الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
nindex.php?page=treesubj&link=22682ما يحقن بالأذان من الدماء
585 610 - حدثني nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة : ثنا nindex.php?page=showalam&ids=12430إسماعيل بن جعفر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15767حميد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، عن nindex.php?page=hadith&LINKID=650575النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا غزا بنا قوما لم يغز بنا حتى يصبح وينظر ، فإن سمع أذانا كف عنهم ، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم . قال : فخرجنا إلى خيبر ، فانتهينا إليهم ليلا ، فلما أصبح ولم يسمع أذانا ركب ، وركبت خلف أبي طلحة ، وإن قدمي لتمس قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - . قال : فخرجوا إلينا بمكاتلهم ومساحيهم ، فلما رأوا النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : محمد والله ، محمد والخميس . قال : فلما رآهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " الله أكبر ، الله أكبر . خربت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين .
منها : nindex.php?page=treesubj&link=7969أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يغير على العدو .
والإغارة : تبييت العدو ليلا .
وقد جاءت نصوص أخر بإباحة الإغارة ، وموضع ذكر ذلك " كتاب الجهاد " إن شاء الله .
ومنها : التفاؤل ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رآهم خرجوا بالمكاتل - وهي : الزبيل والقفاف - والمساحي - وهي : المجرفة - وهذه آلات الحراث ، ووقع الأمر كذلك .
ومنها : nindex.php?page=treesubj&link=33117التكبير على العدو عند مشاهدته .
[ ص: 440 ] ويحتمل أن يكون سر ذلك أن التكبير طارد لشيطان الجن تقارنهم ، فإذا انهزمت شياطينهم المقترنة بهم انهزموا ، كما جرى للمشركين يوم بدر ، فإن إبليس كان معهم يعدهم ويمنيهم ، فلما انهزم انهزموا .
وقولهم : " محمد والخميس " ، فيه روايتان : الخميس ، والجيش ، وهما بمعنى واحد .
وسمي الجيش خميسا ؛ لأنه ينقسم خمسة أجزاء : مقدمة ، وساقة ، وميمنة ، وميسرة ، وقلب .
ومنها - وهو المقصود بهذا الباب - : أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجعل [ nindex.php?page=treesubj&link=22675الأذان ] فرق ما بين دار الكفر ودار الإسلام ، فإن سمع مؤذنا [ للدار ] كحكم ديار الإسلام ، فيكف عن دمائهم وأموالهم ، وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم بعدما يصبح .
وفي هذا دليل على أن nindex.php?page=treesubj&link=1331إقامة الصلاة توجب الحكم بالإسلام ؛ فإن الأذان إنما هو دعاء إلى الصلاة ، فإذا كان موجبا للحكم بالإسلام ، فالصلاة التي هو المقصود الأعظم أولى .
ولا يقال : إنما حكم بإسلامهم بالأذان لما فيه من ذكر الشهادتين ؛ لأن الصلاة تتضمن ذلك - أيضا - فإذا رأينا من ظاهره يصلي - ولا سيما في دار الحرب أو دار لم يعلم أنها دار إسلام - حكمنا بإسلامه لذلك . وهو قول كثير من العلماء ، وهو ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
[ ص: 441 ] وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يأمر بالكف عن دار يسمع فيها الأذان ، أو يرى فيها مسجد ، من رواية ابن عصام المزني ، عن أبيه - وكانت له صحبة - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=938353كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم : " إذا رأيتم مسجدا ، أو سمعتم مؤذنا فلا تقتلوا [ أحدا ] " .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي .
وقال : حسن غريب .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني : إسناد مجهول ، وابن عصام لا يعرف ، ولا ينسب أبوه .
وروى الهرماس بن حبيب العنبري ، عن أبيه ، عن جده ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عيينة بن حصن حين أسلم الناس ودجا الإسلام على الناس ، فهجم على بني عدي بن جندب فوق النباح بذات الشقوق ، فلم يسمعوا أذانا عند الصبح ، فأغاروا عليهم ، فأخذوا أموالهم حتى أحضروها المدينة عند النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقالت وفود بني العنبر : أخذنا يا رسول الله مسلمين غير مشركين . فرد عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذراريهم وعقار بيوتهم ، وعمل الجيش أنصاف الأموال .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي في " كتاب غريب الحديث " وأبو القاسم البغوي في " معجم الصحابة " .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي : إنما رد عليهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذراريهم ؛ لأنه لم ير أن يسبيهم إلا على أمر صحيح لا شك فيه ، وهؤلاء مقرون بالإسلام ، وليس حجة من سباهم ، إلا أنهم قالوا : لم نسمع أذانا . وكذلك فعل في عقار بيوتهم - يريد : [ ص: 442 ] أرضهم - وعمل الجيش جعالة عمالة لهم أنصاف الأموال ؛ وذلك لأن أصحاب الجيش ادعوا أن ذلك فيئا لهم ؛ لأنهم لم يسمعوا أذانا ، والمأخوذ منهم ادعوا أنه لهم ؛ أسلموا عليه .
ثم روى nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي من طريق nindex.php?page=showalam&ids=12428إسماعيل بن أبي خالد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16834قيس بن أبي حازم ، قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أناس من خثعم ، فاستعصموا بالسجود ، فقتل منهم رجل ، فأعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - نصف الدية .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي : لا ، لم يقروا بالإسلام ، وإنما سجدوا ، وقد يسجد ولم يسلم ، فلذلك أعطاهم نصف الدية .
قلت : هذا حديث مرسل .
والذين يقولون : إن الكافر يصير مسلما بالصلاة ، فصلاته عندهم كإقراره بالإسلام .
وذكر - أيضا - حديث الزبيب العنبري ، وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في " سننه " ، وفيه : أنهم سبوا ، ثم شهد لهم شاهد بالإسلام ، وحلف الزبيب ، فأعطاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الذراري ونصف الأموال .
قال nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي : لأنه لم تكمل البينة .
قلت : في سياق حديث nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : " لولا أن الله لا يحب ضلالة العمل ما رزيناكم عقالا " .
وهذا تعليل بغير ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12352الحربي .
وحاصل الأمر : أن الدار إن سمع فيها أذان لم يجز الإقدام على قتلهم ابتداء ، بل يصيرون في عصمة دمائهم وأموالهم كالمسلمين ؛ فإن الأذان وإن [ ص: 443 ] كان لم يسمع من بعضهم ، إلا أن ظهوره في دار قوم دليل على إقرارهم بذلك ورضاهم . فأما المؤذن نفسه فإنه يصير مسلما بذلك ، ولا سيما إذا كان في دار كفر وموضع لا يخاف فيه من المسلمين ولا يتقيهم .
وعند أصحابنا : أنه يصير الكافر بالأذان مسلما .
وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد ، nindex.php?page=showalam&ids=15995وسعيد بن عبد العزيز . وقالا : لو ادعى أنه فعله تقية وخيفة على نفسه أنه لا يقبل منه ، ويصير مرتدا .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=15500الوليد بن مسلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، أنه يقبل منه ذلك ولا يقتل .
ذكره nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي في " كتاب الصلاة " .
وينبغي أن يقبل هذا بموضع يحتمل فيه ذلك كدار الإسلام ، أو دار يخشى أن يغار عليها المسلمون ؛ فإن nindex.php?page=treesubj&link=28634الكافر إذا أتى بالشهادتين على وجه الإسلام كالذي يجيء ليسلم ، فتعرض عليه الشهادتان فيقولهما ، فإنه يصير مسلما بغير خلاف .
وإن قالهما على غير هذا الوجه ، ثم ادعى أنه لم يرد بهما الإسلام ، فالمشهور عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أنه لا يقبل منه ويصير مرتدا .
وعنه رواية ، أنه يقبل منه ولا يقتل . وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق .
وضعف هذه الرواية nindex.php?page=showalam&ids=14242أبو بكر الخلال .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أنه يجبر على الإسلام ، ولا يقتل إن أباه .
وللشافعية - أيضا - وجهان فيما nindex.php?page=treesubj&link=28634 [ إذا ] أتى بالشهادتين على غير وجه الاستدعاء ولا الحكاية : هل يصير مسلما ، أم لا ؟ وأصحهما : أنه يصير مسلما - : حكاهما صاحب " شرح المهذب " .
وإن لم يسمع في الدار أذان :
[ ص: 444 ] فإن كانت معروفة قبل ذلك بأنها دار حرب جاز ابتداؤهم بالقتل والسبي والنهب ، هذا هو الذي دل عليه حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المخرج في هذا الباب .
وإن كانت معروفة بأنها دار إسلام ، ولم يسمع فيها أذان ، فهذه مسألة قتال أهل البلدة المسلمين إذا اتفقوا على ترك الأذان .
وهي مبنية على أن nindex.php?page=treesubj&link=22675الأذان على أهل الأمصار والقرى : هل هو فرض كفاية ، أو سنة مؤكدة ؟
وفيه قولان :
أحدهما : أنه فرض كفاية ، وهو ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ، وقول داود ، ووافقهم جماعات من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأهل الظاهر : إن الأذان فرض .
وحكي عن هؤلاء كلهم أن nindex.php?page=treesubj&link=1462الإقامة شرط لصحة الصلاة ، فمن ترك الإقامة وصلى أعاد الصلاة .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي : أنه يعيد في الوقت .
وقال عثمان بن كنانة من المالكية : يعيد إذا تركها عمدا .
وذهب الجمهور إلى أنه لا إعادة على من صلى بغير أذان ولا إقامة .
واستدلوا لوجوب الأذان بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=666892 " إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم " .
وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث مالك بن الحويرث وعمرو بن سلمة الجرمي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 445 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، قال : إذا ترك الأذان مسافر عمدا أعاد الصلاة .
وهذا غريب جدا .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر نحوه عن داود .
ونقل ابن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق ، قال : إذا nindex.php?page=treesubj&link=1462_22675نسي الأذان والإقامة وصلى أجزأه ، وإن كان في السفر فلا بد له من الإقامة .
والقول الثاني : أن الأذان سنة مؤكدة ، وهو ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، ورواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
فمن قال : الأذان فرض كفاية ، قال : إذا اجتمع أهل بلد على تركه قوتلوا عليه حتى يفعلوه .
ومن قال : هو سنة ، اختلفوا على قولين :
أحدهما : أنهم يقاتلون عليه - أيضا - لأنه من أعلام الدين وشرائعه الظاهرة ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد بن الحسن وطائفة من الشافعية .
والثاني : لا يقاتلون عليه كسائر النوافل ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وطائفة من الشافعية .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : آمرهم وأضربهم ، ولا أقاتلهم ؛ لأنه دون الفرائض وفوق النوافل .
واستدل بعض من قال : يقاتلون على تركه بحديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس هذا ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأذان مانعا من القتال ، وتركه مبيحا له ، فدل على استباحة القتال بمجرد تركه ، وإن جاز أن يكونوا قد أسلموا .