الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          نفل

                                                          نفل : النفل بالتحريك : الغنيمة والهبة ، قال لبيد :


                                                          إن تقوى ربنا خير نفل وبإذن الله ريثي والعجل



                                                          والجمع أنفال ونفال ، قالت جنوب أخت عمرو ذي الكلب :


                                                          وقد علمت فهم عند اللقاء     بأنهم لك كانوا نفالا



                                                          نفله نفلا وأنفله إياه ونفله ، بالتخفيف ، ونفلت فلانا تنفيلا : أعطيته نفلا وغنما . وقال شمر : أنفلت فلانا ونفلته أي أعطيته نافلة من المعروف . ونفلته : سوغت له ما غنم ؛ وأنشد :

                                                          لما رأيت سنة جمادى ، أخذت فأسي أقطع القتادا ، رجاء أن أنفل أو أزدادا

                                                          قال : أنشدته العقيلية فقيل لها ما الإنفال ؟ فقالت : الإنفال أخذ الفأس يقطع القتاد لإبله لأن ينجو من السنة فيكون له فضل على من لم يقطع القتاد لإبله . ونفل الإمام الجند : جعل لهم ما غنموا . والنافلة : الغنيمة ، قال أبو ذؤيب :


                                                          فإن تك أنثى من معد كريمة     علينا ، فقد أعطيت نافلة الفضل



                                                          وفي التنزيل العزيز : يسألونك عن الأنفال يقال : الغنائم واحدها نفل ، وإنما سألوا عنها ؛ لأنها كانت حراما على من كان قبلهم فأحلها الله لهم ، وقيل أيضا : إنه - صلى الله عليه وسلم - نفل في السرايا فكرهوا ذلك ، في تأويله : كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون كذلك تنفل من رأيت وإن كرهوا ، وكان سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل لكل من أتى بأسير شيئا ، فقال بعض الصحابة : يبقى آخر الناس بغير شيء . قال أبو منصور : وجماع معنى النفل والنافلة : ما كان زيادة على الأصل ، سميت الغنائم أنفالا لأن المسلمين فضلوا بها على سائر الأمم الذين لم تحل لهم الغنائم . وصلاة التطوع نافلة ؛ لأنها زيادة أجر لهم على ما كتب لهم من ثواب ما فرض عليهم . وفي الحديث : ونفل النبي - صلى الله عليه وسلم - السرايا في البدأة الربع ، وفي القفلة الثلث تفضيلا لهم على غيرهم من أهل العسكر بما عانوا من أمر العدو ، وقاسوه من الدؤوب والتعب وباشروه من القتال والخوف . وكل عطية تبرع بها معطيها من صدقة أو عمل خير فهي نافلة . ابن الأعرابي : النفل الغنائم والنفل الهبة والنفل التطوع . ابن السكيت : تنفل فلان على أصحابه : إذا أخذ أكثر مما أخذوا عند الغنيمة . وقال أبو سعيد : نفلت فلانا على فلان أي فضلته . والنفل ، بالتحريك : الغنيمة ، والنفل ، بالسكون وقد يحرك [ ص: 328 ] : الزيادة . وفي الحديث : أنه بعث بعثا قبل نجد فبلغت سهمانهم اثني عشر بعيرا ونفلهم بعيرا بعيرا أي زادهم على سهامهم ، ويكون من خمس الخمس . وفي حديث ابن عباس : لا نفل في غنيمة حتى يقسم جفة كلها أي لا ينفل منها الأمير أحدا من المقاتلة بعد إحرازها حتى يقسم كلها ، ثم ينفله إن شاء من الخمس ، فأما قبل القسمة فلا ، وقد تكرر ذكر النفل والأنفال في الحديث ، وبه سميت النوافل في العبادات ؛ لأنها زائدة على الفرائض . وفي الحديث : لا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل . وفي حديث قيام رمضان : لو نفلتنا بقية ليلتنا هذه أي زدتنا من صلاة النافلة ، وفي حديث آخر : إن المغانم كانت محرمة على الأمم فنفلها الله تعالى هذه الأمة أي زادها . والنافلة : العطية عن يد . والنفل والنافلة : ما يفعله الإنسان مما لا يجب عليه . وفي التنزيل العزيز : فتهجد به نافلة لك النفل والنافلة : عطية التطوع من حيث لا يجب ، ومنه نافلة الصلاة . والتنفل : التطوع . قال الفراء : ليست لأحد نافلة إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فعمله نافلة . وقال الزجاج : هذه نافلة : زيادة للنبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة ليست لأحد لأن الله تعالى أمره أن يزداد في عبادته على ما أمر به الخلق أجمعين ؛ لأنه فضله عليهم ثم وعده أن يبعثه مقاما محمودا وصح أنه الشفاعة . ورجل كثير النوافل أي كثير العطايا والفواضل ، قال لبيد :


                                                          لله نافلة الأجل الأفضل



                                                          قال شمر : يريد فضل ما ينفل من شيء . ونفل غيره ينفل أي فضله على غيره . والنافلة : ولد الولد وهو من ذلك لأن الأصل كان الولد فصار ولد الولد زيادة على الأصل ، قال الله - عز وجل - في قصة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام : ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة كأنه قال : وهبنا لإبراهيم إسحاق فكان كالفرض له ، ثم قال : ( ويعقوب نافلة ) فالنافلة ليعقوب خاصة ؛ لأنه ولد الولد أي وهبنا له زيادة على الفرض له ، وذلك أن إسحاق وهب له بدعائه وزيد يعقوب تفضلا . والنوفل : العطية . والنوفل : السيد المعطاء يشبهان بالبحر ، قال ابن سيده : فدل هذا على أن النوفل البحر ولا نص لهم على ذلك ، أعني أنهم لم يصرحوا بذلك بأن يقولوا النوفل البحر . أبو عمرو : هو اليم والقلمس ، والنوفل والمهرقان والدأماء وخضارة والأخضر والعليم والخسيف . والنوفل : البحر . التهذيب : ويقال للرجل الكثير النوافل وهي العطايا نوفل ، قال الكميت يمدح رجلا :


                                                          غياث المضوع رئاب الصدو     ع لأمتك الزفر النوفل



                                                          يعني المذكور ، ضاعني أي أفزعني . قال شمر : الزفر القوي على الحمالات ، والنوفل الكثير النوافل ، وقوم نوفلون . والنوفل : العطية تشبه بالبحر . والنوفل : الرجل الكثير العطاء ؛ وأنشد لأعشى باهلة :


                                                          أخو رغائب يعطيها ويسألها     يأبى الظلامة منه النوفل الزفر



                                                          قال ابن الأعرابي : قوله : منه النوفل الزفر ، النوفل : من ينفي عنه الظلم من قومه أي يدفعه . والنوفلة : الممحلة ، وفي التهذيب : المملحة ، قال أبو منصور : لا أعرف النوفلة بهذا المعنى . وانتفل من الشيء : انتفى وتبرأ منه . أبو عبيد : انتفلت من الشيء وانتفيت منه بمعنى واحد كأنه إبدال منه ، قال الأعشى :


                                                          لئن منيت بنا عن جد معركة     لا تلفنا عن دماء القوم ننتفل



                                                          وفي حديث ابن عمر : أن فلانا انتفل من ولده أي تبرأ منه . قال الليث : قال لي فلان قولا فانتفلت منه أي أنكرت أن أكون فعلته ؛ وأنشد للمتلمس :

                                                          أمنتفلا من نصر بهثة دائبا ؟ وتنفلني من آل زيد فبئسما !

                                                          قال أبو عمرو : تنفلني : تنفيني . والنافل : النافي . ويقال : انتفل فلان : إذا اعتذر . وانتفل : صلى النوافل . ويقال : نفلت عن فلان ما قيل فيه تنفيلا : إذا نضحت عنه ودفعته . وفي حديث القسامة : قال لأولياء المقتول : أترضون بنفل خمسين من اليهود ما قتلوه ؟ يقال : نفلته فنفل أي حلفته فحلف . ونفل وانتفل : إذا حلف . وأصل النفل النفي . يقال : نفلت الرجل عن نسبه . وانفل عن نفسك إن كنت صادقا أي انف ما قيل فيك ، وسميت اليمين في القسامة نفلا ؛ لأن القصاص ينفى بها ، ومنه حديث علي كرم الله وجهه : لوددت أن بني أمية رضوا ونفلناهم خمسين رجلا من بني هاشم يحلفون ما قتلنا عثمان ولا نعلم له قاتلا . يريد نفلنا لهم . وأتيت أتنفله أي أطلبه ؛ عن ثعلب . وأنفل له : حلف . والنفل : ضرب من دق النبات وهو من أحرار البقول تنبت متسطحة ولها حسك يرعاه القطا ، وهي مثل القث لها نورة صفراء طيبة الريح ، واحدته نفلة ، قال : وبالنفل سمي الرجل نفيلا ، الجوهري : النفل نبت في قول الشاعر هو القطامي :


                                                          ثم استمر بها الحادي ، وجنبها     بطن التي نبتها الحوذان والنفل



                                                          والعرب تقول : في ليالي الشهر ثلاث غرر ، وذلك أول ما يهل الهلال سمين غررا لأن بياضها قليل كغرة الفرس ، وهي أقل ما فيه من بياض وجهه ، ويقال لثلاث ليال بعد الغرر : نفل لأن الغرر كانت الأصل ، وصارت زيادة النفل زيادة على الأصل ، والليالي النفل هي الليلة الرابعة والخامسة والسادسة من الشهر . والنوفلية : ضرب من الامتشاط ، حكاه ابن جني عن الفارسي ؛ وأنشد لجران العود :


                                                          ألا لا تغرن امرأ نوفلية على الرأس بعدي     والترائب وضح ولا فاحم يسقى الدهان
                                                          كأنه أساود يزهاها مع الليل أبطح



                                                          وكذلك روي : ( يغرن ) بلفظ التذكير ، وهو أعذر من قولهم حضر القاضي امرأة لأن تأنيث المشطة غير حقيقي . التهذيب : والنوفلية شيء يتخذه نساء الأعراب من صوف يكون في غلظ أقل من الساعد ، ثم يحشى ويعطف فتضعه المرأة على رأسها ثم تختمر عليه ؛ وأنشد قول جران العود . وفي حديث أبي الدرداء : إياكم والخيل المنفلة التي إن لقيت فرت وإن غنمت غلت ، قال ابن الأثير : كأنه من النفل الغنيمة أي الذين قصدهم من الغزو الغنيمة والمال دون غيره ، أو من النفل وهم المطوعة المتبرعون بالغزو الذين [ ص: 329 ] لا اسم لهم في الديوان فلا يقاتلون قتال من له سهم ، قال : هكذا جاء في كتاب أبي موسى من حديث أبي الدرداء ، قال : والذي جاء في مسند أحمد من رواية أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : إياكم والخيل المنفلة ، فإنها إن تلق تفر ، وإن تغنم تغلل ، قال : ولعلهما حديثان . ونوفل ونفيل : اسمان .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية