nindex.php?page=treesubj&link=16989_27521_29706_30532_30578_32211_32445_34384_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم
هذا كلام موصول بما قبله مما ترتب على العقيدة الفاسدة; إذ إنه متى فسدت العقيدة فسد الفكر وضلت الأفهام، فلا يصد عن القلب الذي امتلأ بالعقيدة إلا باطل، وكان أظهر مظاهر بطلان العقيدة الفاسدة ما يتعلق بالحرث والأنعام، فإن فرط أوهامهم في الأوثان أثر في حرثهم وأنعامهم، يعطون لها الأكثر ويبقون الأقل.
وقالوا بأفواههم جازمين في قولهم مشيرين:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138هذه أنعام وحرث حجر أي: محجورة وممنوعة ليس لأحد أن يأكل منها، فمعنى حجر محجورة ممنوعة، فهي حجر بمعنى محجور كذبح بمعنى مذبوح ونقض بمعنى منقوض، أي: أنهم يشيرون إلى ناحية من الزرع والثمار فيمنعونه، وإلى قدر من الأنعام فيمنعونه، وقرروا أن الأصل فيه المنع، حتى يكون منهم الإذن بأخذه لمن شاءوا، ولكن المنع يكون لمن، ولأجل من; قالوا: إنه يمنع لأجل الأوثان تكون لخدمتهم وسدانتهم ومن يكون حولهم، ومن بقي ينفق منهم على من نريد، ويرون أنه ينتفع منه رجالهم دون نسائهم.
ومهما يكن فإنهم يقررون أنه ممنوع لا يقربه أحد إلا من يشاءون، وهذا مؤدى ما قال الله عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم
وهنا عبارتان نقف عندهما قليلا.
أولاهما:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138لا يطعمها أي: لا ينال منه أي قدر ولو بالذوق، إلا من نشاء.
الثانية:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138بزعمهم فإنه بزعمهم أي: بافترائهم وظنهم، وهي تدل على أن المنع كان على زعم فاسد منهم، لا على حق اعتمدوا عليه، ويدل أيضا على أن
[ ص: 2692 ] إطعامهم من يشاءون مبني على زعم باطل كاختيار الرجال على النساء، وكاختيار خدام الأوثان على غيرهم.
وقد ندد الله تعالى بهذا العمل في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون
وإنهم لضلالهم مع علمهم بأن الله تعالى خالق كل شيء وأنه ليس كمثله شيء ما يتخذونه حلالا من طعامهم لا يذكرون اسم الله تعالى، فهم آثمون فيما يحرمون، وآثمون في تناول ما أحل الله تعالى؛ ولذا قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه كما حرموا على أنفسهم بعض الحرث والنسل; حرموا ركوب بعض الحيوان، ولا يذكرون اسم الله تعالى في الأنعام التي يأكلونها، فمن الأنعام التي حرموا ظهورها، أي: لا تركب مهما كانت الحاجة إلى ركوبها ولو كان هناك من يريد ركوبها يعني قد انقطع، ولا يستطيع: البحيرة والحام، فالبحيرة هي التي نتجت منها خمسة أبطن، وكان آخرها ذكرا، فإنها تبحر أي: تشق أذنها، وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل، وذاتها من الذبح، ولا ترد عن ماء، ولا تمنع من مرعى.
والحام هو الفحل من الإبل يضرب عشرا ونتج، فإذا بلغ ذلك قالوا: هذا حام، أي: حمى ظهره من الركوب، وقد بينا هذه في سورة المائدة في ربع:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما عند تفسير قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام
يحرمون هذا بأوهام سيطرت على أفهامهم، ويقولون هذا من عند الله، وما هو من عند الله إن هذا افتراء افتروه فارتكبوا إثمين; إثم تحريم ما أحل الله من الأنعام أكلا وحملا، وإثم افترائهم على الله تعالى بإسناد التحريم إليه، فضلوا ضلالا بعيدا.
[ ص: 2693 ] وإذا تناولوا ما أحل الله تعالى ارتكبوا إثما من نوع آخر، وهو ألا يذكروا اسم الله تعالى عليها، وهو الذي خلقها وأحلها، وأنعم بها; وإنهم إذ لا يذكرون اسم الله تعالى يذكرون أسماء الأوثان، وكان كل ذلك افتراء على الله تعالى، ولذا ختم الله تعالى الآية بقوله تعالى في كلامه العظيم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138سيجزيهم بما كانوا يفترون
أي: أن الله تعالى سيجزيهم أشد الجزاء، و: (السين) لتأكيد الوقوع في المستقبل، وسيكون جزاء وفاقا بسبب ما كانوا يفترونه، أي: يقصدون الكذب فيه، فقد افتروا على الله وأشركوا، وافتروا على الله تعالى وأحلوا ما حرم الله تعالى ونسبوا التحريم إليه، فكان ذلك بهتانا وإثما مبينا.
nindex.php?page=treesubj&link=16989_27521_29706_30532_30578_32211_32445_34384_28977nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ
هَذَا كَلَامٌ مَوْصُولٌ بِمَا قَبْلَهُ مِمَّا تَرَتَّبَ عَلَى الْعَقِيدَةِ الْفَاسِدَةِ; إِذْ إِنَّهُ مَتَى فَسَدَتِ الْعَقِيدَةُ فَسَدَ الْفِكْرُ وَضَلَّتِ الْأَفْهَامُ، فَلَا يَصُدُّ عَنِ الْقَلْبِ الَّذِي امْتَلَأَ بِالْعَقِيدَةِ إِلَّا بَاطِلٌ، وَكَانَ أَظْهَرُ مَظَاهِرِ بُطْلَانِ الْعَقِيدَةِ الْفَاسِدَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ، فَإِنَّ فَرْطَ أَوْهَامِهِمْ فِي الْأَوْثَانِ أَثَّرَ فِي حَرْثِهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، يُعْطُونَ لَهَا الْأَكْثَرَ وَيُبْقُونَ الْأَقَلَّ.
وَقَالُوا بِأَفْوَاهِهِمْ جَازِمِينَ فِي قَوْلِهِمْ مُشِيرِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ أَيْ: مَحْجُورَةٌ وَمَمْنُوعَةٌ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، فَمَعْنَى حَجْرٌ مَحْجُورَةٌ مَمْنُوعَةٌ، فَهِيَ حَجْرٌ بِمَعْنَى مَحْجُورٍ كَذِبْحٍ بِمَعْنَى مَذْبُوحٍ وَنَقْضٍ بِمَعْنَى مَنْقُوضٍ، أَيْ: أَنَّهُمْ يُشِيرُونَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ فَيَمْنَعُونَهُ، وَإِلَى قَدْرٍ مِنَ الْأَنْعَامِ فَيَمْنَعُونَهُ، وَقَرَّرُوا أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْمَنْعُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُمُ الْإِذْنُ بِأَخْذِهِ لِمَنْ شَاءُوا، وَلَكِنَّ الْمَنْعَ يَكُونُ لِمَنْ، وَلِأَجْلِ مَنْ; قَالُوا: إِنَّهُ يُمْنَعُ لِأَجْلِ الْأَوْثَانِ تَكُونُ لِخِدْمَتِهِمْ وَسِدَانَتِهِمْ وَمَنْ يَكُونُ حَوْلَهُمْ، وَمَنْ بَقِيَ يُنْفِقُ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ نُرِيدُ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ مِنْهُ رِجَالُهُمْ دُونَ نِسَائِهِمْ.
وَمَهْمَا يَكُنْ فَإِنَّهُمْ يُقَرِّرُونَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ لَا يَقْرَبُهُ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ يَشَاءُونَ، وَهَذَا مُؤَدَّى مَا قَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138لا يَطْعَمُهَا إِلا مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ
وَهُنَا عِبَارَتَانِ نَقِفُ عِنْدَهُمَا قَلِيلًا.
أُولَاهُمَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138لا يَطْعَمُهَا أَيْ: لَا يَنَالُ مِنْهُ أَيَّ قَدْرٍ وَلَوْ بِالذَّوْقِ، إِلَّا مَنْ نَشَاءُ.
الثَّانِيَةُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138بِزَعْمِهِمْ فَإِنَّهُ بِزَعْمِهِمْ أَيْ: بِافْتِرَائِهِمْ وَظَنِّهِمْ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ كَانَ عَلَى زَعْمٍ فَاسِدٍ مِنْهُمْ، لَا عَلَى حَقٍّ اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ، وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ
[ ص: 2692 ] إِطْعَامَهُمْ مَنْ يَشَاءُونَ مَبْنِيٌّ عَلَى زَعْمٍ بَاطِلٍ كَاخْتِيَارِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَكَاخْتِيَارِ خُدَّامِ الْأَوْثَانِ عَلَى غَيْرِهِمْ.
وَقَدْ نَدَّدَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْعَمَلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=59قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ
وَإِنَّهُمْ لِضَلَالِهِمْ مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ مَا يَتَّخِذُونَهُ حَلَالًا مِنْ طَعَامِهِمْ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُمْ آثِمُونَ فِيمَا يُحَرِّمُونَ، وَآثِمُونَ فِي تَنَاوُلِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى؛ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاءً عَلَيْهِ كَمَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بَعْضَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ; حَرَّمُوا رُكُوبَ بَعْضِ الْحَيَوَانِ، وَلَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ الَّتِي يَأْكُلُونَهَا، فَمِنَ الْأَنْعَامِ الَّتِي حَرَّمُوا ظُهُورَهَا، أَيْ: لَا تُرْكَبُ مَهْمَا كَانَتِ الْحَاجَةُ إِلَى رُكُوبِهَا وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ يُرِيدُ رُكُوبَهَا يَعْنِي قَدِ انْقَطَعَ، وَلَا يَسْتَطِيعُ: الْبَحِيرَةُ وَالْحَامُ، فَالْبَحِيرَةُ هِيَ الَّتِي نَتَجَتْ مِنْهَا خَمْسَةُ أَبْطُنٍ، وَكَانَ آخِرُهَا ذَكَرًا، فَإِنَّهَا تُبْحَرُ أَيْ: تُشَقُّ أُذُنُهَا، وَأَعْفَوْا ظَهْرَهَا مِنَ الرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ، وَذَاتَهَا مِنَ الذَّبْحِ، وَلَا تُرَدُّ عَنْ مَاءٍ، وَلَا تُمْنَعُ مِنْ مَرْعًى.
وَالْحَامُ هُوَ الْفَحْلُ مِنَ الْإِبِلِ يَضْرِبُ عَشْرًا وَنَتَجَ، فَإِذَا بَلَغَ ذَلِكَ قَالُوا: هَذَا حَامٍ، أَيْ: حَمَى ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوبِ، وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي رُبْعِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=103مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ
يُحَرِّمُونَ هَذَا بِأَوْهَامٍ سَيْطَرَتْ عَلَى أَفْهَامِهِمْ، وَيَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ هَذَا افْتِرَاءٌ افْتَرَوْهُ فَارْتَكَبُوا إِثْمَيْنِ; إِثْمَ تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ مِنَ الْأَنْعَامِ أَكْلًا وَحَمْلًا، وَإِثْمَ افْتِرَائِهِمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْنَادِ التَّحْرِيمِ إِلَيْهِ، فَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا.
[ ص: 2693 ] وَإِذَا تَنَاوَلُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى ارْتَكَبُوا إِثْمًا مِنْ نَوْعٍ آخَرَ، وَهُوَ أَلَّا يَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا، وَهُوَ الَّذِي خَلَقَهَا وَأَحَلَّهَا، وَأَنْعَمَ بِهَا; وَإِنَّهُمْ إِذْ لَا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى يَذْكُرُونَ أَسْمَاءَ الْأَوْثَانِ، وَكَانَ كُلُّ ذَلِكَ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلِذَا خَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي كَلَامِهِ الْعَظِيمِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=138سَيَجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ
أَيْ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَجْزِيهِمْ أَشَدَّ الْجَزَاءِ، وَ: (السِّينُ) لِتَأْكِيدِ الْوُقُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَسَيَكُونُ جَزَاءً وِفَاقًا بِسَبَبِ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَهُ، أَيْ: يَقْصِدُونَ الْكَذِبَ فِيهِ، فَقَدِ افْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ وَأَشْرَكُوا، وَافْتَرَوْا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَسَبُوا التَّحْرِيمَ إِلَيْهِ، فَكَانَ ذَلِكَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا.