الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                          [ ص: 385 ] باب زكاة الفطر

                                                                                                                          وهي واجبة على كل مسلم يلزمه مؤنة ناسه ، إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع وإن كان مكاتبا ، وإن فضل بعض صاع ، فهل يلزمه إخراجه ؛ على روايتين .

                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                          باب زكاة الفطر

                                                                                                                          هو اسم مصدر من قولك : أفطر الصائم إفطارا ، وأضيفت إلى الفطر ؛ لأنها تجب به ، فهو من إضافة الشيء إلى سببه ، والفطرة : الخلقة ؛ لقوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها [ الروم : 30 ] ، وهذه يراد بها الصدقة عن البدن والنفس ، وبضم الفاء كلمة مولدة ، وقد زعم بعضهم أنه مما يلحن فيهما العامة ، وليست كذلك لاستعمال الفقهاء لها ( وهي واجبة ) قال إسحاق : هو كإجماع ؛ لقوله تعالى : قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى [ الأعلى : 15 ] قال سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز : إنها زكاة الفطر . ورد بقول ابن عباس : إن المراد أنها تطهر من الشرك ، والسورة مكية ، ولم يكن بها زكاة ولا عيد ، والمعتمد عليه ما روى ابن عمر قال : " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، على العبد ، والحر ، والذكر ، والأنثى ، والصغير ، والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة " متفق عليه ، ولفظه للبخاري ، ودعوى أن فرض بمعنى : قدر مردود بأن كلام الراوي لا يحمل إلا على الموضوع الشرعي ، بدليل الأمر بها في " الصحيح " - أيضا - من حديثه ، ويسمى فرضا على الأصح لقول جمهور الصحابة ، وعنه : لا ، وفيه رواية المضمضة . وذهب الأصم وابن علية وجماعة أنها سنة مؤكدة لما روى أحمد عن قيس بن سعد قال : " أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، فلما نزلت الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ، ونحن نفعله " إسناده جيد [ ص: 386 ] ولا حجة لهم فيه ؛ لأنه يجب استصحاب الأمر السابق مع عدم المانع والمعارض ، وقد فرضها الشارع وأمر بها ، والظاهر أن فرضها مع رمضان من السنة الثانية من الهجرة ( على كل مسلم ) وهو شامل للكبير والصغير ، والذكر والأنثى ، والحر والعبد ؛ لأن لفظة كل إذا أضيفت إلى نكرة فيقضي عموم الأفراد ، فعلى هذا تجب في مال اليتيم ، نص عليه ، فخرج الكافر مطلقا ؛ لأن من شرطها النية ، ولا تصح منه ، لكن يستثنى منه ما إذا هل شوال على عبد مسلم لكافر ، فالأظهر وجوبها على الكافر ، وقيل : لا يجب على غير مخاطب بالصوم ، وعنه رواية مخرجة : تجب على مرتد ، ولا فرق بين أهل البوادي وغيرهم ( يلزمه مؤنة نفسه ) لقوله - عليه السلام - : " أدوا الفطرة عمن تمونون " وهو دال على عدم وجوبها على من لا يمون نفسه ؛ لأنه خاطب بالوجوب غيره ، ولو وجب عليه لخاطبه به كسائر من تجب عليه ( إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع ) ؛ لأن ذلك أهم فيجب تقديمه ؛ لقوله - عليه السلام - : " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول " وظاهره أنه لا يعتبر لوجوبها ملك نصاب ، وقاله الأكثر ( وإن كان مكاتبا ) فيجب عليه لدخوله في عموم النص ؛ ولأنه مسلم تلزمه نفقته ، فلزمه فطرته كالحر ، لا على سيده ( وإن فضل بعض صاع فهل يلزمه إخراجه ) عن نفسه ؛ ( على روايتين ) وكذا أطلقهما في " الفروع " ، وقال : الترجيح مختلف ، إحداهما : يجب ، قدمه في " المحرر " ؛ لقوله - عليه السلام - : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " ولأنها طهرة فهي كالطهارة بالماء ، والثانية : لا يلزمه ، اختارها ابن عقيل ، وهي ظاهر الخرقي ، و " الوجيز " كالكفارة ، والفرق أن الكفارة لها بدل ، ويعتبر كون ذلك كله بعد ما يحتاجه لنفسه أو لمن تلزمه مؤنته من سكن وعبد ودابة [ ص: 387 ] وثياب بذلة ، وقال ابن حمدان : المذهب أنه لا يعتبر ، وجزم المؤلف : أو له كتب يحتاجها للنظر والحفظ ، أو للمرأة حلي للبس وهي تحتاجه .




                                                                                                                          الخدمات العلمية