الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب قوله براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين أذان إعلام وقال ابن عباس أذن يصدق تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير والزكاة الطاعة والإخلاص لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إله إلا الله يضاهون يشبهون

                                                                                                                                                                                                        4377 حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال سمعت البراء رضي الله عنه يقول آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وآخر سورة نزلت براءة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سورة براءة ) هي سورة التوبة وهي أشهر أسمائها ، ولها أسماء أخرى تزيد على العشرة ، واختلف في ترك البسملة أولها فقيل لأنها نزلت بالسيف والبسملة أمان ، وقيل لأنهم لما جمعوا القرآن شكوا هـل هي والأنفال واحدة أو ثنتان ففصلوا بينهما بسطر لا كتابة فيه ولم يكتبوا فيه البسملة . وروى ذلك ابن عباس عن عثمان وهو المعتمد ، وأخرجه أحمد والحاكم وبعض أصحاب السنن .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مرصد طريق ) كذا في بعض النسخ ، وسقط للأكثر وهو قول أبو عبيدة قال في قوله تعالى واقعدوا لهم كل مرصد أي كل طريق ، والمراصد الطرق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا : الإل القرابة والذمة والعهد ) تقدم في الجزية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وليجة : كل شيء أدخلته في شيء ) تقدم في بدء الخلق وسقط هو والذي قبله لأبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الشقة السفر ) هو كلام أبي عبيدة وزاد " البعيد " وقيل الشقة الأرض التي يشق سلوكها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الخبال الفساد ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى ما زادوكم إلا خبالا : الخبال الفساد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والخبال الموت ) كذا لهم والصواب الموتة بضم الميم وزيادة هاء في آخره وهو ضرب من الجنون .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 165 ] قوله : ( ولا تفتني لا توبخني ) كذا للأكثر بالموحدة والخاء المعجمة من التوبيخ ، وللمستملي والجرجاني " توهني " بالهاء وتشديد النون من الوهن وهو الضعف ، ولابن السكن " تؤثمني " بمثلثة ثقيلة وميم ساكنة من الإثم ، قال عياض وهو الصواب ، وهي الثابتة في كلام أبي عبيدة الذي يكثر المصنف النقل عنه ، وأخرجه الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله : ( ولا تفتني ) قال : لا تؤثمني ألا في الفتنة سقطوا ألا في الإثم سقطوا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كرها وكرها واحد ) أي بالضم والفتح وهو كلام أبي عبيدة أيضا ، وسقط لأبي ذر ، وبالضم قرأ الكوفيون حمزة والأعمش ويحيى بن وثاب والكسائي والباقون بالفتح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مدخلا يدخلون فيه ) قال أبو عبيدة في قوله : ( ملجأ يلجئون إليه أو مغارات أو مدخلا ) يدخلون فيه ويتغيبون انتهى ، وأصل مدخلا مدتخلا فأدغم وقرأ الأعمش وعيسى بن عمر بتشديد الخاء أيضا ، وعن ابن كثير في رواية مدخلا بفتحتين بينهما سكون ( يجمحون ) يسرعون هو قول أبي عبيدة وزاد : لا يرد وجوههم شيء ، ومنه فرس جموح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والمؤتفكات ائتفكت انقلبت بها الأرض ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى والمؤتفكات أتتهم رسلهم هم قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أهوى ألقاه في هوة ) هذه اللفظة لم تقع في سورة براءة وإنما هـي في سورة النجم ، ذكرها المصنف هنا استطرادا من قوله : والمؤتفكة أهوى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عدن خلد إلخ ) واقتصر أبو ذر على ما هنا ، قال أبو عبيدة في قوله تعالى جنات عدن أي خلد يقال : عدن فلان بأرض كذا أي أقام ، ومنه المعدن ، عدنت بأرض أقمت ، ويقال في معدن صدق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الخوالف الخالف الذي خلفني فقعد بعدي ، ومنه يخلفه في الغابرين ) قال أبو عبيدة في قوله مع الخالفين الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله ، وهو من تخلف عن القوم ، ومنه اللهم اخلفني في ولدي . وأشار بقوله " ومنه يخلفه في الغابرين " إلى حديث عوف بن مالك في الصلاة على الجنازة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويجوز أن يكون النساء من الخالفة ، وإن كان جمع الذكور فإنه لم يوجد على تقدير جمعه إلا حرفان فارس وفوارس وهالك وهوالك ) قال أبو عبيدة في قوله : رضوا بأن يكونوا مع الخوالف يجوز أن يكون الخوالف هاهنا النساء ، ولا يكادون يجمعون الرجال على فواعل ، غير أنهم قد قالوا فارس وفوارس وهالك وهوالك انتهى . وقد استدرك عليه ابن مالك شاهق وشواهق وناكس ونواكس وداجن ودواجن ، وهذه الثلاثة مع الاثنين جمع فاعل وهو شاذ ، والمشهور في فواعل جمع فاعلة ، فإن كان من صفة النساء فواضح وقد تحذف الهاء في صفة المفرد من النساء وإن كان من صفة الرجال فالهاء للمبالغة يقال رجل خالفة لا خير فيه : والأصل في جمعه بالنون . واستدرك بعض الشراح على الخمسة المتقدمة كاهل وكواهل وجائح وجوائح وغارب وغوارب وغاش وغواش ، ولا يرد شيء منها لأن الأولين ليسا من صفات الآدميين ، والآخران جمع غارب وغاشية والهاء للمبالغة إن وصف بها المذكر ، وقد قال المبرد في الكامل في قول الفرزدق : [ ص: 166 ]

                                                                                                                                                                                                        وإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم خضع الرقاب نواكس الأذقان



                                                                                                                                                                                                        احتاج الفرزدق لضرورة الشعر فأجرى نواكس على أصله ، ولا يكون مثل هذا أبدا إلا في ضرورة ، ولا تجمع النحاة ما كان من فاعل نعتا على فواعل لئلا يلتبس بالمؤنث ، ولم يأت ذا إلا في حرفين فارس وفوارس ، وهالك وهوالك ، أما الأول فإنه لا يستعمل في الفرد فأمن فيه اللبس ، وأما الثاني فلأنه جرى مجرى المثل يقولون هالك في الهوالك فأجروه على أصله لكثرة الاستعمال . قلت : فظهر أن الضابط في هذا أن يؤمن اللبس أو يكثر الاستعمال أو تكون الهاء للمبالغة أو يكون في ضرورة الشعر والله أعلم . وقال ابن قتيبة : الخوالف النساء ويقال خساس النساء ورذالتهم ، ويقال فلان خالفة أهله إذا كان دينا فيهم . والمراد بالخوالف في الآية النساء والرجال العاجزون والصبيان فجمع جمع المؤنث تغليبا لكونهن أكثر في ذلك من غيرهن . وأما قوله : مع الخالفين فجمع جمع الذكور تغليبا لأنه الأصل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الخيرات واحدها خيرة وهي الفواضل ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأولئك لهم الخيرات جمع خيرة ومعناها الفاضلة من كل شيء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مرجون مؤخرون ) سقط هذا لأبي ذر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الشفا الشفير وهو حده ) في رواية الكشميهني وهو حرفه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والجرف ما تجرف من السيول والأودية ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى على شفا جرف الشفا الشفير ، والجرف ما لم يبن من الركايا ، قال : والآية على التمثيل لأن الذي يبني على الكفر فهو على شفا جرف وهو ما تجرف من السيول والأودية ولا يثبت البناء عليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هار هائر ، تهورت البئر إذا انهدمت ، وانهار مثله ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى هار أي هائر : والعرب تنزع الياء التي في الفاعل ، وقيل لا قلب فيه وإنما هو بمعنى ساقط ، وقد تقدم شيء من هذا في آل عمران

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لأواه شفقا وفرقا ، قال الشاعر :

                                                                                                                                                                                                        إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين



                                                                                                                                                                                                        قال أبو عبيدة في قوله تعالى إن إبراهيم لأواه : هو فعال من التأوه ومعناه متضرع شفقا وفرقا لطاعة ربه قال الشاعر فذكره . وقوله " أرحلها " هو بفتح الهمزة والحاء المهملة ، وقوله " آهة " بالمد للأكثر وفي رواية الأصيلي بتشديد الهاء بلا مد .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) هذا الشعر للمثقب العبدي واسمه جحاش بن عائذ ، وقيل ابن نهار وهو من جملة قصيدة أولها :


                                                                                                                                                                                                        أفاطم قبل بينك متعيني ومنعك ما سألتك كأن تبيني
                                                                                                                                                                                                        ولا تعدي مواعد كاذبات تمر بها رياح الصيف دوني
                                                                                                                                                                                                        فإني لو تخالفني شمالي لما أتبعتها أبدا يميني



                                                                                                                                                                                                        ويقول فيها :


                                                                                                                                                                                                        فإما أن تكون أخي بحق فأعرف منك غثي من سميني
                                                                                                                                                                                                        [ ص: 167 ] وإلا فاطرحني واتخذني عدوا أتقيك وتتقيني

                                                                                                                                                                                                        وهي كثيرة الحكم والأمثال . وكان أبو محمد بن العلاء يقول : لو كان الشعر مثلها وجب على الناس أن يتعلموه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( باب قوله براءة من الله ورسوله - إلى - الذين عاهدتم من المشركين أذان إعلام ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى وأذان من الله ورسوله قال علم من الله ، وهو مصدر من قولك أذنتهم أي أعلمتهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال ابن عباس : أذن يصدق ) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله : ويقولون هو أذن يعني أنه يسمع من كل أحد ، قال الله : قل أذن خير لكم يؤمن بالله يعني يصدق بالله ، وظهر أن " يصدق " تفسير يؤمن لا تفسير أذن كما يفهمه صنيع المصنف حيث اختصره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تطهرهم وتزكيهم بها ونحوها كثير ) وفي بعض النسخ " ومثل هذا كثير " أي في القرآن ، ويقال التزكية ( والزكاة الطاعة والإخلاص ) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تطهرهم وتزكيهم بها قال : الزكاة طاعة الله والإخلاص .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يؤتون الزكاة لا يشهدون أن لا إله إلا الله ) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة قال : هم الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله . وهذه الآية من تفسير فصلت ذكرها هنا استطرادا . وفي تفسير ابن عباس الزكاة بالطاعة والتوحيد دفع لاحتجاج من احتج بالآية على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يضاهون يشبهون ) وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى يضاهئون قول الذين كفروا أي يشبهون . وقال أبو عبيدة : المضاهاة التشبيه . ثم ذكر حديث البراء في آخر آية نزلت وآخر سورة نزلت ، فأما الآية فتقدم حديث ابن عباس في سورة البقرة وأن آخر آية نزلت آية الربا ، ويجمع بأنهما لم ينقلاه وإنما ذكراه عن استقراء بحسب ما اطلعا عليه ، وأولى من ذلك أن كلا منهما أراد آخرية مخصوصة ، وأما السورة فالمراد بعضها أو معظمها وإلا ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية ، وأوضح من ذلك أن أول براءة نزل عقب فتح مكة في سنة تسع عام حج أبي بكر وقد نزل اليوم أكملت لكم دينكم وهي في المائدة في حجة الوداع سنة عشر ، فالظاهر أن المراد . معظمها ، ولا شك أن غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وسيأتي في تفسير إذا جاء نصر الله أنها آخر سورة نزلت وأذكر الجمع هناك إن شاء الله تعالى . وقد قيل في آخرية نزول براءة أن المراد بعضها ، فقيل قوله : فإن تابوا وأقاموا الصلاة الآية وقيل : لقد جاءكم رسول من أنفسكم وأصح الأقوال في آخرية الآية قوله تعالى واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله كما تقدم في البقرة ، ونقل ابن عبد السلام " آخر آية [ ص: 168 ] نزلت آية الكلالة ، فعاش بعدها خمسين يوما ثم نزلت آية البقرة " والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية