الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5004 [ ص: 475 ] 31 - باب: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو كنت راجما بغير بينة"

                                                                                                                                                                                                                              5310 - حدثنا سعيد بن عفير قال: حدثني الليث، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن ابن عباس أنه ذكر التلاعن عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا، ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع امرأته رجلا، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي، فذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالذي وجد عليه امرأته -وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بين". فجاءت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده، فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما. قال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه". فقال: لا، تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء" قال أبو صالح وعبد الله بن يوسف: خدلا. [5316، 6855، 6856، 7238 - مسلم: 1497 - فتح: 9 \ 454].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه ذكر التلاعن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا، ثم انصرف، فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه قد وجد مع امرأته رجلا، فقال عاصم: ما ابتليت بهذا إلا لقولي. فذهب به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بالذي وجد عليه امرأته -وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر، وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله خدلا آدم كثير اللحم- فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بين". فجاءت شبيها بالرجل الذي ذكر زوجها أنه وجده، فلاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهما. قال رجل لابن عباس في المجلس: هي التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو رجمت أحدا بغير بينة

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 476 ] رجمت هذه؟ ". فقال: لا، تلك امرأة كانت تظهر في الإسلام السوء.
                                                                                                                                                                                                                              قال أبو صالح وعبد الله بن يوسف: خدلا.

                                                                                                                                                                                                                              وترجم عليه أيضا بعد باب: اللهم بين. فيه: أنه يبتلى الإنسان بقوله، وذلك أن عاصم بن عدي كان قد قال عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لو وجد مع امرأته رجلا لضربه بالسيف حتى يقتله، فابتلي بقوله برجل من قومه ليريه الله كيف حكمه في ذلك، وليعرفه أن التسليط في الدماء لا يسوغ بالدعوى ولا يكون إلا بحكم من الله ليرفع أمر الجاهلية.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              فيه: ما ترجم له وهو قوله: "لو كنت راجما بغير بينة" في المرأة التي كانت تعلن بالسوء، أي: لو كنت متعديا حق الله فيها إلى ما قام من الدلالة عليها لرجمتها; لبيان الدلائل على فسقها، ولكن ليس لأحد أن يرجم بغير بينة فيتعدى الحدود، والرب جل جلاله أمر ألا تتعدى حدوده لما أراد تعالى من ستر عباده.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              معنى قول: "اللهم بين" الحرص على أن يعلم من باطن المسألة ما يقف به على حقيقتها، وإن كانت شريعة قد أحكمها الله في القضاء بالظاهر، وإنما صارت شرائع الأنبياء يقضى فيها بالظاهر; لأنها تكون سنة لمن بعدهم من آميهم ممن لا سبيل له إلى وحي يعلم به بواطن الأمور.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              الخدل: بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة: الغليظ الممتلئ الساقين، وقوله: "خدلج الساقين" أي عظيمهما، وقد سلف

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 477 ] أيضا، وهو ضد الحمش يقال: رجل حمش الساقين إذا كان رفيعهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("آدم خدلا كثير اللحم") قال ابن التين: ضبط في بعض الكتب بكسر الدال وتخفيف اللام، وفي بعضها بتشديد اللام، وفي بعضها بسكون الدال، وكذلك هو في كتب أهل اللغة، وكذا ضبط في رواية أبي صالح وابن يوسف.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("كثير اللحم") أي: ممتلئ. وعبارة ابن فارس: الخدلة: الممتلئة الأعضاء . وعبارة الهروي: الخدل الممتلئ الساق ، وكذلك قال أبو عبد الملك.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              أخذ بهذا الحديث الشافعي على أن من رمى امرأته برجل سماه أنه يلاعن، ولا يحد الرجل بذلك.

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي: لم يبلغ مالكا هذا ولو بلغه لقال به; لأنه أتبع الناس للأثر، وانفصل لمالك بأن الرجل لم يأت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقم بحقه، وقول مالك وأبي حنيفة: إنه يحد له، وإن لم يسم لم يحد له عند مالك وأبي حنيفة، وللشافعي قول أنه يحد له.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              وقول ابن عباس: (تلك امرأة كانت تظهر السوء). قال الداودي: فيه جواز الغيبة ممن يظهر السوء، وقد لا يلزم ذلك; لأنه لم يذكرها ولم يعينها، وفي الحديث: "لا غيبة لمجاهر" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 478 ] وقول عاصم: (ما ابتليت بهذا إلا لقولي). قال الداودي: لأنه (قال) لو وجدت لفعلت أو عير فابتلي ذكر أن ابن سيرين عير رجلا بفلس ثم ندم، وانتظر العقوبة أربعين سنة ثم نزل به.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية