الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( باب العيدين ) .

                                                                                        أي صلاة العيدين ، ولا خفاء في وجه المناسبة وسمي به لما أن لله - سبحانه وتعالى - فيه عوائد الإحسان إلى عباده أو ; لأنه يعود ويتكرر أو ; لأنه يعود بالفرح والسرور أو تفاؤلا بعوده على من أدركه كما سميت القافلة قافلة تفاؤلا بقفولها أي برجوعها وجمعه أعياد وكان حقه أعواد ; لأنه من العود ولكن جمع بالياء للزومها في الواحد أو للفرق بينه وبين عود الخشب فإنه يجمع على عيدان وعود اللهو فإنه يجمع على أعواد كما في العيني ، وكانت صلاة عيد الفطر في السنة الأولى من الهجرة كما رواه أبو داود مسندا إلى أنس رضي الله عنه قال { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر } ( قوله تجب صلاة العيد على من تجب عليه الجمعة بشرائطها سوى الخطبة ) تصريح بوجوبها ، وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة ، وهو الأصح كما في الهداية والمختار كما في الخلاصة ، وهو قول الأكثرين كما في المجتبى ويدل عليه من جهة الرواية قول محمد في الأصل ، ولا يصلي نافلة في جماعة إلا قيام رمضان وصلاة الكسوف فإنه لم يستثن العيد فعلم أنه ليس من النوافل ومن جهة الدليل مواظبته صلى الله عليه وسلم عليها من غير ترك ، وفي رواية أخرى أنها سنة لقول محمد في الجامع الصغير في العيدين يجتمعان في يوم واحد قال يشهدهما جميعا ولا يترك واحدا منهما والأولى منهما سنة والأخرى فريضة قال في غاية البيان وهذا أظهر ، ولم يعلله ، وهو كذلك لوجهين أحدهما أن الجامع الصغير صنفه بعد الأصل فما فيه هو المعول عليه وثانيهما أنه صرح بالسنة بخلاف ما في الأصل والظاهر أنه لا خلاف في الحقيقة ; لأن المراد من السنة السنة المؤكدة بدليل قوله ، ولا يترك واحدا منهما وكما صرح به في المبسوط ، وقد ذكرنا مرارا أنها بمنزلة الواجب عندنا ; ولهذا كان الأصح أنه يأثم بترك المؤكدة كالواجب ، وفي المجتبى الأصح أنها سنة مؤكدة وأفاد أن جميع شرائط الجمعة وجوبا وصحة شرائط للعيد إلا الخطبة فإنها ليست بشرط حتى لو لم يخطب أصلا صح وأساء لترك السنة ، ولو قدمها على الصلاة صحت وأساء ، ولا تعاد الصلاة [ ص: 171 ] وبه اندفع ما في السراج الوهاج من أن المملوك تجب عليه العيد إذا أذن له مولاه ، ولا تجب عليه الجمعة ; لأن الجمعة لها بدل ، وهو الظهر ، وليس كذلك العيد فإنه لا بدل له ; لأن منافعه لا تصير مملوكة له بالإذن فحاله بعد الإذن كحاله قبله ، وفي القنية صلاة العيد في الرساتيق تكره كراهة تحريم ا هـ ; لأنه اشتغال بما لا يصح ; لأن المصر شرط الصحة .

                                                                                        [ ص: 170 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 170 ] ( باب العيدين ) .

                                                                                        ( قوله : وهو كذلك لوجهين ) قال في النهر فيه نظر ، أما أولا فلأن الجامع وإن صنف بعد إلا أن قوله ولا يترك واحدا منهما يدل على الوجوب إذ مثل هذا الكلام في الرواية يذكر في الواجب غالبا كما في المعراج وأما ثانيا فلأنه صرح في الأصل في موضع آخر بالوجوب ففي المجتبى ذكر محمد في الأصل أرأيت العيدين هل يجب الخروج فيهما على أهل القرى والجبال والسواد قال إنما يجب على الأمصار والمدائن فنص على الوجوب . ا هـ .

                                                                                        وبهذا يستغنى عما مر من أن في الأصل ما يدل على الوجوب ، وفي البدائع وتأويل ما في الجامع أنها وجبت بالسنة أو هي سنة مؤكدة ، وأنها في معنى الواجب على أن إطلاق اسم السنة لا ينفي الوجوب بعد قيام الدليل على وجوبها وذكر أبو موسى الضرير في مختصره أنها فرض كفاية والصحيح أنها واجبة . ا هـ .

                                                                                        وقيل في المسألة روايتان كذا في الظهيرية ( قوله أحدهما أن الجامع الصغير إلخ ) قال في النهر فائدة سمى الأصل أصلا ; لأنه صنف أولا ثم الجامع الصغير ثم الكبير ثم الزيادات كذا في غاية البيان وذكر الحلبي في بحث التسميع أن محمدا قرأ على أبي يوسف إلا ما كان فيه اسم الكبير كالمضاربة الكبير والمزارعة الكبير والمأذون الكبير والسير الكبير ، وفي عقد الفوائد أن السير الكبير هو آخر تأليف محمد رحمه الله تعالى ( قوله فإنها ليست بشرط ) أي بل سنة ; لأنها تؤدى بعد الصلاة وشرط الشيء يسبقه أو يقارنه كذا في النهر قال : وتأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد سنة كذا في الظهيرية وهذا يقتضي أنه لو خطب قبلها كان آتيا بأصلها وفيه توقف إذ لم ينقل قال الشيخ إسماعيل ، وليس بصحيح لجواز المتقدمة وعدم إعادتها كما وقع بهما التصريح [ ص: 171 ] ( قوله وبه اندفع ما في السراج ) أي بما أفاده المصنف أن جميع شرائط الجمعة وجوبا وصحة شرائط للعيد ومن جملتها الحرية فلا تجب العيد أيضا ، وإن أذن له كالجمعة لكن قد نقل في الجمعة عن السراج أن الجمعة تجب عليه وقال بعضهم يتخير .




                                                                                        الخدمات العلمية