الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فصل وفي الجائفة ثلث الدية ) لقوله صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم : { وفي الجائفة ثلث الدية } ولحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وسواء كانت عمدا أو خطأ ( وهي ) أي الجائفة ( التي تصل إلى باطن الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو نحر ) قال في المبدع : وحلق ومثانة وبين خصيتين ودبر .

                                                                                                                      وفي الرعاية وهي ما وصل جوفا فيه قوة يحيله الغذاء من ظهر أو بطن وإن لم تخرق الأمعاء أو صدر أو نحر أو دماغ وإن لم تخرق الخريطة أو مثانة أو ما بين وعاء الخصيتين والدبر ( وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثلثا الدية ) لكل جائفة ثلث .

                                                                                                                      ( وإن خرق الجاني ما بينهما ) صارا واحدة ( أو خرق ) ما بينهما ( بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثلث الدية لا غير ) ذلك كما تقدم في الموضحة ( وإن خرق ما بينهما ) أي الجائفتين ( أجنبي أو ) خرقه ( المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ) لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر والمراد هنا الأجنبي غير الجاني والمجني عليه ووليه والطبيب بأمره ( ويسقط ما قابل فعل المجني عليه ) فلا يجب [ ص: 55 ] به شيء لأن الإنسان لا يجب له على نفسه أرش ( وإن احتاج ) المجني عليه ( إلى خرق ما بينهما ) أي الجائفتين ( للمداواة فخرقها المجني عليه أو ) خرقها ( غيره بأمره أو ) خرقها ( ولي المجني عليه لذلك ) أي للمداواة ( أو ) خرقها ( الطبيب بأمره ) أي أمر المجني عليه إن كان مكلفا أو بأمر ولي غيره ( فلا شيء في خرق الحاجز ) على أحد ( وعلى الأول ثلثا الدية ) لأن فعله لا ينبني على فعل غيره .

                                                                                                                      ( وإن جرحه من جانب فخرج من الجانب الآخر فجائفتان ) لما روى سعيد بسنده إلى أبي بكر " أنه قضى في جائفة تقذت بثلثي الدية " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت بأرش جائفتين " وكما لو طعنه من جانبين فالقا والاعتبار بوصول الجرح إلى الجوف ولا عبرة لكيفية إيصاله إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى .

                                                                                                                      ( وإن خرق شدقه أو ) خرق ( أنفه فوصل إلى فمه فليس بجائفة لأن باطن الفم في حكم الظاهر ) لا الباطن وعليه حكومة ( وإن طعنه في خده فكسر العظم ووصل إلى فمه فليس بجائفة أيضا ) لما ذكر من أن باطن الفم في حكم الظاهر ( وعليه دية منقلة ) خمسة عشر بعيرا ( لكسر العظم وفيما زاد ) على كسر العظم ( حكومة ) لما نقص ( وإن جرحه في ذكره فوصل ) الجرح ( إلى مجرى البول أو ) جرحه ( في جفنه فوصل ) الجرح ( إلى بيضة عينه فحكومة ) لأن ذلك ليس بباطن فليس بجائفة ( كإدخاله إصبعه في فرج بكر وداخل عظم فخذ وإن جرحه في وركه فوصل الجرح إلى جوفه أو أوضحه فوصل ) . الجرح ( إلى قفاه فعليه ) في الأولى ( دية جائفة ) وحكومة ( و ) في الثاني دية ( موضحة وحكومة كجرح القفا والورك ) لأن الجراح في غير موضع الجائفة والموضحة فانفرد فيه الضمان ، كما لو لم يكن معه جائفة أو موضحة وأما الحكومة فلأنه لا توقيت فيه ( وإن أجافه ) واحد ( ووسع آخر الجرح فجائفتان على كل واحد منهما أرش جائفة ) لأن فعل كل واحد منهما أو انفرد لكان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى غيره ( وإن وسعها الطبيب بإذنه ) أي المجني عليه المكلف ( أو ) وسعها الطبيب ( بإذن وليه ) إن لم يكن مكلفا ( لمصلحته فلا شيء عليه ) لعدم تعديه ( وإن أدخل ) مكلف ( سكينا في الجائفة ثم أخرجها عزر ) لارتكابه معصية ( ولا شيء عليه ) لعدم جنايته .

                                                                                                                      ( وإن خاطها ) أي الجائفة ( فجاء آخر فقطع الخيط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم عزر أشد من التعزير الذي قبله ) لأن فعله أشد ( وغرم ثمن الخيوط ) لإتلافه لها تعديا ( وأجرة الخياط ) لتسببه في ذلك ( ولا شيء عليه ) أي لا دية للجائفة [ ص: 56 ] عليه إن لم يجفه ( وإن التحمت الجائفة ففتحها آخر فهي جائفة أخرى عليه أرشها ) أي ثلث الدية لأنه عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح .

                                                                                                                      ( وإن التحم بعضها ) أي الجائفة ( دون بعض ففتق ما التحم فعليه أرش جائفة ) لما سبق ( وإن فتق غير ما التحم فليس عليه أرش جائفة ) لأنه لم يعد إلى الصحة ( وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل أن يلتحم منها شيء ) فيغرم ثمن الخيوط وأجرة الخياط ( وإن وسع بعض ما التحم في الظاهر فقط أو ) وسعه في ( الباطن فقط فعليه حكومة ) لتوسيعه لأن جنايته لم تبلغ الجائفة ( ومن وطئ زوجته وهي صغيرة ) لا يوطأ مثلها لمثله ( أو ) وطئها وهي ( نحيفة لا يوطأ مثلها لمثله فخرق ما بين مخرج بول ومني أو ) خرق ( ما بين القبل والدبر فلم يستمسك البول لزمته الدية ) لأن للبول مكانا في البدن يجتمع فيه للخروج فعدم إمساك البول إبطال لنفع ذلك المحل فتجب فيه الدية كما لو لم يستمسك الغائط .

                                                                                                                      ( وإن استمسك ) البول ( فعليه ثلث الدية ) لأنها جائفة ولما روي أن عمر " قضى في الإفضاء بثلث الدية " ولم يعرف له مخالف من الصحابة ( ويلزمه المهر المسمى في النكاح ) لأنه تقرر بالدخول ( مع أرش الجناية ) السابق وهو الدية إن لم يستمسك بول وإلا فثلثها لأن كلا منهما يضمن منفردا فضمنا مجتمعين ( ويكون أرش الجناية في ماله ) أي الجاني ( إن كان عمدا محضا ) لأن العاقلة لا تحمله ( وهو ) أي العمد المحض ( إن لم يعلم ) الزوج ( أنها لا تطيقه وأن وطأه يفضيها وإن علم ذلك ) أي أنها لا تطيقه ( وكان ) وطؤه ( مما يحتمل أن لا يفضي إليه ) أي إلى الإفضاء ( ف ) الأرش ( على العاقلة ) لأنه شبه عمد .

                                                                                                                      ( وإن اندمل الحاجز وزال الإفضاء وجبت حكومة ) لجبر ما حصل من النقص قاله في الشرح ( فقط ) وفيه نظر لأنه قد تقدم في آخر الباب قبله ولو التحمت الجائفة لم يسقط موجبها قال في الإنصاف رواية واحدة قاله في المجرد وغيره ( وإن كانت ) الزوجة ( كبيرة محتملة للوطء يوطأ مثلها لمثله ) فهدر لأنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه شرعا فلم يضمنه كسراية القود ( أو ) كانت الموطوءة ( أجنبية كبيرة مطاوعة ولا شبهة وهي حرة مكلفة ) ووقع ما سبق ( فهدر ) لأنه ضرر حصل من فعل مأذون فيه فلم يضمنه كأرش بكارتها ( ولا مهر ) للأجنبية لأنها زانية مطاوعة ( كما لو أذنت في قطع يدها فسرى ) القطع ( إلى نفسها وإن كانت ) الأجنبية ( مكرهة أو وطئها بشبهة فأفضاها لزمه ثلث ديتها ) [ ص: 57 ] إن استمسك البول وإلا فالدية كما سبق ( و ) لزمه ( مهر مثلها ) بما استباح من فرجها ( و ) لزمه ( أرش البكارة ) .

                                                                                                                      قال في الفروع : ولا يندرج أرش بكارة في دية إفضاء على الأصح قال في الإنصاف : وجزم بوجوب أرش البكارة في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وغيرهم انتهى لكن تقدم في كتاب الصداق أن أرش البكارة يدخل في المهر إذا كانت حرة وأنه يجب مهرها بكرا فقط فينبغي حمل ما ذكره هو لا على إفضاء فلا يجب معه مهر بأن يكون بغير وطء ويدل عليه قول الفروع في دية إفضاء ولم يقبل في مهر ( وإن استطلق بولها ) أي الأجنبية المكرهة أو الموطوءة بشبهة ( فدية فقط ) أي فلا يجب معها ثلث دية للفتق وليس المراد الاحتراز عن المهر إن وطئ ولا عن أرش البكارة على ما تقدم كما يدل عليه كلام المبدع وغيره .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية