الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة الثامنة ) في الجواهر أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار وهو تعليق التعليق فإن كلمت زيدا أولا تعلق طلاقها بالدخول لأنه شرط في اعتبار الشرط الأول قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب : هذا يسميه أهل النحو اعتراض الشرط على الشرط فإن دخلت الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه وإن قال : إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد بالعطية وشرط في العطية السؤال وكان معناه إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق ووافقه الغزالي على ذلك في الوسيط ولم يحكيا خلافا وذكر إمام الحرمين المسألة في النهاية واختار مذهبنا وأن التعليق مع عدم الواو يكون كالعطف بالواو وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم تطلق وإن عكسها المتقدم متأخر والمتأخر متقدم طلقت ولم أر هذا لأصحابنا بل ما تقدم وفي المسألة غور بعيد مبني على قاعدتين يظهر منهما مذهب الشافعي فنذكرهما ونذكر ما وقع في القرآن الكريم من ذلك وفي كلام العرب ليتضح الحق في هذه المسألة فهي من أطاريف المسائل : القاعدة الأولى من الشروط اللغوية [ ص: 82 ] أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم فإن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق يلزم من دخولها الدار الطلاق ومن عدم دخولها عدم الطلاق وهذا هو حقيقة السبب كما تقدم بيانه بخلاف الشروط العقلية كالحياة مع العلم .

والشرعية كالطهارة مع الصلاة والعادية كنصب السلم مع صعود السطح لا يلزم من وجودها شيء ويلزم من عدمها العدم فالحي قد يعلم وقد لا يعلم والمتطهر قد تصح صلاته وقد لا تصح وإذا نصب السلم فقد يصعد للسطح وقد لا يصعد نعم يلزم من عدم هذه الشروط عدم هذه المشروطات .

وإذا تقرر أن الشروط اللغوية أسباب فنقول : القاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال وإذا تقررت القاعدتان فنقول : إذا قال إن كلمت زيدا إن دخلت الدار معناه عند الشافعية أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني قد جعلت سبب اعتباره والشرط فيه دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل سبب اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع بعد سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال هذا مدركهم وهو مدرك حسن وأصحابنا وإمام الحرمين يلاحظ أنا أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر وكذلك عند عدمه لأن الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في معنى حرف العطف كقولنا جاء زيد جاء عمرو وسيأتي في الاستشهاد ما يعضد ذلك .

فهذا سر فقه الفريقين وأما ما يشهد لهم من القرآن الكريم فقوله تعالى في سورة هود { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون } فإرادة الله تعالى متقدمة على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك فهذه الآية تشهد لمذهب الشافعي رضي الله عنه وقوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } فالظاهر أن إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متأخرة عن هبتها فإنها تجري مجرى القبول في العقود وهبتها لنفسها إيجاب كما تقول : من وهبك شيئا للمكافأة لزمك أن تكافئه عليه إن أردت قبول تلك الهبة ويحتمل أن تكون إرادة رسول الله صلى الله عليه وسلم متقدمة وإذا فهمت المرأة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقصد ذلك منها وهبت نفسها له فهذه الآية محتملة للمذهبين وهي ظاهرة في مذهب مالك وإمام الحرمين وأما الشعر فقول ابن دريد :

فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا

.

[ ص: 83 ] ومعلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأولى فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا كما قاله الشافعية وكذلك أنشد ابن مالك النحوي في هذا الباب :

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا     منا معاقل عز زانها كرم

والاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم لفظا متأخر معنى فالبيتان يشهدان للشافعية .

ولو قال القائل : إن تتجر إن تربح في تجارتك فتصدق بدينار لكان كلاما عربيا مع أن المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع وكذلك إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل لها الزواج فالمتقدم لفظا متقدم في الوقوع ولما كانت المواد تختلف في ذلك والجميع كلام عربي جعله مالك سواء لأن الأصل عدم سببية الثاني في الأول بل الثاني لا بد منه في وقوع ذلك المشروط تقدم أو تأخر .

( فائدة ) قال ابن مالك في شرح مقدمته لما ذكر هذه المادة وهي اعتراض الشرط على الشرط قال : الشرط الثاني لا جواب له وإنما الجواب للأول خاصة والثاني جرى مع الأول مجرى الفضلة والتتمة كالحال وغيرها من الفضلات وصدق رحمه الله فإن هذا الشرط الثاني إنما اعتباره في الأول لا في الطلاق الذي جعل مشروطا فذكر الشرط الأول سد مسد جوابه .

( فائدة ) فإن نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فعلى رأي الشافعية لا بد أن ينعكس هذا العدد كله على ترتيبه كما تقدم في السؤال والوعد والعطية لأن العاشر سبب في التاسع فيقع قبله والتاسع سبب في الثامن فيقع قبله والثامن سبب في السابع فيقع قبله وكذلك البقية فلا بد أن يكون وقوعها هكذا العاشر ثم التاسع ثم الثامن ثم السابع ثم السادس ثم الخامس إلى الأول فيقع آخرا ومتى اختل ذلك في الوقوع اختل المشروط وعلى رأي المالكية لا بد من وقوع الجميع كيفما وقعت يقع .

التالي السابق


حاشية ابن الشاط

قال : شهاب الدين ( المسألة الثامنة في الجواهر أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار وهو تعليق التعليق فإن كلمت زيدا أولا تعلق طلاقها بالدخول لأنه شرط في اعتبار الشرط الأول إلى قوله من أطاريف المسائل )

قلت : ما قاله نقل أو وعد فلا كلام فيه قال : ( القاعدة الأولى أن الشروط اللغوية [ ص: 82 ] أسباب إلى آخر قوله وعلى رأي المالكية لا بد من وقوع الجميع كيفما وقعت يقع ) قلت : مذهب المالكية هو الصحيح وما احتج به للشافعية لا حجة فيه فإن كان ما ذكره من دلالة الآية والبيتين وهو قوله تعالى { ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم } وقول الشاعر :

فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا

[ ص: 83 ] وقول الآخر :

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم

.

قلت ليس كون المتأخر فيها متقدما من مقتضى اللفظ بل من ضرورة الوجود فغاية ما في ذلك جواز أن يتقدم في اللفظ ما هو متأخر في الوجود وكون الذعر سببا في الاستغاثة ليس من مقتضى اللفظ وقد ثبت في قوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } أن مثل هذا يجيء في المحتمل للتقدم والتأخر ولا مانع من تسويغ قول القائل إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل نكاحها فظهر أن مثل هذا سائغ على كل وجه فالقول قول إمام الحرمين والمالكية والله أعلم .



حاشية ابن حسين المكي المالكي

( المسألة الثامنة ) لتعدد الشرط اللغوي مع اتحاد الجواب ثلاثة أقسام : القسم الأول تعدده كذلك بدون عطف مع تكرر حرف الشرط ويسميه الفقهاء تعليق التعليق والنحاة اعتراض الشرط على الشرط وقد أفرد بالتأليف نحو أنت طالق إن كلمت زيدا إن دخلت الدار وهو يحتمل كما قال ابن الحاجب أربعة أوجه : الوجه الأول أن يجعل الجواب لهما معا ولا سبيل إليه لما يلزم من اجتماع عاملين على معمول واحد ، الوجه الثاني أن لا يجعل جوابا لواحد منهما ولا سبيل إليه لما يلزم من الإتيان بما لا دخل له في الكلام وترك ما له دخل وهو عبث ، الوجه الثالث أن يجعل جوابا للثاني دون الأول ولا سبيل إليه لأنه يلزم أن يكون الثاني وجوابه جوابا للأول وحينئذ يلزم الإتيان بالفاء الرابطة ولا فاء ، الوجه الرابع وهو المتعين أن يكون جوابا للأول وهو وجوابه دليل جواب الثاني وهو رأي الفراء واقتصر في المغني وابن مالك في التسهيل عليه .

وذكر ابن هشام النحوي في حواشي الألفية عن الفراء أنه سأل الفقهاء عن هذه المسألة فاختلفوا عليه فقال بعضهم : لا تطلق إلا بوقوع الشرطين مرتين كترتيبهما في الذكر وقيل بشرط انعكاس الترتيب وقيل : تطلق بهما مطلقا وقيل بوقوع أي شرط كان واختار الفراء الثاني ووجهه بالوجه [ ص: 92 ] الرابع الذي رآه والحق أن الوجه الرابع يصلح توجيها لكل من القول الثاني وهو مذهب الشافعي والقول الثالث وهو مذهب الإمام مالك واختاره إمام الحرمين من الشافعية وذلك لأن مذهب الشافعي مبني على أن استقبال الفعل الأول باعتبار زمن الثاني لتوقفه عليه ومذهبنا مبني على أن استقبال كل من الفعلين باعتبار زمن التكلم وهو الظاهر لأن المتوقف على الثاني إنما هو لزوم حكم التعليق لا المعلق عليه كما في البناني على عبق .

وضابط مذهب الشافعي أن الشروط إن وقعت كما نطق بها لم تطلق وأن عكسها المتقدم متأخر والمتأخر متقدم طلقت قال الشيخ أبو إسحاق في المهذب في المثال المار : إن دخلت الدار ثم كلمت زيدا طلقت وإن كلمت زيدا أولا ثم دخلت الدار لم تطلق لأنه جعل دخول الدار شرطا في كلام زيد فوجب تقديمه عليه وإن قال : إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطاء لأنه شرط في الوعد العطية وشرط في العطية السؤال وكان معناه إن سألتني فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وافقه الغزالي على ذلك في الوسيط ولم يحكيا خلافا وعليه إذا نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر فلا بد في لزوم الطلاق من أن يقع العاشر أولا ثم التاسع إلى الأول فيقع آخرا لأن العاشر سبب في التاسع فيقع قبله وهكذا ومتى اختل ذلك في الوقوع اختل المشروط فلا يقع ومدركهم قاعدتان الأولى أن الشروط اللغوية أسباب يلزم من وجودها الوجود ومن عدمها العدم .

والقاعدة الثانية أن تقدم المسبب على سببه لا يعتبر كالصلاة قبل الزوال فإذا قال : إن كلمت زيدا إن دخلت الدار فمعناه عندهم أني جعلت كلام زيد سبب طلاقك وشرطه اللغوي غير أني قد جعلت سبب اعتباره والشرط فيه دخول الدار فإن وقع الكلام أولا فلا تطلق به لأنه وقع قبل سبب اعتباره فيلغى كالصلاة قبل الزوال فلا بد من إيقاعه بعد دخول الدار حتى يقع بعد سببه فيعتبر كالصلاة بعد الزوال .

ويشهد لمذهبهم من القرآن قوله تعالى في سورة هود { ولا ينفعكم [ ص: 93 ] نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون } فإن إرادة الله تعالى متقدمة على إرادة البشر من الأنبياء وغيرهم فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا ولا يمكن خلاف ذلك ومن الشعر قول ابن دريد :

فإن عثرت بعدها إن والت نفسي من هاتا فقولا لا لعا

وقول الشاعر :

إن تستغيثوا بنا إن تذعروا تجدوا منا معاقل عز زانها كرم

إذ معلوم أن العثور مرة ثانية إنما يكون بعد الخلوص من الأول فالمتقدم لفظا متأخر وقوعا وأن الاستغاثة إنما تكون بعد الذعر فالمتقدم لفظا متأخر معنى وضابط مذهبنا وإمام الحرمين أن الشروط إذا وقعت معا على ترتيبها في التعليق أو على عكسه طلقت قال خليل في مختصره : وإن قال : إن كلمت إن دخلت لم تطلق إلا بهما قال عبق أي معا على ترتيبهما في التعليق أو على عكسه ا هـ فإذا قال : إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق طلقت بوجود الثلاثة على الترتيب أو على عكسه وإذا نسق هذا النسق عشرة شروط فأكثر طلقت بوقوع الجميع على الترتيب أو على عكسه ومدرك أصحابنا وإمام الحرمين أنا أجمعنا على أن المعطوف بالواو يستوي الحال فيه تقدم أو تأخر فكذلك عند عدمه لأن الإنسان قد يعطف الكلام بعضه على بعض من غير حرف عطف ويكون في معنى حرف العطف كقولنا جاء زيد جاء عمرو وأن الربط بين الشروط اللغوية ومشروطاتها وضعي كما سبق التنبيه عليه فصفة الربط من تقدم أو تأخر أو معية كذلك وضعي والأمور الوضعية يجوز تبدلها وتبدل أوصافها بحسب قصد الواضع لها فافهم . قالوا : وما احتج به الشافعية لا حجة فيه إذ ليس كون المتأخر في الآية والبيتين متقدما من مقتضى اللفظ بل هو من ضرورة الوجود ألا ترى أن كون الذعر سببا في الاستغاثة ليس من مقتضى اللفظ فغاية ما في ذلك جواز أن يتقدم في اللفظ ما هو متأخر في الوجود وقد ثبت في قوله تعالى [ ص: 94 ] { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها } أن مثل هذا يجيء في المحتمل للتقدم والتأخر وأيضا لا مانع من تسويغ قول القائل إن طلقت المرأة إن انقضت عدتها حل نكاحها وقوله إن تتجر إن تربح في تجارتك تصدق بدينار وأنه كلام عربي مع أن المتقدم في اللفظ متقدم في الوقوع فظهر أن مثل هذا سائغ على كل وجه فالقول قول إمام الحرمين والمالكية قال الأمير في شرح مجموعه وضوء شموعه فإن الاتصاف احتمال العكس أي إن كلمت فإن دخلت الدار فأنت طالق والحالف لا يلزم أن يراعي العربية ويأتي بالفاء على أن الفاء قد تحذف فاحتيط أي بأعمال كل من الاحتمالين ا هـ والله أعلم .

القسم الثاني تعدد الشرط اللغوي كذلك بالعطف بالواو مع تكرر حرف الشرط أو مع عدم تكرره ففي نحو إن أكلت وإن لبست فأنت طالق يلزمه طلقة واحدة إذا وقع كل من الأكل أو اللبس قبل صاحبه أو معه بل ولو انفرد واحد منهما لأن تكرر حرف الشرط يدل على استقلال كل واحد بالشرطية وحرف الشرط وإن تكرر مع الفعلين إلا أنه لا يلزم أن يكون لكل واحد منهما جزاء فتطلق بكل واحد منهما طلقة كما قاله أبو إسحاق في المهذب إذ القاعدة أن التشريك بالعاطف أصل المعنى دون متعلقاته وظروفه وأحواله .

فإذا قلت : مررت بزيد قائما أو يوم الجمعة أو أمامك وعمرو لم يلزم تشريك عمرو إلا في أصل المرور وإذا قلت : اشتريت هذا الثوب بدرهم والفرس لم يلزم الاشتراك في الدرهم لأنه متعلق بل في أصل الفعل ومقتضى هذه القاعدة أن التشريك هنا في أصل الشرطية دون ما بعده من المتعلقات فالتزام التشريك في الجميع التزام لما لا يلزم نعم يمكن أن يقال : يحتمل قصد تعدد الجواب واختصاره لفظا فيكون بمنزلة من طلق وشك في العدد فيحمل على الثلاث احتياطا وفي نحو إن أكلت ولبست فأنت طالق لا يلزم الطلاق إلا بمجموع الفعلين بلا ترتيب بينهما باتفاق الفرق بل أيهما وقع قبل صاحبه اعتبر ولا بد من وقوع الآخر [ ص: 95 ] بعده فإنهما معا جعلا شرطين في الطلاق ولم يجعل أحدهما شرطا في الآخر القسم الثالث تعدد الشرط اللغوي كذلك بالعطف بغير الواو ومع عدم تكرر حرف الشرط في الفاء وثم وأو ومع تكرره في حتى وبل ولا ولكن وأما ففي نحو إن أكلت فلبست أو ثم لبست فأنت طالق يلزمه الطلاق بفعلهما على ترتيبهما في اللفظ وكذلك في إن أكلت حتى لبست فأنت طالق يقتضي اللفظ تأخير اللبس مع تكرر الأكل قبله لأن القاعدة أن المغيا لا بد أن يثبت قبل الغاية ويتكرر إليها وفي نحو : إن أكلت بل إن لبست فأنت طالق لا يلزمه الطلاق إلا باللبس لأنه هو الشرط وحده .

وأما الأكل فقد ألغيت شرطيته بالإضراب عنه ببل وكذلك في نحو إن لم تأكلي لكن إن لبست فأنت طالق الشرط هو الثاني وحده .

وقد ألغي الأول بلكن لأنها للاستدراك وفي نحو إن أكلت لا إن لبست فأنت طالق لا تطلق إلا بالأول لأنه هو الشرط وحده لأن لا لإبطال الثاني وفي نحو إن أكلت أو لبست فأنت طالق ونحو أنت طالق أما إن أكلت وأما إن لبست يلزم الطلاق بوقوع أيهما لأن الشرط أحدهما لا بعينه ولم يبق من حروف العطف إلا أم وهي متعذرة في هذا الباب لأنها للاستفهام والمستفهم غير جازم بشيء والمعلق لا بد أن يكون جازما فالجمع بينهما محال ولم يتعرضوا لمراعاة التعقيب في الفاء والتراخي في ثم بأن يقولوا : إن لم يقع الثاني عقيب الأول في صورة الفاء لم يقع طلاق ولا إن لم يتراخ الثاني عن الأول في صورة ثم لم يقع طلاق وإن كان ذلك هو مقتضى اللغة لأن العادة لما ألغته وأمر الأيمان مبني على العوائد لم يعتبروا ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية