الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5034 [ ص: 591 ] 52 - باب: المهر للمدخول عليها، وكيف الدخول، أو طلقها قبل الدخول والمسيس

                                                                                                                                                                                                                              5349 - حدثنا عمرو بن زرارة، أخبرنا إسماعيل، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته، فقال: فرق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ". فأبيا، فقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟". فأبيا، ففرق بينهما. قال أيوب: فقال لي عمرو بن دينار: في الحديث شيء لا أراك تحدثه قال: قال الرجل: مالي؟ قال: "لا مال لك، إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك". [انظر: 5311 - مسلم: 1493 - فتح: 9 \ 495].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              زاد ابن بطال في أوله: إرخاء الستور .

                                                                                                                                                                                                                              ساق حديث سعيد بن جبير: قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته، فقال: فرق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ". فأبيا، فقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ ". فأبيا، ففرق بينهما. قال أيوب: فقال لي عمرو بن دينار: في الحديث شيء لا أراك تحدثه، قال: قال الرجل: مالي؟ قال: "لا مال لك، إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك".

                                                                                                                                                                                                                              سلف في اللعان، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي ، وهو ظاهر أن المهر يجب بالدخول، وهو دخول الحشفة بالقبل. وقوله في الترجمة: (وكيف الدخول، أو طلقها قبل الدخول). تقديره: أو كيف

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 592 ] طلاقها، فاكتفى بذكر الفعل عن ذكر المصدر; لدلالته عليه، كقوله تعالى: هل أدلكم إلى قوله: تؤمنون بالله [الصف: 10] [فأقام تؤمنون] وهو فعل مقام الإيمان، وهو مصدر.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو حنيفة، يجب بمجرد الخلوة، بينه قوله: "بما استحللتم من فرجها" لكنه حجة عليه.

                                                                                                                                                                                                                              واختلفوا في الوطء في الدبر، وإذا أذهب العذرة بالإصبع، فقال ابن القاسم: يكمل لها الصداق; لأنه فعله على وجه الافتضاض. وقال أصبغ: عليه ما شانها . وعندنا إن أزالها مستحقها لا شيء عليه أو غيره فالحكومة

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في المجبوب والحصور وشبههما، فقال المغيرة: إذا طالت المدة استحقت الصداق. وقيل: كمل لها وإن لم تطل; بدليل قول عمر - رضي الله عنه -: ما ذنبهن إن جاء العجز من قبلكم .

                                                                                                                                                                                                                              واختلف في المعوض على ثلاثة أقوال: فقال مالك: إذا طال مكثه لها الصداق. وأباه غيره ، وقال بعضهم: إذا أغلق عليها فقد وجب لها الصداق. كقول أبي حنيفة.

                                                                                                                                                                                                                              والحاصل أن العلماء اختلفوا في الدخول وبما يثبت.

                                                                                                                                                                                                                              فقالت طائفة: إذا أغلق بابا أو أرخى سترا على المرأة فقد وجب الصداق والعدة.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 593 ] روي ذلك عن عمر وعلي وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وابن عمر ، وهو قول الكوفيين والثوري والليث والأوزاعي وأحمد . حجتهم حديث الباب: "إن كنت صادقا فقد دخلت بها".

                                                                                                                                                                                                                              فجعل الدخول بها دليلا على الجماع، وإن كان قد لا يقع مع الدخول، لكن حمله على ما يقع في الأكثر وهو الجماع; لما ركب الله سبحانه في نفوس عباده من شهوة النساء.

                                                                                                                                                                                                                              قال الكوفيون: الخلوة الصحيحة يجب معها المهر كله بعد الطلاق، وطئ وإن لم يطأ، ادعته أو لم تدعه، إلا أن يكون أحدهما محرما أو مريضا أو صائما أو كانت حائضا، فإن كانت الخلوة في مثل هذه الحال ثم طلق لم يجب إلا نصف المهر، وعليها العدة عندهم في جميع هذه الوجوه .

                                                                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: لا يجب المهر إلا بالمسيس، روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس ، وبه قال شريح والشعبي وابن سيرين، وإليه ذهب الشافعي وأبو ثور ، واحتجوا بقوله تعالى: وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن الآية [البقرة: 237]، وقال تعالى: فما لكم عليهن من عدة تعتدونها [الأحزاب: 49] فأخبر تعالى أنها تستحق بالطلاق

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 594 ] قبل المسيس نصف ما فرضه لها، وأوجب العدة بالمسيس ولا تعرف الخلوة دون وطء مسيسا ومن حجة هذا القول رواية من روى هذا الحديث: "إن كنت صدقت عليها فبما استحللت من فرجها" وقد سبق في اللعان، ويأتي بعد.

                                                                                                                                                                                                                              وفيها قول ثالث: قال سعيد بن المسيب إذا دخل بالمرأة بيتها صدق عليها، وإن دخلت عليه في بيته صدقت. وهو قول مالك ، واحتج أصحابه وقالوا [تفسير] قول سعيد بن المسيب أنها تصدق عليه في بيته; لأن البيت في البناء بيت الرجل وعليه الإسكان، ودخولها في بيته هو دخول بناء.

                                                                                                                                                                                                                              ومعنى قوله: في بيتها: إذا زارها في بيتها عند أهلها أو وجدها ولم يدخل عليها دخول بناء فادعت أنه مسها وأنكر فالقول قوله; لأنها تدعي عليه، وهذا أصله في المتداعيين أن القول قول من شبهته قوية كاليد وشبهها .

                                                                                                                                                                                                                              قال مالك: وإذا دخل بها وقبلها وكشفها، واتفقا أنه لم يمسها، فلها نصف الصداق إن كان قريبا، وإن تطاول مكثه معها ثم طلقها فلها المهر كاملا وعليها العدة أبدا . وروى ابن وهب عنه أنه رجع عن قوله في "الموطإ" وقال: إذا خلا بها حيث كان فالقول قولها .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 595 ] وذكر ابن القصار عن الشافعي أنه إذا دخل بها فقال: لم أطأ. وقالت: وطئني. فالقول قول الزوج; لأن الخلوة غير المسيس الذي يوجب المهر.

                                                                                                                                                                                                                              وروى ابن علية عن عوف عن زرارة بن أوفى قال: قضى الخلفاء الراشدون المهديون: من أغلق بابا وأرخى سترا فقد وجبت العدة والمهر . وبهذا احتج الكوفيون بأنه معلوم أنه لا يرخى الستر غالبا إلا للوطء; فهي دلالة عليه.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية