الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نفذ

                                                          نفذ : النفاذ : الجواز ، وفي المحكم : جواز الشيء والخلوص منه . تقول : نفذت أي جزت ، وقد نفذ ينفذ نفاذا ونفوذا . ورجل نافذ في أمره ، ونفوذ ونفاذ : ماض في جميع أمره ، وأمره نافذ أي مطاع . وفي حديث : بر الوالدين الاستغفار لهما وإنفاذ عهدهما أي إمضاء وصيتهما وما عهدا به قبل موتهما ، ومنه حديث المحرم : إذا أصاب أهله ينفذان لوجههما أي يمضيان على حالهما ولا يبطلان حجهما . يقال : رجل نافذ في أمره أي ماض . ونفذ السهم الرمية ، ونفذ فيها ينفذها نفذا ونفاذا : خالط جوفها ثم خرج طرفه من الشق الآخر وسائره فيه . يقال : نفذ السهم من الرمية ينفذ نفاذا ونفذ الكتاب إلى فلان نفاذا ونفوذا وأنفذته أنا ، والتنفيذ مثله . وطعنة نافذة : منتظمة الشقين . قال ابن سيده : والنفاذ ، عند الأخفش حركة هاء [ ص: 317 ] الوصل التي تكون للإضمار ولم يتحرك من حروف الوصل غيرها نحو فتحة الهاء من قوله :


                                                          رحلت سمية غدوة أحمالها

                                                          وكسرة هاء :


                                                          تجرد المجنون من كسائه

                                                          وضمة هاء :


                                                          وبلد عامية أعماؤه

                                                          سمي بذلك ; لأنه أنفذ حركة هاء الوصل إلى حرف الخروج ، وقد دلت الدلالة على أن حركة هاء الوصل ليس لها قوة في القياس من قبل أن حروف الوصل المتمكنة فيه التي هي الهاء محمولة في الوصل عليها ، وهي الألف والياء والواو لا يكن في الوصل إلا سواكن ، فلما تحركت هاء الوصل شابهت بذلك حروف الروي وتنزلت حروف الخروج من هاء الوصل قبلها منزلة حروف الوصل من حرف الروي قبلها ، فكما سميت حركة هاء الوصل نفاذا لأن الصوت جرى فيها حتى استطال بحروف الوصل وتمكن بها اللين ، كما سميت حركة هاء الوصل نفاذا لأن الصوت نفذ فيها إلى الخروج حتى استطال بها وتمكن المد فيها . ونفوذ الشيء إلى الشيء : نحو في المعنى من جريانه نحوه ، فإن قلت : فهلا سميت لذلك نفوذا لا نفاذا ؟ قيل : أصله " ن ف ذ " ومعنى تصرفها موجود في النفاذ والنفوذ جميعا ، ألا ترى أن النفاذ هو الحدة والمضاء ، والنفوذ هو القطع والسلوك ؟ فقد ترى المعنيين مقتربين إلا أن النفاذ كان هنا بالاستعمال أولى ، ألا ترى أن أبا الحسن الأخفش سمى ما هو نحو هذه الحركة تعديا ، وهو حركة الهاء في نحو قوله :


                                                          قريبة ندوته من محمضهى

                                                          والنفاذ والحدة والمضاء كله أدنى إلى التعدي والغلو من الجريان والسلوك ، لأن كل متعد متجاوز وسالك ، فهو جار إلى مدى ما وليس كل جار إلى مدى متعديا ، فلما لم يكن في القياس تحريك هاء الوصل سميت حركتها نفاذا لقربه من معنى الإفراط والحدة ، ولما كان القياس في الروي أن يكون متحركا سميت حركته المجرى ، لأن ذلك على ما بينا أخفض رتبة من النفاذ الموجود ، فيه معنى الحدة والمضاء المقارب للتعدي والإفراط ، فلذلك اختير لحركة الروي المجرى ، ولحركة هاء الوصل النفاذ ، وكما أن الوصل دون الخروج في المعنى لأن الوصل معناه المقاربة والاقتصاد ، والخروج في معنى التجاوز والإفراط ، كذلك الحركتان المؤديتان أيضا إلى هذين الحرفين بينهما من التقارب ما بين الحرفين الحادثين عنهما ، ألا ترى أن استعمالهم " ن ف ذ " بحيث الإفراط والمبالغة وأنفذ الأمر : قضاه . والنفذ : اسم الإنفاذ . وأمر بنفذه أي بإنفاذه . التهذيب : وأما النفذ فقد يستعمل في موضع إنفاذ الأمر ، تقول : قام المسلمون بنفذ الكتاب أي بإنفاذ ما فيه . وطعنة لها نفذ أي نافذة ، وقال قيس بن الخطيم :


                                                          طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر لها     نفذ لولا الشعاع أضاءها

                                                          والشعاع : ما تطاير من الدم أراد بالنفذ المنفذ . يقول : نفذت الطعنة أي جاوزت الجانب الآخر حتى يضيء نفذها خرقها ولولا انتشار الدم الفائر لأبصر طاعنها ما وراءها . أراد لها نفذ أضاءها لولا شعاع دمها ، ونفذها : نفوذها إلى الجانب الآخر . وقال أبو عبيدة : من دوائر الفرس دائرة نافذة ، وذلك إذا كانت الهقعة في الشقين جميعا ، فإن كانت في شق واحد فهي هقعة . وأتى بنفذ ما قال أي بالمخرج منه . والنفذ بالتحريك : المخرج والمخلص ، ويقال لمنفذ الجراحة : نفذ . وفي الحديث : أيما رجل أشاد على مسلم بما هو بريء منه كان حقا على الله أن يعذبه أو يأتي بنفذ ما قال . أي بالمخرج منه . وفي حديث ابن مسعود : إنكم مجموعون في صعيد واحد ينفذكم البصر . يقال منه : أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم ، فإن جزتهم حتى تخلفهم قلت : نفذتهم بلا ألف أنفذهم قال : ويقال فيها بالألف ، قال أبو عبيد : المعنى أنه ينفذهم بصر الرحمن حتى يأتي عليهم كلهم . قال الكسائي : يقال : نفذني بصره ينفذني إذا بلغني وجاوزني ، وقيل : أراد ينفذهم بصر الناظر لاستواء الصعيد ، قال أبو حاتم : أصحاب الحديث يروونه بالذال المعجمة وإنما هو بالدال المهملة أي يبلغ أولهم وآخرهم حتى يراهم كلهم ويستوعبهم من نفد الشيء وأنفدته ، وحمل الحديث على بصر المبصر أولى من حمله على بصر الرحمن لأن الله يجمع الناس يوم القيامة في أرض يشهد جميع الخلائق فيها محاسبة العبد الواحد على انفراده ويرون ما يصير إليه ، ومنه حديث أنس : جمعوا في صردح ينفذهم البصر ويسمعهم الصوت . وأمر نفيذ : موطأ . والمنتفذ : السعة . ونفذهم البصر وأنفذهم : جاوزهم . وأنفذ القوم : صار بينهم . ونفذهم : جازهم وتخلفهم لا يخص به قوم دون قوم . وطريق نافذ : سالك ، وقد نفذ إلى موضع كذا ينفذ . والطريق النافذ : الذي يسلك وليس بمسدود بين خاصة دون عامة يسلكونه . ويقال : هذا الطريق ينفذ إلى مكان كذا وكذا وفيه منفذ للقوم أي مجاز . وفي حديث عمر : أنه طاف بالبيت مع فلان فلما انتهى إلى الركن الغربي الذي يلي الأسود قال له : ألا تستلم ؟ فقال له : انفذ عنك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستلمه أي دعه وتجاوزه . يقال : سر عنك وانفذ عنك أي امض عن مكانك وجزه . أبو سعيد : يقال للخصوم إذا ارتفعوا إلى الحاكم : قد تنافذوا إليه ، بالذال أي خلصوا إليه فإذا أدلى كل واحد منهم بحجته ، قيل : قد تنافذوا بالذال أي أنفذوا حجتهم ، وفي حديث أبي الدرداء : إن نافذتهم نافذوك ، نافذت الرجل إذا حاكمته أي إن قلت لهم قالوا لك ، ويروى بالقاف والدال المهملة . وفي حديث عبد الرحمن بن الأزرق : ألا رجل ينفذ بيننا ؟ أي يحكم ويمضي أمره فينا . يقال : أمره نافذ أي ماض مطاع . ابن الأعرابي : أبو المكارم : النوافذ كل سم يوصل إلى النفس فرحا أو ترحا ، قلت له : سمها ، فقال : الأصران والخنابتان والفم والطبيجة ، قال : والأصران ثقبا الأذنين ، والخنابتان سما الأنف ، والعرب تقول : سر عنك أي جز وامض ، ولا معنى لعنك .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية