الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      صفحة جزء

      وأنه يجيء يوم الفصل كما يشاء للقضاء العدل



      قال الله تبارك وتعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ) ، ( البقرة : 90 ) ، وقال تبارك وتعالى : ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك ) ، ( الأنعام : 158 ) ، وقال تعالى : ( ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ) ، ( الفرقان : 25 ) ، وقال تعالى : ( كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا ) ، ( الفجر : 21 - 22 ) ، وقال تعالى : ( وأشرقت الأرض بنور ربها ) ( الزمر : 69 ) .

      وفي حديث الصور المشهور الذي ساقه غير واحد من أصحاب المسانيد ، وغيرهم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفيه : إن الناس إذا اهتموا لموقفهم في العرصات ، تشفعوا إلى ربهم بالأنبياء واحدا واحدا ، من آدم فمن بعده ، فكلهم يحيد عنها حتى ينتهوا إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاءوا إليه ، قال : أنا لها أنا لها ، فيذهب فيسجد لله - تعالى - تحت العرش ، ويشفع عند الله في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد ، فيشفعه الله ويأتي في ظلل من الغمام بعدما تنشق السماء الدنيا ، وينزل من فيها من الملائكة ، ثم الثانية ثم الثالثة إلى السابعة ، وينزل حملة العرش والكروبيون ، قال : وينزل الجبار - عز وجل - في ظلل من الغمام ولهم زجل من تسبيحهم ، يقولون : سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان ذي العزة [ ص: 304 ] والجبروت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت ، سبوح قدوس رب الملائكة والروح ، سبوح قدوس سبحان ربنا الأعلى ، سبحان ذي السلطة والعظمة ، سبحانه سبحانه أبدا أبدا . وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم أربعين سنة ، شاخصة أبصارهم إلى السماء ، ينتظرون فصل القضاء ، وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي . رواه ابن منده ، وقال الذهبي : إسناده حسن .

      وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كان يوم القيامة ، نزل الرب إلى العباد . رواه مسلم . وعن أسماء بنت يزيد - رضي الله عنها - قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : يهبط الرب - تعالى - من السماء السابعة إلى المقام الذي هو قائمه ، ثم يخرج عنق من النار فيظل الخلائق كلهم ، فيقول : أمرت بكل جبار عنيد ، ومن زعم أنه عزيز كريم ، ومن دعا مع الله إلها آخر . رواه أبو أحمد العسال في كتاب السنة . وفي الصحيحين من حديث الشفاعة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وفيه : يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه ، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها شافعوها ، أو منافقوها ، شك إبراهيم - يعني ابن سعد الراوي ، عن ابن شهاب - فيأتيهم الله [ ص: 305 ] تعالى فيقول : أنا ربكم . فيقولون : هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه ، ويضرب الصراط بين ظهري جهنم . وذكر الحديث بطوله . ولهما نحوه من حديث أبي سعيد ، وفيه : حتى يبقى من كان يعبد الله من بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يحبسكم وقد ذهب الناس ؟ فيقولون : فارقناهم ، ونحن أحوج منا إليهم اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ، وإنما ننتظر ربنا ، قال : فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فلا يكلمه إلا الأنبياء . فيقول : هل بينكم وبينه آية تعرفونه ؟ فيقولون : الساق ، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد لله رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد ، فيعود ظهره طبقا واحدا . وذكر الحديث ، والأحاديث في هذا كثيرة . قال الذهبي رحمه الله تعالى : أحاديث نزول الباري متواترة ، قد سقت طرقها ، وتكلمت عليها بما أسأل عنه يوم القيامة .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية