الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة : قوله تعالى : { أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } فيها قولان :

                                                                                                                                                                                                              الأول : أنها على التخيير ; قاله سعيد بن المسيب ، ومجاهد ، وعطاء ، وإبراهيم .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنها على التفصيل . واختلفوا في كيفية التفصيل على سبعة أقوال :

                                                                                                                                                                                                              الأول : أن المعنى أن يقتلوا إن قتلوا . أو يصلبوا إن قتلوا وأخذوا المال . أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إن أخذوا المال ، أو ينفوا من الأرض إن أخافوا السبيل ; قاله ابن عباس والحسن وقتادة والشافعي وجماعة .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : المعنى إن حارب فقتل وأخذ المال قطعت يده ورجله من خلاف ، وقتل وصلب ، فإن قتل ولم يأخذ مالا قتل ، وإن أخذ المال ولم يقتل قطعت يده ورجله من خلاف ، وإذا لم يقتل ولم يأخذ مالا نفي ، وهذا يقارب الأول ، إلا في الجمع بين قطع الأيدي والأرجل والقتل والصلب .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنه إن قتل وأخذ المال وقطع الطريق يخير فيه الإمام إن شاء قطع يده ورجله من خلاف وصلبه ، وإن شاء صلبه ولم يقطع يده ورجله ، وإن شاء قتله ولم يقطع رجله ويده ولم يصلبه ، فإن أخذ بالأول فقتل قطع من خلاف ، وإن لم يأخذ بالأول غرب ونفي من الأرض . الرابع : قال الحسن مثله ، إلا في الآخر فإنه قال : يؤدب ويسجن حتى يموت .

                                                                                                                                                                                                              الخامس : قال أبو يوسف ، ومحمد بن الحسن : إن اقتصروا على القتل قتلوا ، وإن اقتصروا على أخذ المال قطعوا من خلاف ، وإن أخذوا المال وقتلوا فإن أبا حنيفة [ ص: 98 ] قال : يخير فيهم بأربع جهات : قتل ، صلب ، قطع وقتل ، قطع وصلب ، وهذا نحو ما تقدم ، وهذا سادس .

                                                                                                                                                                                                              السابع : قال ابن المسيب ومالك في إحدى روايتيه بتخيير الإمام بمجرد الخروج .

                                                                                                                                                                                                              أما من قال : لأن { أو } على التخيير فهو أصلها وموردها في كتاب الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                              وأما من قال : إنها للتفصيل فهو اختيار الطبري ، وقال : هذا كما لو قال : إن جزاء المؤمنين إذا دخلوا الجنة أن ترفع منازلهم أو يكونوا مع الأنبياء في منازلهم ، وليس المراد حلول المؤمنين معهم في مرتبة واحدة ، وهذا الذي قاله الطبري لا يكفي إلا بدليل ، ومعولهم قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : رجل زنى بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، أو قتل نفسا بغير نفس } . فمن لم يقتل كيف يقتل ؟ قالوا وأما قولكم إنها على التخيير فإن التخيير يبدأ فيه بالأخف ، ثم ينتقل فيه إلى الأثقل ; وها هنا بدأ بالأثقل ، ثم انتقل إلى الأخف ; فدل على أنه قرر ترتيب الجزاء على الأفعال ، فترتب عليه بالمعنى ، فمن قتل قتل ، فإن زاد وأخذ المال صلب ; فإن الفعل جاء أفحش ; فإن أخذ المال وحده قطع من خلاف ، وإن أخاف نفي .

                                                                                                                                                                                                              الجواب : الآية نص في التخيير ، وصرفها إلى التعقيب والتفصيل تحكم على الآية وتخصيص لها ، وما تعلقوا منه بالحديث لا يصح ; لأنهم قالوا : يقتل الردء ولم يقتل : وقد جاء القتل بأكثر من عشرة أشياء ، منها متفق عليها ومنها مختلف فيها [ ص: 99 ] فلا تعلق بهذا الحديث لأحد . وتحرير الجواب القطع لتشغيبهم أن الله تعالى رتب التخيير على المحاربة والفساد ، وقد بينا أن الفساد وحده موجب للقتل ومع المحاربة أشد .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية