nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28977الله أعلم حيث يجعل رسالاته
اعتراض للرد على قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله على كلا الاحتمالين في تفسير قولهم ذلك .
فعلى الوجه الأول في معنى قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله يكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالاته ردا بأن الله أعلم بالمعجزات اللائقة بالقوم المرسل إليهم ؛ فتكون ( حيث ) مجازا في المكان الاعتباري للمعجزة ، وهم القوم الذين يظهرها أحد منهم ، جعلوا كأنهم مكان لظهور المعجزة . والرسالات مطلقة على المعجزات ؛ لأنها شبيهة برسالة يرسلها الله إلى الناس ، وقريب من هذا قول علماء الكلام : وجه
[ ص: 54 ] دلالة المعجزة على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم أن المعجزة قائمة مقام قول الله ( صدق هذا الرسول فيما أخبر به عني ) بأمارة أني أخرق العادة دليلا على تصديقه ؛ وعلى الوجه الثاني ، في معنى قولهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124حتى نؤتى مثل ما أوتي رسل الله يكون قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالاته ردا عليهم بأن الرسالة لا تعطى بسؤال سائلها ، مع التعريض بأن أمثالهم ليسوا بأهل لها ، فماصدق ( حيث ) الشخص الذي اصطفاه الله لرسالته .
و ( حيث ) هنا اسم دال على المكان مستعارة للمبعوث بالرسالة ، بناء على تشبيه الرسالة بالوديعة الموضوعة بمكان أمانة ، على طريقة الاستعارة المكنية ، وإثبات المكان تخييل ، وهو استعارة أخرى مصرحة بتشبيه الرسل بمكان إقامة الرسالة .
وليست ( حيث ) هنا ظرفا بل هي اسم للمكان مجرد عن الظرفية ؛ لأن حيث ظرف متصرف ، على رأي المحققين من النحاة ، فهي هنا في محل نصب بنزع الخافض وهو الباء ؛ لأن أعلم اسم تفضيل لا ينصب المفعول ، وذلك كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله كما تقدم آنفا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124يجعل رسالاته صفة لـ ( حيث ) إذا كانت ( حيث ) مجردة عن الظرفية ، ويتعين أن يكون رابط جملة الصفة بالموصوف محذوفا ، والتقدير : حيث يجعل فيه رسالاته .
وقد أفادت الآية أن الرسالة ليست مما ينال بالأماني ولا بالتشهي ، ولكن الله يعلم من يصلح لها ومن لا يصلح ، ولو علم من يصلح لها وأراد إرساله لأرسله ، فإن النفوس متفاوتة في قبول الفيض الإلهي والاستعداد له والطاقة على الاضطلاع بحمله ، فلا تصلح للرسالة إلا نفس خلقت قريبة من النفوس الملكية ، بعيدة عن رذائل الحيوانية ، سليمة من الأدواء القلبية .
[ ص: 55 ] فالآية دالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30173الرسول يخلق خلقة مناسبة لمراد الله من إرساله ، والله حين خلقه عالم بأنه سيرسله ، وقد يخلق الله نفوسا صالحة للرسالة ولا تكون حكمة في إرسال أربابها ، فالاستعداد مهيئ لاصطفاء الله تعالى ، وليس موجبا له ، وذلك معنى قول بعض المتكلمين : إن الاستعداد الذاتي ليس بموجب للرسالة خلافا للفلاسفة ، ولعل مراد الفلاسفة لا يبعد عن مراد المتكلمين ، وقد أشار
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا في الإشارات إلى شيء من هذا في النمط التاسع .
وفي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالاته بيان لعظيم
nindex.php?page=treesubj&link=28753مقدار النبيء صلى الله عليه وسلم ، وتنبيه لانحطاط نفوس سادة المشركين عن نوال مرتبة النبوءة وانعدام استعدادهم ، كما قيل في المثل : ليس بعشك فادرجي .
وقرأ الجمهور : ( رسالاته ) بالجمع ، وقرأ
ابن كثير ، وحفص عن
عاصم بالإفراد ، ولما كان المراد الجنس استوى الجمع والمفرد .
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124nindex.php?page=treesubj&link=28977اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ
اعْتِرَاضٌ لِلرَّدِّ عَلَى قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ عَلَى كِلَا الِاحْتِمَالَيْنِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ .
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ يَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ رَدًّا بِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِالْمُعْجِزَاتِ اللَّائِقَةِ بِالْقَوْمِ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ ؛ فَتَكُونُ ( حَيْثُ ) مَجَازًا فِي الْمَكَانِ الِاعْتِبَارِيِّ لِلْمُعْجِزَةِ ، وَهُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يُظْهِرُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ ، جُعِلُوا كَأَنَّهُمْ مَكَانٌ لِظُهُورِ الْمُعْجِزَةِ . وَالرِّسَالَاتُ مُطْلَقَةٌ عَلَى الْمُعْجِزَاتِ ؛ لِأَنَّهَا شَبِيهَةٌ بِرِسَالَةٍ يُرْسِلُهَا اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا قَوْلُ عُلَمَاءِ الْكَلَامِ : وَجْهُ
[ ص: 54 ] دَلَالَةِ الْمُعْجِزَةِ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْمُعْجِزَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ قَوْلِ اللَّهِ ( صَدَقَ هَذَا الرَّسُولُ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِّي ) بِأَمَارَةٍ أَنِّي أَخْرِقُ الْعَادَةَ دَلِيلًا عَلَى تَصْدِيقِهِ ؛ وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي ، فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ يَكُونُ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ رَدًّا عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الرِّسَالَةَ لَا تُعْطَى بِسُؤَالِ سَائِلِهَا ، مَعَ التَّعْرِيضِ بِأَنَّ أَمْثَالَهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلٍ لَهَا ، فَمَاصَدَقُ ( حَيْثُ ) الشَّخْصُ الَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِرِسَالَتِهِ .
وَ ( حَيْثُ ) هُنَا اسْمٌ دَالٌّ عَلَى الْمَكَانِ مُسْتَعَارَةٌ لِلْمَبْعُوثِ بِالرِّسَالَةِ ، بِنَاءً عَلَى تَشْبِيهِ الرِّسَالَةِ بِالْوَدِيعَةِ الْمَوْضُوعَةِ بِمَكَانِ أَمَانَةٍ ، عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ ، وَإِثْبَاتُ الْمَكَانِ تَخْيِيلٌ ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ أُخْرَى مُصَرِّحَةٌ بِتَشْبِيهِ الرُّسُلِ بِمَكَانِ إِقَامَةِ الرِّسَالَةِ .
وَلَيْسَتْ ( حَيْثُ ) هُنَا ظَرْفًا بَلْ هِيَ اسْمٌ لِلْمَكَانِ مُجَرَّدٌ عَنِ الظَّرْفِيَّةِ ؛ لِأَنَّ حَيْثُ ظَرْفٌ مُتَصَرِّفٌ ، عَلَى رَأْيِ الْمُحَقِّقِينَ مِنَ النُّحَاةِ ، فَهِيَ هُنَا فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ الْبَاءُ ؛ لِأَنَّ أَعْلَمَ اسْمُ تَفْضِيلٍ لَا يَنْصِبُ الْمَفْعُولَ ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=117إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ صِفَةٌ لِـ ( حَيْثُ ) إِذَا كَانَتْ ( حَيْثُ ) مُجَرَّدَةً عَنِ الظَّرْفِيَّةِ ، وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ رَابِطُ جُمْلَةِ الصِّفَةِ بِالْمَوْصُوفِ مَحْذُوفًا ، وَالتَّقْدِيرُ : حَيْثُ يَجْعَلُ فِيهِ رِسَالَاتِهِ .
وَقَدْ أَفَادَتِ الْآيَةُ أَنَّ الرِّسَالَةَ لَيْسَتْ مِمَّا يُنَالُ بِالْأَمَانِي وَلَا بِالتَّشَهِّي ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا وَمَنْ لَا يَصْلُحُ ، وَلَوْ عَلِمَ مَنْ يَصْلُحُ لَهَا وَأَرَادَ إِرْسَالَهُ لَأَرْسَلَهُ ، فَإِنَّ النُّفُوسَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي قَبُولِ الْفَيْضِ الْإِلَهِيِّ وَالِاسْتِعْدَادِ لَهُ وَالطَّاقَةِ عَلَى الِاضْطِلَاعِ بِحَمْلِهِ ، فَلَا تَصْلُحُ لِلرِّسَالَةِ إِلَّا نَفْسٌ خُلِقَتْ قَرِيبَةً مِنَ النُّفُوسِ الْمَلَكِيَّةِ ، بَعِيدَةً عَنْ رَذَائِلِ الْحَيَوَانِيَّةِ ، سَلِيمَةً مِنَ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ .
[ ص: 55 ] فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30173الرَّسُولَ يُخْلَقُ خِلْقَةً مُنَاسِبَةً لِمُرَادِ اللَّهِ مِنْ إِرْسَالِهِ ، وَاللَّهُ حِينَ خَلَقَهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ سَيُرْسِلُهُ ، وَقَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ نُفُوسًا صَالِحَةً لِلرِّسَالَةِ وَلَا تَكُونُ حِكْمَةٌ فِي إِرْسَالِ أَرْبَابِهَا ، فَالِاسْتِعْدَادُ مُهَيِّئٌ لِاصْطِفَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلَيْسَ مُوجِبًا لَهُ ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ : إِنَّ الِاسْتِعْدَادَ الذَّاتِيَّ لَيْسَ بِمُوجِبٍ لِلرِّسَالَةِ خِلَافًا لِلْفَلَاسِفَةِ ، وَلَعَلَّ مُرَادَ الْفَلَاسِفَةِ لَا يَبْعُدُ عَنْ مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِينَ ، وَقَدْ أَشَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنُ سِينَا فِي الْإِشَارَاتِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي النَّمَطِ التَّاسِعِ .
وَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَاتِهِ بَيَانٌ لِعَظِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28753مِقْدَارِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَتَنْبِيهٌ لِانْحِطَاطِ نُفُوسِ سَادَةِ الْمُشْرِكِينَ عَنْ نَوَالِ مَرْتَبَةِ النُّبُوءَةِ وَانْعِدَامِ اسْتِعْدَادِهِمْ ، كَمَا قِيلَ فِي الْمَثَلِ : لَيْسَ بِعُشِّكِ فَادْرُجِي .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : ( رِسَالَاتِهِ ) بِالْجَمْعِ ، وَقَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ ، وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ بِالْإِفْرَادِ ، وَلَمَّا كَانَ الْمُرَادُ الْجِنْسَ اسْتَوَى الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ .