المعبودين ، قاله ابن كيسان .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: كما خلقناكم أول مرة فيه ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: لا مال ولا أهل ولا ولد . والثاني: حفاة عراة غرلا . والغرل: القلف . والثالث: أحياء . وخولناكم: بمعنى ملكناكم . وراء ظهوركم أي: [ ص: 89 ] في الدنيا . والمعنى: أن ما دأبتم في تحصيله في الدنيا فني ، وبقي الندم على سوء الاختيار . وفي شفعائهم ، قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها الأصنام . قال ابن عباس : شفعاؤكم ، أي: آلهتكم الذين زعمتم أنهم يشفعون لكم . و زعمتم أنهم فيكم أي: عندكم شركاء . وقال ابن قتيبة: زعمتم أنهم لي في خلقكم شركاء .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها الملائكة; كانوا يعتقدون شفاعتها ، قاله مقاتل .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: لقد تقطع بينكم قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، وحمزة ، وأبو بكر عن عاصم: بالرفع . والكسائي ، وحفص عن عاصم: بنصب النون على الظرف . قال الزجاج : الرفع أجود ، ومعناه: لقد تقطع وصلكم ، والنصب جائز ، ومعناه: لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم . وقال ابن الأنباري: التقدير: لقد تقطع ما بينكم ، فحذف "ما" لوضوح معناها . قال أبو علي: الذين رفعوه ، جعلوه اسما ، فأسندوا الفعل الذي هو "تقطع" إليه; والمعنى: لقد تقطع وصلكم . والذين نصبوا ، أضمروا اسم الفاعل في الفعل ، والمضمر هو الوصل; فالتقدير: لقد تقطع وصلكم بينكم . وفي الذي كانوا يزعمون قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: شفاعة آلهتهم . والثاني: عدم البعث والجزاء .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية