الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني ، ثنا إسحاق بن إبراهيم النحوي ، ثنا جعفر بن الصائغ ، ثنا عبيد بن إسحاق ، ثنا نصر بن كثير ، قال : دخلت أنا وسفيان الثوري على جعفر بن محمد ، فقلت : إني أريد البيت الحرام فعلمني شيئا أدعو به ، فقال : إذا بلغت البيت الحرام فضع يدك على الحائط ثم قل : يا سابق الفوت ، يا سامع الصوت ، ويا كاسي العظام لحما بعد الموت ، ثم ادع بما شئت ، فقال له سفيان شيئا لم أفهمه ، فقال له : يا سفيان إذا جاءك ما تحب فأكثر من : الحمد لله ، وإذا جاءك ما تكره فأكثر من : لا حول ولا قوة إلا بالله ، وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الاستغفار .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا الحسن بن محمد ، ثنا سعيد بن عنبسة ، ثنا عمرو بن جميع ، قال : دخلت على جعفر بن محمد أنا وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وحدثنا محمد بن علي بن حبيش ، حدثنا أحمد بن زنجويه ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا محمد بن عبد الله القرشي بمصر ، ثنا عبد الله بن شبرمة ، قال : دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمد ، فقال لابن أبي ليلى : من هذا معك ؟ قال : [ ص: 197 ] هذا رجل له بصر ونفاذ في أمر الدين ، قال : لعله يقيس أمر الدين برأيه ، قال : نعم ، قال : فقال جعفر لأبي حنيفة : ما اسمك ، قال : نعمان ، قال : يا نعمان هل قست رأسك بعد ؟ قال : كيف أقيس رأسي ؟ قال :ما أراك تحسن شيئا ، هل علمت ما الملوحة في العينين ، والمرارة في الأذنين ، والحرارة في المنخرين والعذوبة في الشفتين ؟ قال : لا ، قال : ما أراك تحسن شيئا ، قال : فهل علمت كلمة أولها كفر وآخرها إيمان ؟ فقال ابن أبي ليلى : يا ابن رسول الله ، أخبرنا بهذه الأشياء التي سألته عنها ، فقال : أخبرني أبي ، عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن الله تعالى بمنه وفضله جعل لابن آدم الملوحة في العينين ؛ لأنهما شحمتان ولولا ذلك لذابتا ، وإن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل المرارة في الأذنين حجابا من الدواب فإن دخلت الرأس دابة والتمست إلى الدماغ فإذا ذاقت المرارة التمست الخروج ، وإن الله تعالى بمنه وفضله ورحمته على ابن آدم جعل الحرارة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لأنتن الدماغ ، وإن الله تعالى بمنه وكرمه ورحمته لابن آدم جعل العذوبة في الشفتين يجد بهما استطعام كل شيء ويسمع الناس بها حلاوة منطقه " ، قال : فأخبرني عن الكلمة التي أولها كفر وآخرها إيمان ، فقال : إذا قال العبد : لا إله فقد كفر ، فإذا قال : إلا الله فهو إيمان ، ثم أقبل على أبي حنيفة فقال : يا نعمان حدثني أبي عن جدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال الله تعالى له : اسجد لآدم فقال : ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) . فمن قاس الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس ؛ لأنه اتبعه بالقياس " .

              زاد ابن شبرمة في حديثه : ثم قال جعفر : أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا ؟ قال :قتل النفس ، قال : فإن الله عز وجل قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلا أربعة ، ثم قال : أيهما أعظم الصلاة أم الصوم ؟ قال : الصلاة ، قال : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فكيف ويحك يقوم لك قياسك ؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك .

              [ ص: 198 ] حدثنا محمد بن عمر بن سلم ، ثنا الحسين بن عصمة ، ثنا أحمد بن عمرو بن المقدام الرازي ، قال : وقع الذباب على المنصور فذبه عنه ، فعاد فذبه حتى أضجره ، فدخل جعفر بن محمد عليه ، فقال له المنصور : يا أبا عبد الله لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبابرة .

              حدثنا أحمد بن جعفر بن سلم ، ثنا أحمد بن علي الأبار ، ثنا منصور بن أبي مزاحم ، ثنا عنبسة الخثعمي -فكان من الأخيار - قال : سمعت جعفر بن محمد يقول : إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب وتورث النفاق .

              حدثنا محمد بن أحمد بن محمد ، ثنا الحسن بن محمد ، ثنا أبو زرعة ، ثنا عبد الرحيم بن مطرف ، ثنا عمرو بن محمد ، عن شيخ لهم يكنى أبا عبد الله ، عن جعفر بن محمد ، قال : لما دخل معها البيت - يعني يوسف عليه السلام - كان في البيت صنم من ذهب - أو من غيره - فقالت : كما أنت حتى أغطي الصنم فإني أستحي منه ، فقال يوسف : هذه تستحي من الصنم فأنا أحق أن أستحي من الله تعالى ، قال : فكف عنها وتركها .

              حدثنا عبد الله بن محمد ، ثنا علي بن رستم ، قال : سمعت أبا مسعود يقول : قال جعفر بن محمد : إذا بلغك عن أخيك شيء يسوءك فلا تغتم ، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت ، وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم يعملها ، قال : وقال موسى : يا رب أسألك أن لا يذكرني أحد إلا بخير ، قال : ما فعلت ذلك لنفسي .

              حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن محمد بن عمر ، ثنا أبو بكر بن عبد الله ، ثنا الوليد بن شجاع ، ثنا إبراهيم بن أعين ، عن يحيى بن الفرات ، قال : قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري : لا يتم المعروف إلا بثلاثة : بتعجيله ، وتصغيره ، وستره .

              أسند جعفر بن محمد رضي الله عنه عن أبيه ، وعن عطاء بن أبي رباح ، وعكرمة ، وعبيد الله بن أبي رافع ، وعبد الرحمن بن القاسم ، وغيرهم .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية