الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          [ ص: 318 ] نفر

                                                          نفر : النفر : التفرق . ويقال : لقيته قبل كل صيح ونفر أي أولا ، والصيح : الصياح . والنفر : التفرق ، نفرت الدابة تنفر وتنفر نفارا ونفورا ودابة نافر ، قال ابن الأعرابي : ولا يقال نافرة ، وكذلك دابة نفور ، وكل جازع من شيء نفور . ومن كلامهم : كل أزب نفور ، وقول أبي ذؤيب :


                                                          إذا نهضت فيه تصعد نفرها كقتر الغلاء مستدر صيابها

                                                          قال ابن سيده : إنما هو اسم لجمع نافر كصاحب وصحب وزائر وزور ونحوه . ونفر القوم ينفرون نفرا ونفيرا . وفي حديث حمزة الأسلمي : نفر بنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال : أنفرنا أي تفرقت إبلنا ، وأنفر بنا أي جعلنا منفرين ذوي إبل نافرة . ومنه حديث زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنفر بها المشركون بعيرها حتى سقطت . ونفر الظبي وغيره نفرا ونفرانا : شرد . وظبي نيفور : شديد النفار . واستنفر الدابة : كنفر . والإنفار عن الشيء والتنفير عنه والاستنفار كله بمعنى . والاستنفار أيضا : النفور ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          اربط حمارك إنه مستنفر     في إثر أحمرة عمدن لغرب

                                                          أي نافر . ويقال : في الدابة نفار وهو اسم مثل الحران ، ونفر الدابة واستنفرها . ويقال : استنفرت الوحش وأنفرتها ونفرتها بمعنى ، فنفرت تنفر واستنفرت تستنفر بمعنى واحد . وفي التنزيل العزيز : كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة وقرئت : مستنفرة ، بكسر الفاء ، بمعنى نافرة ، ومن قرأ مستنفرة ، بفتح الفاء ، فمعناها منفرة أي مذعورة . وفي الحديث : بشروا ولا تنفروا أي لا تلقوهم بما يحملهم على النفور . يقال : نفر ينفر نفورا ونفارا إذا فر وذهب ، ومنه الحديث : إن منكم منفرين . أي من يلقى الناس بالغلظة والشدة فينفرون من الإسلام والدين . وفي حديث عمر رضي الله عنه : لا تنفر الناس . وفي الحديث : أنه اشترط لمن أقطعه أرضا أن لا ينفر ماله . أي لا يزجر ما يرعى من ماله ولا يدفع عن الرعي . واستنفر القوم فنفروا معه وأنفروه أي نصروه ومدوه . ونفروا في الأمر ينفرون نفارا ونفورا ونفيرا ، هذه عن الزجاج ، وتنافروا : ذهبوا ، وكذلك في القتال . وفي الحديث : وإذا استنفرتم فانفروا . والاستنفار : الاستنجاد والاستنصار ، أي إذا طلب منكم النصرة فأجيبوا وانفروا خارجين إلى الإعانة . ونفر القوم جماعتهم الذين ينفرون في الأمر ، ومنه الحديث : أنه بعث جماعة إلى أهل مكة فنفرت لهم هذيل فلما أحسوا بهم لجئوا إلى قردد ، أي خرجوا لقتالهم . والنفرة والنفر والنفير : القوم ينفرون معك ويتنافرون في القتال ، وكله اسم للجمع ، قال :


                                                          إن لها فوارسا وفرطا


                                                          ونفرة الحي ومرعى وسطا


                                                          يحمونها من أن تسام الشططا

                                                          وكل ذلك مذكور في موضعه . والنفير : القوم الذين يتقدمون فيه . والنفير : الجماعة من الناس كالنفر ، والجمع من كل ذلك أنفار . ونفير قريش : الذين كانوا نفروا إلى بدر ليمنعوا عير أبي سفيان . ويقال : جاءت نفرة بني فلان ونفيرهم أي جماعتهم الذي ينفرون في الأمر . ويقال : فلان لا في العير ولا في النفير ، قيل : هذا المثل لقريش من بين العرب ، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما هاجر إلى المدينة ونهض منها لتلقي عير قريش سمع مشركو قريش بذلك فنهضوا ولقوه ببدر ليأمن عيرهم المقبل من الشأم مع أبي سفيان ، فكان من أمرهم ما كان ، ولم يكن تخلف عن العير والقتال إلا زمن أو من لا خير فيه ، فكانوا يقولون لمن لا يستصلحونه لمهم : فلان لا في العير ولا في النفير ، فالعير ما كان منهم مع أبي سفيان ، والنفير ما كان منهم مع عتبة بن ربيعة قائدهم يوم بدر . واستنفر الإمام الناس لجهاد العدو فنفروا ينفرون إذا حثهم على النفير ودعاهم إليه ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : وإذا استنفرتم فانفروا . ونفر الحاج من منى نفرا ، ونفر الناس من منى ينفرون نفرا ونفرا ، وهو يوم النفر والنفر والنفور والنفير وليلة النفر والنفر ، بالتحريك ، ويوم النفور ويوم النفير ، وفي حديث الحج : يوم النفر الأول ، قال ابن الأثير : هو اليوم الثاني من أيام التشريق ، والنفر الآخر اليوم الثالث ، ويقال : هو يوم النحر ثم يوم القر ثم يوم النفر الأول ثم يوم النفر الثاني ويقال : يوم النفر وليلة النفر لليوم الذي ينفر الناس فيه من منى وهو بعد يوم القر ، وأنشد لنصيب الأسود ، وليس هو نصيبا الأسود المرواني :


                                                          أما والذي حج الملبون بيته     وعلم أيام الذبائح والنحر
                                                          لقد زادني للغمر حبا وأهله     ليال أقامتهن ليلى على الغمر
                                                          وهل يأثمني الله في أن ذكرتها     وعللت أصحابي بها ليلة النفر
                                                          وسكنت ما بي من كلال ومن كرى     وما بالمطايا من جنوح ولا فتر

                                                          ويروى : وهل يأثمني ، بضم الثاء . والنفر بالتحريك ، والرهط : ما دون العشرة من الرجال ، ومنهم من خصص فقال للرجال دون النساء ، والجمع أنفار . قال أبو العباس : النفر والقوم والرهط هؤلاء معناهم الجمع لا واحد لهم من لفظهم . قال سيبويه : والنسب إليه نفري ، وقيل : النفر الناس كلهم ، عن كراع ، والنفير مثله ، وكذلك النفر والنفرة . وفي حديث أبي ذر : لو كان هاهنا أحد من أنفارنا أي من قومنا ، جمع نفر وهم رهط الإنسان وعشيرته ، وهو اسم جمع يقع على جماعة من الرجال خاصة ما بين الثلاثة إلى العشرة . وفي الحديث : ونفرنا خلوف أي رجالنا . الليث : يقال : هؤلاء عشرة نفر أي عشرة رجال ، ولا يقال عشرون نفرا ولا ما فوق العشرة ، وهم النفر من القوم . وقال الفراء : نفرة الرجل ونفره رهطه ، قال امرؤ القيس يصف رجلا بجودة الرمي :


                                                          فهو لا تنمي رميته     ما له لا عد من نفره

                                                          فدعا عليه وهو يمدحه ، وهذا كقولك لرجل يعجبك فعله : ما له قاتله الله أخزاه الله ، وأنت تريد غير معنى الدعاء عليه . وقوله تعالى : [ ص: 319 ] وجعلناكم أكثر نفيرا قال الزجاج : النفير جمع نفر كالعبيد والكليب ، وقيل : معناه وجعلناكم أكثر منهم نصارا . وجاءنا في نفرته ونافرته أي في فصيلته ومن يغضب لغضبه . ويقال : نفرة الرجل أسرته . يقال : جاءنا في نفرته ونفره ، وأنشد :


                                                          حيتك ثمت قالت إن نفرتنا     اليوم كلهم يا عرو مشتغل

                                                          ويقال للأسرة أيضا : النفورة . يقال : غابت نفورتنا وغلبت نفورتنا نفورتهم ، وورد ذلك في الحديث : غلبت نفورتنا نفورتهم يقال لأصحاب الرجل والذين ينفرون معه إذا حزبه أمر : نفرته ونفره ونافرته ونفورته . ونافرت الرجل منافرة إذا قاضيته . والمنافرة : المفاخرة والمحاكمة . والمنافرة : المحاكمة في الحسب ، قال أبو عبيد : المنافرة : أن يفتخر الرجلان كل واحد منهما على صاحبه ، ثم يحكما بينهما رجلا كفعل علقمة بن علاثة مع عامر بن طفيل حين تنافرا إلى هرم بن قطبة الفزاري ، وفيهما يقول الأعشى يمدح عامر بن الطفيل ويحمل على علقمة بن علاثة :


                                                          قد قلت شعري فمضى فيكما     واعترف المنفور للنافر

                                                          والمنفور : المغلوب . النافر : الغالب . وقد نافره فنفره ينفره ، بالضم لا غير ، أي غلبه وقيل : نفره ينفره وينفره نفرا إذا غلبه . ونفر الحاكم أحدهما على صاحبه تنفيرا أي قضى عليه بالغلبة وكذلك أنفره . وفي حديث أبي ذر : نافر أخي أنيس فلانا الشاعر أراد أنهما تفاخرا أيهما أجود شعرا . ونافر الرجل منافرة ونفارا : حاكمه واستعمل منه النفورة كالحكومة ، قال ابن هرمة :


                                                          يبرقن فوق رواق أبيض ماجد     يرعى ليوم نفورة ومعاقل

                                                          قال ابن سيده : وكأنما جاءت المنافرة في أول ما استعملت أنهم كانوا يسألون الحاكم : أينا أعز نفرا ؟ قال زهير :


                                                          فإن الحق مقطعه ثلاث     يمين أو نفار أو جلاء

                                                          وأنفره عليه ونفره ، ونفره ينفره بالضم كل ذلك : غلبه ، الأخيرة عن ابن الأعرابي : ولم يعرف أنفر بالضم في النفار الذي هو الهرب والمجانبة ، ونفره الشيء وعلى الشيء وبالشيء بحرف وغير حرف : غلبه عليه ، وأنشد ابن الأعرابي :


                                                          نفرتم المجد فلا ترجونه     وجدتم القوم ذوي زبونه

                                                          كذا أنشده نفرتم ، بالتخفيف . والنفارة : ما أخذ النافر من المنفور ، وهو الغالب ، وقيل : بل هو ما أخذه الحاكم . ابن الأعرابي : النافر القامر . وشاة نافر : وهي التي تهزل فإذا سعلت انتثر من أنفها شيء ، لغة في الناثر . ونفر الجرح نفورا إذا ورم . ونفرت العين وغيرها من الأعضاء تنفر نفورا : هاجت وورمت . ونفر جلده أي ورم . وفي حديث عمر : أن رجلا في زمانه تخلل بالقصب فنفر فوه فنهى عن التخلل بالقصب ، قال الأصمعي : نفر فوه أي ورم . قال أبو عبيد : وأراه مأخوذا من نفار الشيء من الشيء إنما هو تجافيه عنه وتباعده منه فكأن اللحم لما أنكر الداء الحادث بينهما نفر منه فظهر ، فذلك نفاره . وفي حديث غزوان : أنه لطم عينه فنفرت أي ورمت . ورجل عفر نفر وعفرية نفرية وعفريت نفريت وعفارية نفارية إذا كان خبيثا ماردا . قال ابن سيده : ورجل عفريتة نفريتة فجاء بالهاء فيهما ، والنفريت إتباع للعفريت ، وتوكيد . وبنو نفر : بطن . وذو نفر : قيل من أقيال حمير . وفي الحديث : إن الله يبغض العفرية النفرية أي المنكر الخبيث ، وقيل النفرية والنفريت إتباع للعفرية والعفريت . ابن الأعرابي : النفائر العصافير . وقولهم : نفر عنه أي لقبه لقبا كأنه عندهم تنفير للجن والعين عنه . وقال أعرابي : لما ولدت قيل لأبي : نفر عنه ، فسماني قنفذا وكناني أبا العداء .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية