الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون .

                                                                                                                                                                                                                                      أولا يعلمون ؛ فإنه إلى آخره تجهيل لهم من جهته (تعالى)؛ فيما حكى عنهم؛ فيكون إيراد خطاب المؤمنين في أثنائه من قبيل الفصل بين الشجر ولحائه؛ على أن في تخصيص الخطاب بالمؤمنين من التعسف؛ وفي تعميمه للنبي - صلى الله عليه وسلم - أيضا؛ كما في "أفتطمعون" من سوء الأدب ما لا يخفى؛ والهمزة للإنكار؛ والتوبيخ؛ كما قبلها؛ والواو للعطف على مقدر ينساق إليه الذهن؛ والضمير للموبخين؛ أي: أيلومونهم على التحديث المذكور؛ مخافة المحاجة؛ ولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون ؟ أي: يسرونه فيما بينهم من المؤمنين؛ أو ما يضمرونه في قلوبهم؛ فيثبت الحكم في ذلك بالطريق الأولى؛ وما يعلنون ؛ أي: يظهرونه للمؤمنين؛ أو لأصحابهم؛ حسبما سبق؛ فحينئذ يظهر الله (تعالى) ما أرادوا إخفاءه؛ بواسطة الوحي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فتحصل المحاجة؛ ويقع التبكيت؛ كما وقع في آية الرجم؛ وتحريم بعض المحرمات عليهم؛ فأي فائدة في اللوم؛ والعتاب؟ ومن ههنا تبين أن المحذور عندهم هو المحاجة بما فتح الله (تعالى) عليهم؛ وهي حاصلة في الدارين؛ حدثوا به؛ أم لا؛ لا بالتحديث به؛ حتى يندفع بالإخفاء؛ وقيل: الضمير للمنافقين فقط؛ أو لهم وللموبخين؛ أو لآبائهم المحرفين؛ أي: أيفعلون ما يفعلون ولا يعلمون أن الله (تعالى) يعلم جميع ما يسرون وما يعلنون؛ ومن جملته إسرارهم الكفر؛ وإظهارهم الإيمان؛ وإخفاء ما فتح الله (تعالى) عليهم؛ وإظهار غيره؛ وكتم أمر الله (تعالى)؛ وإظهار ما أظهروه افتراء؟ وإنما قدم الإسرار على الإعلان للإيذان بافتضاحهم؛ ووقوع ما يحذرونه من أول الأمر؛ والمبالغة في بيان شمول علمه المحيط لجميع المعلومات؛ كأن علمه بما يسرونه أقدم منه بما يعلنونه؛ مع كونهما في الحقيقة على السوية؛ فإن علمه (تعالى) بمعلوماته ليس بطريق حصول صورها؛ بل وجود كل شيء في نفسه علم بالنسبة إليه (تعالى)؛ وفي [ ص: 119 ]

                                                                                                                                                                                                                                      هذا المعنى لا يختلف الحال بين الأشياء البارزة والكامنة؛ ونظيره قوله - عز وعلا -: قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ؛ حيث قدم فيه الإخفاء على الإبداء؛ لما ذكر من السر؛ على عكس ما وقع في قوله (تعالى): وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ؛ فإن الأصل في تعلق المحاسبة به هو الأمور البادية؛ دون الخافية؛ ويجوز أن يكون ذلك باعتبار أن مرتبة السر متقدمة على مرتبة العلن؛ إذ ما من شيء يعلن إلا وهو - أو مباديه؛ قبل ذلك - مضمر في القلب؛ يتعلق به الإسرار غالبا؛ فتعلق علمه (تعالى) بحالته الأولى متقدم على تعلقه بحالته الثانية.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية