الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إلا الذين عاهدتم من المشركين

                                                                                                                                                                                                        4380 حدثنا إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي عن صالح عن ابن شهاب أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن أبا هريرة أخبره أن أبا بكر رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها قبل حجة الوداع في رهط يؤذنون في الناس أن لا يحجن بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان فكان حميد يقول يوم النحر يوم الحج الأكبر من أجل حديث أبي هريرة

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني إسحاق ) هو ابن منصور كما جزم به المزي ويعقوب بن إبراهيم أي ابن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف ، وصالح هو ابن كيسان ، وقد تقدم في أوائل الصلاة من رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن ابن أخي ابن شهاب عن عمه ، فله فيه طريقان ، وسياقه عن ابن أخي ابن شهاب موافق لسياق عقيل ، وأما رواية صالح فوقع في آخرها " فكان حميد يقول : يوم النحر يوم الحج الأكبر ، من أجل حديث [ ص: 172 ] أبي هريرة " وهذه الزيادة قد أدرجها شعيب عن الزهري كما تقدم في الجزية ولفظه عن أبي هريرة " بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم النحر بمنى : لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ، ويوم الحج الأكبر يوم النحر ، وإنما قيل الأكبر من أجل قول الناس الحج الأصغر ، فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام فلم يحج عام حجة الوداع التي حج فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك " انتهى وقوله " ويوم الحج الأكبر يوم النحر " هو قول حميد بن عبد الرحمن استنبطه من قوله تعالى وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ومن مناداة أبي هريرة بذلك بأمر أبي بكر يوم النحر ، فدل على أن المراد بيوم الحج الأكبر يوم النحر ، وسياق رواية شعيب يوهم أن ذلك مما نادى به أبو بكر ، وليس كذلك فقد تضافرت الروايات عن أبي هريرة بأن الذي كان ينادي به هو ومن معه من قبل أبي بكر شيئان : منع حج المشركين ، ومنع طواف العريان ، وأن عليا أيضا كان ينادي بهما ، وكان يزيد : من كان له عهد فعهده إلى مدته ، وأن لا يدخل الجنة إلا مسلم . وكأن هذه الأخيرة كالتوطئة لأن لا يحج البيت مشرك ، وأما التي قبلها فهي التي اختص علي بتبليغها ، ولهذا قال العلماء : إن الحكمة في إرسال علي بعد أبي بكر أن عادة العرب جرت بأن لا ينقض العهد إلا من عقده أو من هو منه بسبيل من أهل بيته ، فأجراهم في ذلك على عادتهم ، ولهذا قال لا يبلغ عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي وروى أحمد والنسائي من طريق محرر بن أبي هريرة عن أبيه قال كنت مع علي حين بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى مكة ببراءة ، فكنا ننادي أن لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة ولا يطوف بالبيت عريان ومن كان بينه وبين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فأجله أربعة أشهر فإذا مضت فإن الله بريء من المشركين ورسوله ، ولا يحج بعد العام مشرك . فكنت أنادي حتى صحل صوتي " وقوله وإنما قيل الأكبر إلخ في حديث ابن عمر عند أبي داود وأصله في هذا الصحيح رفعه " أي يوم هذا ؟ قالوا : هذا يوم النحر ، قال : هذا يوم الحج الأكبر " واختلف في المراد بالحج الأصغر فالجمهور على أنه العمرة ، وصل ذلك عبد الرزاق من طريق عبد الله بن شداد أحد كبار التابعين ، ووصله الطبري عن جماعة ، منهم عطاء والشعبي ، وعن مجاهد : الحج الأكبر القران والأصغر الإفراد . وقيل : يوم الحج الأصغر يوم عرفة ويوم الحج الأكبر يوم النحر لأن فيه تتكمل بقية المناسك . وعن الثوري : أيام الحج تسمى يوم الحج الأكبر كما يقال يوم الفتح . وأيده السهيلي بأن عليا أمر بذلك في الأيام كلها . وقيل لأن أهل الجاهلية كانوا يقفون بعرفة وكانت قريش تقف بالمزدلفة ، فإذا كانت صبيحة النحر وقف الجميع بالمزدلفة فقيل له الأكبر لاجتماع الكل فيه ، وعن الحسن : سمي بذلك لاتفاق حج جميع الملل فيه : وروى الطبري من طريق أبي جحيفة وغيره : أن يوم الحج الأكبر يوم عرفة . ومن طريق سعيد بن جبير أنه النحر . واحتج بأن اليوم التاسع وهو يوم عرفة إذا انسلخ قبل الوقوف لم يفت الحج بخلاف العاشر فإن الليل إذا انسلخ قبل الوقوف فات . وفي رواية الترمذي من حديث علي مرفوعا وموقوفا يوم الحج الأكبر يوم النحر ورجح الموقوف ، وقوله " فنبذ أبو بكر إلخ " وهو أيضا مرسل من قول حميد بن عبد الرحمن ، والمراد أن أبا بكر أفصح لهم بذلك ، وقيل إنما لم يقتصر النبي - صلى الله عليه وسلم - على تبليغ أبي بكر عنه ببراءة لأنها تضمنت مدح أبي بكر ، فأراد أن يسمعوها من غير أبي بكر ، وهذه غفلة من قائله حمله عليها ظنه أن المراد تبليغ براءة كلها ، وليس الأمر كذلك لما قدمناه ، وإنما أمر بتبليغه منها أوائلها فقط ، وقد قدمت حديث جابر وفيه " أن عليا قرأها حتى ختمها " وطريق الجمع فيه ، واستدل به على أن حجة أبي بكر كانت في ذي الحجة على خلاف المنقول عن مجاهد وعكرمة بن خالد ، وقد قدمت النقل عنهما بذلك في المغازي ، ووجه الدلالة أن أبا هريرة قال " بعثني أبو بكر في تلك الحجة يوم النحر " [ ص: 173 ] وهذا لا حجة فيه لأن قول مجاهد إن ثبت فالمراد بيوم النحر الذي هو صبيحة يوم الوقوف سواء كان الوقوف وقع في ذي القعدة أو في ذي الحجة . نعم روى ابن مردويه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " كانوا يجعلون عاما شهرا وعاما شهرين " يعني يحجون في شهر واحد مرتين في سنتين ثم يحجون في الثالث في شهر آخر غيره ، قال : فلا يقع الحج في أيام الحج إلا في كل خمسة وعشرين سنة ، فلما كان حج أبي بكر وافق ذلك العام شهر الحج فسماه الله الحج الأكبر .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه )

                                                                                                                                                                                                        : اتفقت الروايات على أن حجة أبي بكر كانت سنة تسع ، ووقع في حديث لعبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في قوله : براءة من الله ورسوله قال " لما كان زمن خيبر اعتمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الجعرانة . ثم أمر أبا بكر الصديق على تلك الحجة . قال الزهري : وكان أبو هريرة يحدث أن أبا بكر أمره أن يؤذن ببراءة ، ثم أتبع النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا ، الحديث . قال الشيخ عماد الدين بن كثير : هذا فيه غرابة من جهة أن الأمير في سنة عمرة الجعرانة كان عتاب بن أسيد ، وأما حجة أبي بكر فكانت سنة تسع . قلت : يمكن رفع الإشكال بأن المراد بقوله " ثم أمر أبا بكر " يعني بعد أن رجع إلى المدينة وطوى ذلك من ولي الحج سنة ثمان . فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رجع من العمرة إلى الجعرانة فأصبح بها توجه هو ومن معه إلى المدينة ، إلى أن جاء أوان الحج فأمر أبا بكر وذلك سنة تسع . وليس المراد أنه أمر أبا بكر أن يحج في السنة التي كانت فيها عمرة الجعرانة . وقوله " على تلك الحجة " يريد الآتية بعد رجوعهم إلى المدينة .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية