الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإذا خرج الإمام فلا صلاة ، ولا كلام ) لما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام وقول الصحابي حجة ولأن الكلام يمتد طبعا فيخل بالاستماع والصلاة قد تستلزمه أيضا وبه اندفع قولهما أنه لا بأس بالكلام إذا خرج قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبر وأجمعوا أن الخروج قاطع للصلاة ، وفي العيون المراد إجابة المؤذن أما غيره من الكلام فيكره إجماعا كذا في السراج الوهاج وفسر الشارح الخروج بالصعود على المنبر وهكذا في المضمرات وذكر في السراج الوهاج يعني خرج من المقصورة وظهر عليهم وقيل صعد المنبر ، فإن لم يكن في المسجد مقصورة يخرج منها لم يتركوا القراءة والذكر إلا إذا قام الإمام إلى الخطبة ا هـ .

                                                                                        وفي شرح المجمع عباره الخروج واردة على عادة العرب من أنهم يتخذون للإمام مكانا خاليا تعظيما لشأنه فيخرج منه حين أراد الصعود هكذا شاهدناه في ديارهم ، والقاطع في ديارنا يكون قيام الإمام للصعود ا هـ .

                                                                                        فالحاصل أن الإمام إن كان في خلوة فالقاطع انفصاله عنها وظهوره للناس وإلا فقيامه للصعود وأطلق في الصلاة فشمل السنة وتحية المسجد ويدل عليه الحديث { إذا قلت لصاحبك والإمام يخطب يوم الجمعة أنصت فقد لغوت } فإنه يفيد بطريق الدلالة منعهما بالأولى ; لأن المنع من الأمر بالمعروف وهو أعلى من السنة وتحية المسجد ، وما في صحيح مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم { إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما } فمحمول على ما قيل تحريم الكلام فيها دفعا للمعارضة ، وجوابهم بحمله على ما إذا أمسك عن الخطبة حتى يفرغ من صلاته كما أجابوا به في واقعة سليك الغطفاني فغير مناسب لمذهب الإمام لما علمت أنه يمنع الصلاة بمجرد خروجه قبل الخطبة إلى أن يفرغ من الصلاة ، وفي فتح القدير ، ولو خرج وهو في السنة يقطع على ركعتين ا هـ .

                                                                                        وهو قول ضعيف وعزاه قاضي خان إلى النوادر قال فإذا قطع يلزمه أربع ركعات ، والصحيح خلافه كما في المحيط قال الولوالجي في فتاويه إذا شرع في الأربع قبل الجمعة ثم افتتح الخطبة أو الأربع قبل الظهر ثم أقيمت هل يقطع على رأس الركعتين تكلموا فيه والصحيح أنه يتم ، ولا يقطع ; لأنها بمنزلة صلاة واحدة واجبة ا هـ .

                                                                                        وكذا في المبتغى بالغين المعجمة ، ولا يرد عليه قضاء فائتة لم يسقط الترتيب بينهما وبين الوقتية فإنها لا تكره كما في السراج الوهاج ; لأنه أطلق فيها لما قدمه أن الترتيب واجب بمعنى الشرط ، وأطلق في منع الكلام فشمل الخطيب قال في البدائع : ويكره للخطيب أن يتكلم في حال الخطبة إلا إذا كان أمرا بمعروف فلا يكره لما روي أن عمر كان يخطب يوم الجمعة فدخل عليه عثمان فقال له أية ساعة هذه ؟ فقال له : ما زدت حين سمعت النداء يا أمير المؤمنين على أن توضأت فقال والوضوء أيضا ، وقد علمت أن رسول الله أمر [ ص: 168 ] بالاغتسال ا هـ .

                                                                                        فاستفيد منه أنه لا يسلم إذا صعد المنبر وروي أنه يسلم كما في السراج الوهاج وشمل التسبيح والذكر والقراءة ، وفي النهاية اختلف المشايخ على قول أبي حنيفة قال بعضهم إنما كان يكره ما كان من كلام الناس أما التسبيح ونحوه فلا وقال بعضهم كل ذلك مكروه ، والأول أصح ا هـ . وكذا في العناية

                                                                                        وذكر الشارح أن الأحوط الإنصات ا هـ . ويجب أن يكون محل الاختلاف قبل شروعه في الخطبة ويدل عليه قوله على قول أبي حنيفة وأما وقت الخطبة فالكلام مكروه تحريما ، ولو كان أمرا بمعروف أو تسبيحا أو غيره كما صرح به في الخلاصة وغيرها وزاد فيها أن ما يحرم في الصلاة يحرم في الخطبة من أكل وشرب وكلام وهذا إن كان قريبا ، فإن كان بعيدا فقد تقدم من المصنف أن النائي كالقريب ، وهو الأحوط في المحيط ، وهو الأصح وأما دراسة الفقه والنظر في كتب الفقه ففيه اختلاف وعن أبي يوسف أنه كان ينظر في كتابه ويصححه وقت الخطبة ، ولو لم يتكلم لكن أشار بيده أو بعينه حين رأى منكرا الصحيح أنه لا بأس به وشمل تشميت العاطس ورد السلام وعن أبي يوسف لا يكره الرد ، وهو خلاف المذهب واختلفوا في الحمد إذا عطس السامع وصححوا أنه يرد في نفسه لكن ذكر الولوالجي أن الأصوب أنه لا يجب فيهما ; لأنه يختل الإنصات وأنه مأمور به ، وعليه الفتوى وكذا اختلفوا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند سماع اسمه والصواب أنه يصلي في نفسه كما في فتح القدير ، ولا يرد على المصنف لو رأى رجلا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربا تدب إلى إنسان فإنه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة ; لأن ذلك يجب لحق آدمي ، وهو محتاج إليه ، والإنصات لحق الله تعالى ومبناه على المسامحة كما في السراج الوهاج ، وفي المجتبى الاستماع إلى خطبة النكاح والختم وسائر الخطب واجب والأصح الاستماع إلى الخطبة من أولها إلى آخرها ، وإن كان فيها ذكر الولاة ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن ما تعورف من أن المرقى للخطيب يقرأ الحديث النبوي وأن المؤذنين يؤمنون عند الدعاء ويدعون للصحابة بالرضى وللسلطان بالنصر إلى غير ذلك فكله حرام على مقتضى مذهب أبي حنيفة رحمه الله وأغرب منه أن المرقى ينهى عن الأمر بالمعروف بمقتضى الحديث الذي يقرؤه ثم يقول : أنصتوا رحمكم الله ، ولم أر نقلا في وضع هذا المرقى في كتب أئمتنا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وهو أعلى من السنة وتحية المسجد ) كان المناسب إسقاط قوله وهو ليكون قوله أعلى خيرا الآن [ ص: 168 ] ( قوله كما صرح به في الخلاصة ) قال في النهر لم يذكر التسبيح في الخلاصة ، وإنما عبارته ما يحرم في الصلاة يحرم في الخطبة حتى لا ينبغي أن يأكل ويشرب والإمام في الخطبة ويحرم الكلام وسواء كان أمرا بالمعروف أو كلاما آخر نعم في البدائع يكره الكلام حال الخطبة ، وكذا قراءة القرآن وكذا الصلاة ، وكذا كل ما شغل باله عن سماع الخطبة من التسبيح والتهليل والكتابة بل يجب عليه أن يسمع ويسكت وهذا قول الإمام وقالا لا بأس به إذا خرج قبل أن يخطب وإذا نزل قبل أن يكبر وإذا جلس عند الثاني قبل الخلاف في إجابة المؤذن أما غيره فيكره إجماعا وقبل في كلام يتعلق بالآخرة أما المتعلق بالدنيا فيكره إجماعا ( قوله أنه يرد ) الظاهر أن يقول يحمد ( قوله في نفسه ) قال القهستاني قبيل الإمامة بأن يسمع نفسه أو يصحح الحروف فإنهم فسروه به وعن أبي يوسف أنه يصلي قلبا ائتمارا لأمر الإنصات والصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما في الكرماني ا هـ .

                                                                                        وفي إمداد الفتاح عن الفتح بعد رواية أبي يوسف قال : وهو الصواب ( قوله ، ثم اعلم إلخ ) نقل الخبر الرملي عن الرملي الشافعي أن والده أفتى بأنه ليس له أصل في السنة وأنه لم يفعل بين يديه - صلى الله تعالى عليه وسلم - بل كان يمهل حتى يخرج الناس فإذا اجتمعوا خرج إليهم وحده من غير شاويش يصيح بين يديه وكذلك الخلفاء الثلاثة بعده ، ثم قال : إنه بدعة حسنة ; لأن في قراءة الآية ترغيبا في الصلاة عليه - صلى الله تعالى عليه وسلم - وفي قراءة الحديث تبسيطا لاجتناب الكلام وأقره رملينا وقال إنه لا ينبغي القول بحرمة قراءة الحديث على الوجه المتعارف لتوافر الأمة وتظاهرهم عليه ا هـ . ولا يخفى ما فيه فإن العرف لا يصير الحرام مباحا تأمل .




                                                                                        الخدمات العلمية