الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون ) لما ذكر تعالى أن صراطه مستقيم ، ونهى عن اتباع السبل ، وذكر موسى - عليه السلام - وما أنزل عليه ، وذكر القرآن وأمر باتباعه ، وذكر ما ينتظر الكفار مما هو كائن بهم ، انتقل إلى ذكر من اتبع السبل فتفرقت به عن سبيل الله ، لينبه المؤمنين على الائتلاف على الدين القويم ، ولئلا يختلفوا كما اختلف من قبلهم من الأمم بعد أن كانوا متفقين على الشرائع التي بعث أنبياؤهم بها ، والذين فرقوا دينهم الحرورية أو أهل الضلالة من هذه الأمة أو أصحاب البدع أو الأهواء منهم ، وهو قول الأحوص وأم سلمة ، أو اليهود أو هم والنصارى ، وهو قول ابن عباس والضحاك وقتادة ، أي : فرقوا دين إبراهيم الحنيف ، أو هم مشركو العرب أو الكفار وأهل البدع ، أقوال ستة . وافتراق النصارى إلى ملكية ويعقوبية ونسطورية ، وتشعبوا إلى اثنين وسبعين فرقة ، وافتراق اليهود إلى موسوية وهارونية وداودية وسامرية ، وتشعبوا إلى اثنين وسبعين فرقة ، وافتراق هذه الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا من كان على ما عليه الرسول وأصحابه . وقيل : معنى ( فرقوا دينهم ) آمنوا ببعض وكفروا ببعض ، وأضاف الدين إليهم من حيث كان ينبغي أن يلتزموه ، إذ هو دين الله الذي ألزمه العباد ، فهو دين جميع الناس بهذا الوجه . وقرأ علي والأخوان : ( فارقوا ) هنا ، وفي الروم بألف ، ومعناها قريب من قراءة باقي السبعة بالتشديد ، تقول : ضاعف وضعف . وقيل : تركوه وباينوه ، ومن فرق دينه فآمن ببعض وكفر ببعض فقد فارق دينه المطلوب منه . وقرأ إبراهيم والأعمش وأبو صالح : ( فرقوا ) بتخفيف الراء . ( وكانوا شيعا ) أي : أحزابا كل منهم تابع لشخص لا يتعداه . ( لست منهم في شيء ) أي : لست من تفريق دينهم أو من عقابهم أو من قتالهم ، أو هو إخبار عن المباينة التامة والمباعدة ، كقول النابغة :


إذا حاولت في أسد فجورا فإني لست منك ولست مني



احتمالات أربعة . وقال ابن عطية : أي لا تشفع لهم ، ولا لهم بك تعلق ، وهذا على الإطلاق في الكفار ، وعلى جهة المبالغة في العصاة والمتنطعين في الشرع ، إذ لهم حظ من تفريق الدين ، ولما نفى كونه منهم في شيء حصر مرجع أمرهم من هلاك أو استقامة إليه تعالى ، وأخبر أنه مجازيهم بأفعالهم ، وذلك وعيد شديد لهم . وقال السدي : هذه آية لم يؤمر فيها بقتال ، وهي منسوخة بالقتال . قال ابن عطية : وهذا كلام غير متقن ، فإن الآية خبر لا يدخله نسخ ، ولكنها تضمنت بالمعنى أمرا بموادعة ، فيشبه أن يقال : إن [ ص: 261 ] النسخ وقع في ذلك المعنى الذي قد تقرر في آيات أخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية