الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
589 614 - حدثني ابن عياش : ثنا nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب بن أبي حمزة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، nindex.php?page=hadith&LINKID=650579أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( nindex.php?page=treesubj&link=22714_22724_30377من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آت محمدا الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ، حلت له شفاعتي يوم القيامة ) .
هذا مما تفرد [ به ] nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري دون nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم .
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وقال : حسن غريب من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16920ابن المنكدر ، لا نعلم أحدا رواه غير nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب بن أبي حمزة .
وذكر nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، قال : قد طعن في هذا الحديث ، وكان عرض nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب بن أبي حمزة على nindex.php?page=showalam&ids=16920ابن المنكدر كتابا ، فأمر بقراءته عليه ، فعرف بعضا وأنكر بعضا ، وقال لابنه - أو لابن أخيه - : اكتب هذه الأحاديث ، فدون nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب ذلك الكتاب ولم تثبت رواية nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب تلك الأحاديث على الناس ، وعرض علي بعض تلك الكتب [ فرأيتها مشابهة ] لحديث إسحاق بن أبي فروة ، وهذا الحديث من تلك الأحاديث . انتهى .
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، قال : نظرت في كتب nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب ، أخرجها إلي ابنه ، فإذا فيها من الصحة nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن والمشكل نحو هذا .
[ ص: 464 ] وقد روي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر من وجه آخر بلفظ فيه بعض مخالفة ، وهو يدل على أن لحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر أصلا .
خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من رواية nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة : ثنا nindex.php?page=showalam&ids=11862أبو الزبير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=931854 " من قال حين ينادي المنادي : اللهم ، رب هذه الدعوة التامة والصلاة النافعة ، صل على محمد وارض عنه رضا لا سخط بعده - استجاب الله دعوته " .
وقد روي في هذا المعنى nindex.php?page=treesubj&link=22714وسؤال الوسيلة عند سماع الأذان من حديث nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود - مرفوعا - وفي إسنادهما ضعف .
ومما يشهد له - أيضا - : حديث خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من طريق كعب بن علقمة ، عن عبد الرحمن بن جبير ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : nindex.php?page=hadith&LINKID=657585 ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا علي ؛ فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) .
وعبد الرحمن بن جبير هذا : مولى نافع بن عمرو القرشي المصري ، وظن بعضهم أنه ابن جبير بن نفير ، فوهم ، وقد فرق بينهما البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=11970وأبو حاتم الرازي وابنه .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، أن هذا nindex.php?page=treesubj&link=22724الدعاء يشرع عند سماع آخر الإقامة .
روى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة : ثنا nindex.php?page=showalam&ids=11820أبو الأحوص ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11988أبي حمزة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، قال : إذا قال المؤذن : ( قد قامت الصلاة ) ، فقل : اللهم ، رب هذه الدعوة [ ص: 465 ] التامة والصلاة القائمة ، أعط محمدا سؤله يوم القيامة . فلا يقولها رجل حين يقيم المؤذن إلا أدخله الله في شفاعة محمد يوم القيامة .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12769ابن السني في كتاب " عمل اليوم والليلة " من رواية عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ، عن عطاء بن قرة ، عن عبد الله بن ضمرة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أنه كان يقول إذا سمع المؤذن يقيم : اللهم رب هذه الدعوة التامة وهذه الصلاة القائمة ، صل على محمد وآته سؤله يوم القيامة .
وهذه الآثار تشهد للمنصوص عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أنه يدعو عند الإقامة ، كما سبق عنه .
وقوله : ( من قال حين يسمع النداء ) : ظاهره أنه يقول ذلك في حال سماع النداء ، قبل فراغه . ويحتمل أنه يريد به حين يفرغ من سماعه .
وحديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو صريح في أنه يسأل الوسيلة بعد إجابة المؤذن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وهذا هو الأظهر ؛ فإنه يشرع قبل جميع الدعاء تقديم الثناء على الله والصلاة على رسوله ، ثم يدعو بعد ذلك .
وقوله : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة ) .
والمراد بالدعوة التامة : دعوة الأذان ؛ فإنها دعاء إلى أشرف العبادات ، والقيام في مقام القرب والمناجاة ؛ فلذلك كانت دعوة تامة ، أي : كاملة لا نقص فيها ، بخلاف ما كانت دعوات أهل الجاهلية : إما إلى استنصار على عدو ، أو إلى نعي ميت ، أو إلى طعام ، ونحو ذلك مما هو ظاهره النقص والعيب .
وروى أبو عيسى الأسواري ، قال : كان nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر إذا سمع الأذان قال : اللهم رب هذه الدعوة المستجابة المستجاب لها ، دعوة الحق وكلمة التقوى ، [ ص: 466 ] فتوفني عليها ، وأحيني عليها ، واجعلني من صالح أهلها عملا يوم القيامة .
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - موقوفا - من وجوه أخر .
وروي عنه مرفوعا من وجه ضعيف .
قال nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني : الصحيح موقوف .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15549بقي بن مخلد nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم من حديث عفير بن معدان ، عن [ nindex.php?page=showalam&ids=16027سليم بن عامر ، عن ] nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=76132 ( إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء ، فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي إذا نادى ، فليقل مثل مقاله ، ثم ليقل : اللهم ، رب هذه الدعوة التامة الصادقة الحق المستجابة ، المستجاب لها ، دعوة الحق وكلمة التقوى ، أحينا عليها ، وأمتنا عليها ، وابعثنا عليها ، واجعلنا من خيار أهلها محيا ومماتا . ثم يسأل حاجته ) .
وعفير ، ضعيف جدا .
وقوله : ( والصلاة القائمة ) - أي : التي ستقوم وتحضر .
وقد خرج nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي حديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر ، ولفظه : nindex.php?page=hadith&LINKID=843620 ( اللهم إني أسألك بحق هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ) .
وهذا اللفظ لا إشكال فيه ؛ فإن الله سبحانه جعل لهذه الدعوة وللصلاة حقا كتبه على نفسه ، لا يخلفه لمن قام بهما من عباده ، فرجع الأمر إلى السؤال بصفات الله وكلماته .
ولهذا استدل nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد على أن القرآن ليس بمخلوق باستعاذة النبي - صلى الله عليه وسلم - بكلمات الله التامة ، وقال : إنما يستعاذ بالخالق لا بالمخلوق .
وأما رواية من روى : nindex.php?page=hadith&LINKID=650579 ( اللهم ، رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة ) ، كما [ ص: 467 ] هي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وغيرهما ، فيقال : كيف جعل هذه الدعوة مربوبة ، مع أن فيها كلمة التوحيد ، وهي من القرآن ، والقرآن غير مربوب ولا مخلوق ؟
وبهذا فرق من فرق من أهل السنة بين أفعال الإيمان وأقواله ، فقال : أقواله غير مخلوقة ، وأفعاله مخلوقة ؛ لأن أقواله كلها ترجع إلى القرآن ؟
وأجيب عن هذا بوجوه :
منها : أن المربوب هو الدعوة إلى الصلاة خاصة ، وهو قوله : ( حي على الصلاة ، حي على الفلاح ) ، وليس ذلك في القرآن ، ولم يرد به التكبير والتهليل . وفيه بعد .
ومنها : أن المربوب هو ثوابها . وفيه ضعف .
ومنها : أن هذه الكلمات من التهليل والتكبير هي من القرآن بوجه ، وليست منه بوجه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=700202 ( أفضل الكلام بعد القرآن أربع ، وهن من القرآن : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ) .
فهي من القرآن إذا وقعت في أثناء القرآن ، وليست منه إذا وقعت في كلام خارج عنه ، فيصح أن تكون الكلمات الواقعة من ذلك في ضمن ذلك مربوبة .
وقد كره nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد أن nindex.php?page=treesubj&link=22664_27215يؤذن الجنب ، وعلل بأن في الأذان كلمات من القرآن .
والظاهر : أن هذا على كراهة التنزيه دون التحريم .
ومن الأصحاب من حمله على التحريم ، وفيه نظر ؛ فإن الجنب لا يمنع من قول : " سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " على وجه الذكر ، دون التلاوة .
وسئل nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق عن nindex.php?page=treesubj&link=22714الجنب : يجيب المؤذن ؟ قال : نعم ؛ لأنه ليس بقرآن .
[ ص: 468 ] ومنها : أن nindex.php?page=treesubj&link=28657الرب ما يضاف إليه الشيء ، وإن لم يكن خلقا له ، كرب الدار ونحوه ، فالكلام يضاف إلى الله ؛ لأنه هو المتكلم به ، ومنه بدأ ، وإليه يعود ، فهذا بمعنى إضافته إلى [ ربوبية ] الله .
وقد صرح بهذا المعنى nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي ، وقال فيمن قال ( برب القرآن ) : إن لم يرد ما يريد الجهمية فلا بأس .
يعني : إذا لم يرد بربوبيته خلقه كما يريده الجهمية ، بل أراد إضافة الكلام إلى المتكلم به .
وقوله : ( آت محمدا الوسيلة ) ، قد تقدم حديث nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=665917 ( ثم سلوا الله لي الوسيلة ؛ فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ) .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=688126 ( سلوا الله لي الوسيلة ) . قالوا : يا رسول الله ، ما الوسيلة ؟ قال : ( أعلى درجة في الجنة ، لا ينالها إلا رجل واحد ، أرجو أن أكون أنا ) .
ولفظ nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : ( إذا صليتم علي فسلوا الله لي الوسيلة ) - وذكر باقيه .
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد من حديث nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=931855 ( الوسيلة درجة عند الله عز وجل ليس فوقها درجة ، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة ) .
وأما ( الفضيلة ) ، فالمراد - والله أعلم - : إظهار فضيلته على الخلق أجمعين يوم القيامة وبعده ، وإشهاد تفضيله عليهم في ذلك الموقف ، كما قال : ( أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ) ، ثم ذكر حديث الشفاعة .
[ ص: 469 ] وقوله : ( وابعثه مقاما محمودا ) ، هكذا في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهم .
وعزا بعضهم إلى nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، أنه رواه بلفظ : ( المقام المحمود ) بالتعريف ، وليس كذلك .
[ وكذلك ] وقعت هذه اللفظة بالألف واللام في بعض طرق روايات nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي في ( صحيحه ) .
ووجه الرواية المشهورة : أن ذلك متابعة للفظ القرآن ، فهو أولى ، وعلى هذا فلا يكون ( الذي وعدته ) صفة ؛ لأن النكرة لا توصف بالمعرفة وإن تخصصت ، وإنما تكون بدلا ، لأن البدل لا يشترط أن يطابق في التعريف والتنكير ، أو يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره : ( أعني : الذي وعدته ) ، أو يكون مرفوعا خبر مبتدأ محذوف ، أي ( هو الذي وعدته ) .
و : ( المقام المحمود ) : فسر بالشفاعة .
وقد روي ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهم .
وفسر : بأنه يدعى يوم القيامة ليكسى حلة خضراء ، فيقوم عن يمين العرش مقاما لا يقدمه أحد ، فيغبطه به الأولون والآخرون .
[ ص: 470 ] وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، ونحوه من حديث nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك - أيضا - وكذا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة - موقوفا ، ومرفوعا .
وهذا يكون قبل الشفاعة .
وفسره nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد وغيره بغير ذلك .
وقوله : ( حلت له شفاعتي ) . قيل : معناه نالته وحصلت له ووجبت .
وليس المراد بهذه الشفاعة : الشفاعة في فصل القضاء ؛ فإن تلك عامة لكل أحد . ولا الشفاعة في الخروج من النار ، ولا بد ؛ فإنه قد يقول ذلك من لا يدخل النار .
وإنما المراد - والله أعلم - : أنه يصير في عناية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحيث تتحتم له شفاعته ؛ فإن كان ممن يدخل النار بذنوبه شفع له [ في ] إخراجه منها ، أو في منعه من دخولها . وإن لم يكن من أهل النار فيشفع له في دخوله الجنة بغير حساب ، أو في رفع درجته في الجنة .
وقد سبقت الإشارة إلى أنواع شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في ( كتاب التيمم ) .