الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( فصل ويشترط أن يكون المسروق نصابا وهو ) أي نصاب السرقة ( ثلاثة دراهم أو ربع دينار أي مثقال أو عرض قيمته كأحدهما ) لقوله صلى الله عليه وسلم : { لا تقطع اليد إلا في ربع دينار فصاعدا } رواه أحمد ومسلم .

                                                                                                                      وروى ابن عمر : { أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم } متفق عليه وروى أنس : " أن سارقا سرق مجنا قيمته ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر " و " أتي عثمان برجل سرق أترجة فبلغت [ ص: 132 ] قيمتها ربع دينار فقطعه " وقال علي : " فما بلغ ثمن المجن ففيه القطع " والآية مخصوصة بذلك وقوله صلى الله عليه وسلم : { لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده } متفق عليه يحمل على حبل يساوي ذلك وعلى بيضة السلاح وهي تساوي ذلك أو بيضة النعام إذا كانت تساوي ذلك جمعا بين الأخبار ( وتعتبر قيمته ) أي المسروق ( حال إخراجه من الحرز ) لأنه وقت السرقة التي هي سبب القطع ( فإن كان في النقد ) المسروق غش ( لم يجب القطع حتى يبلغ ما فيه من النقد الخالص نصابا ) لما تقدم ( وسواء كان النقد مضروبا أو تبرا أو حليا أو مكسرا ) لعموم ما سبق ( ويضم أحد النقدين إلى الآخر بالأجزاء في تكميل النصاب ) كالزكاة فلو سرق ثمن مثقال ودرهما ونصفا قطع وكذا يضم أحد النقدين أو هما إلى قيمة عرض في تكميل النصاب فلو سرق درهما وعرضا يساوي درهما ونصف سدس دينار قطع ( وإن سرق عرضا قيمته نصاب ) حين إخراجه ( ثم نقصت قيمته بعد إخراجه ) من الحرز ( قبل الحكم ) بالقطع ( أو بعده قطع ) اعتبارا بحال الإخراج لأنه وقت الوجوب .

                                                                                                                      ( وإن ملكه ) أي ملك السارق المسروق ( ببيع أو هبة أو غيرهما ) كإرث ووصية ( بعد إخراجه من الحرز وبعد رفعه إلى الحاكم قطع ) لما روى صفوان بن أمية { أنه نام على ردائه في المسجد فأخذ من تحت رأسه فجاء بسارقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر بقطعه فقال صفوان يا رسول الله لم أرد هذا ردائي عليه صدقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هلا كان قبل أن تأتيني به ؟ } رواه ابن ماجه و ( لا ) يقطع إن ملكه السارق ببيع أو هبة أو غيرهما ( قبل رفعه ) أي السارق للحاكم لقوله صلى الله عليه وسلم : { هلا كان قبل أن تأتيني به } و ( لتعذر شرط القطع وهو الطلب وإن وجدت السرقة ) أي المسروق ( ناقصة ) عن النصاب ( ولم يعلمه هل كانت ناقصة حين السرقة أو بعدها لم يقطع ) لعدم تحقق شرطه ولحديث : { ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم } .

                                                                                                                      ( وإن دخل الحرز فذبح منه شاة أو شق ) فيه ( ثوبا قيمة كل منهما نصاب فنقصت ) قيمهما ( عن النصاب ثم أخرجهما ناقصتين أو أتلفهما ) فيه ( أو ) أتلف ( غيرهما فيه ) أي في الحرز ( وقيمتهما ) أي قيمة ما أتلفه من الثوب والشاة ونحوهما نصاب وقوله ( بأكل أو غيره ) متعلق بأتلفهما ( لم يقطع ) لأن من شرط القطع أن يخرج العين من [ ص: 133 ] الحرز وهي نصاب ولم يوجد .

                                                                                                                      ( وإذا ذبح السارق ) المسلم والكتابي ( المسروق ) مسميا ( حل ) لربه ونحوه أكله ولم يكن ميتة كالمغصوب ويقطع السارق إن كانت قيمة المذبوح نصابا وإلا فلا ( وإن سرق فرد خف قيمته منفردا درهم ومع الآخر أربعة لم يقطع ) لأنه لم يسرق نصابا ( وإن أتلفه ) أي فرد الخف ( لزمه ستة ) درهمان قيمة التالف وأربعة أرش التفريق .

                                                                                                                      ( وكذا الحكم لو سرق جزءا من ثياب ونظائره ) كمصراع من باب ( وإن اشترك جماعة في سرقة نصاب واحد فأكثر قطعوا ) كالقصاص ( سواء أخرجوه جملة كثقيل اشتركوا في حمله أو أخرج كل واحد ) منهم ( جزءا ) لأنهم اشتركوا في هتك الحرز وإخراج النصاب فلزمهم القطع وفارق القصاص لأنهم يعمدون المماثلة ولا توجد المماثلة إلا أن توجد أفعالهم في جميع أجزاء اليد وهذا لقصد الزجر من غير اختبار مماثلة ( أو دخلوا الحرز معا أو دخل أحدهم فأخرج بعض النصاب ثم دخل الباقون فأخرجوا باقيه ) فيقطعون لما سبق .

                                                                                                                      ( فإن كان فيهم من لا قطع عليه لشبهة أو غيرها ) كصغر ( كأبي المسروق منه قطع الباقون ) لأنه لا يلزم من سقوط القطع عن الشريك لمعنى غير موجود في غيره سقوط القطع عن الغير كشريك الأب في القصاص قال في المبدع إن أخذ أي شريك الأب ونحوه نصابا وقيل أو أقل ( وإن اعترف اثنان بسرقة نصاب ثم رجع أحدهما ) عن إقراره ( قطع الآخر وحده ) فلا يقطع الراجع ( وكذا لو أقر بمشاركة آخر في سرقة نصاب ولم يقر الآخر ) بالسرقة قطع المقر ( ولو سرق ) واحد ( لجماعة نصابا قطع ) لأن السرقة والنصاب شرط للقطع وقد وجد فوجد القطع كما لو كان المال لواحد ( وإن هتك اثنان حرزا فدخلاه فأخرج أحدهما نصابا وحده ) قطعا نصا لأن المخرج أخرجه بقوة صاحبه ومعرفته ومعونته ( أو دخل أحدهما ) الحرز ( فقدمه ) المسروق ( إلى باب النقب ) وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا لأنهما اشتركا في هتك الحرز وإخراج المتاع ( أو وضعه ) أي وضع الداخل المتاع ( في النقب وأدخل الآخر يده فأخرجه قطعا ) لاشتراكهما في الهتك والإخراج ( وإن دخلا دارا ) وصار ( أحدهما في سفلها جمع المتاع وشده بحبل والآخر في علوها مد الحبل فرمى به ) أي المتاع ( وراء الدار قطعا ) لأنهما اشتركا في الدخول والإخراج ( وإن رماه الداخل إلى خارج ) فأخذه أولا أو أعاده فيه ( أو ناوله ) الداخل للخارج ( فأخذه الآخر ) أي الخارج ( أولا أو أعاده ) أي المتاع ( فيه ) أي في الحرز .

                                                                                                                      ( أحدهما ) أي الداخل أو الخارج ( قطع الداخل [ ص: 134 ] وحده وإن اشتركا في النقب ) لأن الداخل أخرج المتاع وحده فاختص القطع به لا يقال هما اشتركا في الهتك لأن شرطه الاشتراك في الهتك والإخراج ولم يوجد الثاني فانتفى القطع لانتفاء شرطه ( وإن نقب أحدهما ودخل الآخر فأخرجه فلا قطع عليهما ولو تواطآ ) لأن الأول لم يسرق والثاني لم يهتك الحرز .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية