الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 458 ] باب صلاة الخوف .

                                                                                                                                            قال الشافعي رضي الله عنه : وإذا صلوا في سفر صلاة الخوف من عدو غير مأمون صلى الإمام بطائفة ركعة وطائفة وجاءة العدو ، فإذا فرغ منها قام فثبت قائما وأطال القيام وأتمت الطائفة الركعة التي بقيت عليها تقرأ بأم القرآن وسورة وتخفف ، ثم تسلم وتنصرف فتقف وجاء العدو وتأتي الطائفة الأخرى فيصلي بها الإمام الركعة الثانية التي بقيت عليه فيقرأ فيها بعد إتيانهم بأم القرآن وسورة قصيرة ويثبت جالسا وتقوم الطائفة فتتم لأنفسها الركعة التي بقيت عليها بأم القرآن وسورة قصيرة ثم تجلس مع الإمام قدر ما يعلمهم تشهدوا ثم يسلم بهم وقد صلت الطائفة جميعا مع الإمام وأخذت كل واحدة منهما مع إمامها ما أخذت الأخرى منه واحتج بقول الله تبارك وتعالى وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك [ النساء 102 ] الآية . واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل نحو ذلك يوم ذات الرقاع .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال : والأصل في صلاة الخوف : قوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك [ النساء : 152 ] الآية ، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه صلى صلاة الخوف في مواضع ذكرها أبو داود في كتابه عشر صلوات . والصحيح الثابت منها عند جماعة من الفقهاء منهم ثلاثة : وهي صلاته ب " ذات الرقاع " وصلاته ب " عسفان " وصلاته ب " بطن النخل " .

                                                                                                                                            فأما صلاته ب " ذات الرقاع " فرواها مالك وجماعة عن يزيد بن رومان عن صالح بن خوات عن أبيه أو قال عن سهل بن أبي حثمة .

                                                                                                                                            [ ص: 459 ] وأما صلاته بعسفان : فرواها جابر بن عبد الله ، وأما صلاته ببطن النخل فرواها الحسن بن أبي بكرة .

                                                                                                                                            فإذا ثبت هذا فصلاة الخوف جائزة للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن بعده من أمته ، وقال أبو يوسف ومحمد والمزني : صلاة الخوف مخصوصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته ، وهي اليوم منسوخة لا يجوز فعلها ؛ لأن الله تعالى خاطب رسوله صلى الله عليه وسلم فقال : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك [ النساء : 102 ] . فدل على تخصيصه بفعلها .

                                                                                                                                            والدلالة على جواز فعلها إلى اليوم ، فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله صلى الله عليه وسلم : صلوا كما رأيتموني أصلي .

                                                                                                                                            ولأن ذلك إجماع الصحابة رضي الله عنهم .

                                                                                                                                            روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه صلى الخوف بأصحابه ليلة الهرير في قتال أهل الشام " .

                                                                                                                                            وروي عن أبي موسى الأشعري أنه صلاها بأصحابه وروي عن حذيفة بن اليمان أنه صلاها بالناس بطبرستان وليس لهم في الصحابة مخالف .

                                                                                                                                            فأما قوله تعالى : وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة [ النساء : 102 ] . فهذا وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم مواجها بها ، فهو وسائر أمته شركاء في حكمه إلا أن يرد النص بتخصيصه كقوله تعالى : خالصة لك نظير ذلك قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة ، وقوله تعالى : ياأيها النبي إذا طلقتم النساء [ الطلاق : 1 ] . وقوله تعالى : ياأيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي [ التحريم : 11 ] . وقوله تعالى : ياأيها النبي اتق الله [ الأحزاب : 1 ] . فكان هو وأمته في ذلك سواء ، وإن كان هو المواجه به ، وكذلك قوله تعالى : وإذا كنت فيهم ولو ساغ لهذا القائل تأويله في الصلاة لساغ لأهل الردة في الزكاة وقد أجمعت الصحابة رضي الله عنهم على رد قولهم وإبطال تأويلهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية