الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وجعلوا لله شركاء الجن وخلقهم وخرقوا له بنين وبنات بغير علم سبحانه وتعالى عما يصفون

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وجعلوا لله شركاء الجن جعلوا ، بمعنى وصفوا . قال الزجاج : نصب "الجن" من وجهين .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أن يكون مفعولا ، فيكون المعنى: وجعلوا لله الجن شركاء; ويكون الجن مفعولا ثانيا ، كقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف:19] .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يكون الجن بدلا من شركاء ، ومفسرا للشركاء . وقرأ أبو المتوكل ، وأبو عمران ، وأبو حيوة ، والجحدري: "شركاء الجن" برفع النون; وقرأ ابن أبي عبلة ، ومعاذ القارئ "الجن" بخفض النون .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي معنى جعلهم الجن شركاء ثلاثة أقوال .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدها: أنهم أطاعوا الشياطين في عبادة الأوثان ، فجعلوهم شركاء لله ، قاله الحسن ، والزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: قالوا: إن الملائكة بنات الله فهم شركاؤه ، كقوله: وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا [الصافات:158] فسمى الملائكة جنا لاجتنانهم ، قاله قتادة ، والسدي ، وابن زيد .

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن الزنادقة قالوا: الله خالق النور والماء والدواب والأنعام ، وإبليس خالق الظلمة والسباع والحيات والعقارب ، وفيهم نزلت هذه الآية . قاله ابن السائب .

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 97 ] قوله تعالى: وخلقهم في الكناية قولان .

                                                                                                                                                                                                                                      أحدهما: أنها ترجع إلى الجاعلين له الشركاء ، فيكون المعنى: وجعلوا للذي خلقهم شركاء لا يخلقون .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها ترجع إلى الجن ، فيكون المعنى والله خلق الجن ، فكيف يكون الشريك لله محدثا؟ ذكرهما الزجاج .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: وخرقوا له بنين وبنات وقرأ نافع: وخرقوا بالتشديد ، للمبالغة والتكثير ، لأن المشركين ادعوا الملائكة بنات الله ، والنصارى المسيح ، واليهود عزيرا . وقرأ ابن عباس ، وأبو رجاء ، وأبو الجوزاء: وحرفوا بحاء غير معجمة وبتشديد الراء وبالفاء . وقرأ ابن السميفع ، والجحدري: "خارقوا" بألف وخاء معجمة . قال السدي: أما "البنون" فقول اليهود: عزير ابن الله ، وقول النصارى: المسيح ابن الله; وأما "البنات" فقول مشركي العرب: الملائكة بنات الله . قال الفراء: خرقوا ، واخترقوا ، وخلقوا ، واختلقوا ، بمعنى افتروا . وقال أبو عبيدة: خرقوا: جعلوا . قال الزجاج : ومعنى: "بغير علم": أنهم لم يذكروه من علم ، إنما ذكروه تكذبا .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية