الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مفهوم الموافقة والمعنى اللازم من اللفظ المركب ، إما أن يكون موافقا لمدلول ذلك المركب في الحكم أو مخالفا له ، والأول مفهوم الموافقة ، لأن المسكوت عنه موافق للملفوظ به ، ويسمى فحوى الخطاب ، لأن فحوى الكلام ما يفهم منه على سبيل القطع ، وهذا كذلك ، لأنه أولى بالحكم من المنطوق به أو مساو له ، ويسمى أيضا لحن الخطاب لكن لحن الخطاب معناه . قال تعالى : { ولتعرفنهم في لحن القول } . هكذا قال الأصوليون . [ ص: 125 ] وحكى الماوردي ، والروياني في باب القضاء في الفرق بين الفحوى ولحن الخطاب وجهين : أحدهما : أن الفحوى ما نبه عليه اللفظ ، واللحن ما لاح في أثناء اللفظ . والثاني : الفحوى ما دل على ما هو أقوى منه ، ولحن القول ما دل على مثله . ا هـ . وذكر القفال في فتاويه " أن فحوى الخطاب : ما دل المظهر على المسقط ، ولحن القول : ما يكون محالا على غير المراد في الأصل والوضع من الملفوظ ، والمفهوم : ما يكون المراد به المظهر والمسقط كقوله : ( في سائمة الغنم الزكاة ) ، فالمراد به إثبات الزكاة في السائمة وإسقاطها في غيرها . ومثل فحوى الخطاب بقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } . وقوله : { أن اضرب بعصاك البحر فانفلق } . أي فضرب فانفلق ، لأن الفحوى هو المعنى ، وإنما يعرف المراد به بدلالة اللفظ المظهر على المضمر المحذوف . قال : وكان الشيخ أبو الحسن المقري يجوز الوقف على قوله تعالى : { أن اضرب بعصاك البحر } ثم يبتدئ بقوله : { فانفلق } فقلت له : إن ذلك لا يجوز ، لأن قوله : { أن اضرب } وقوله : { فانفلق } بمجموعهما يدلان على ذلك المسقط ، فلم يجز الوقف عليه .

                                                      قال : وأما لحن القول فهو غير هذا ، ويسمى به ، لأن اللفظ يذكر [ ص: 126 ] ويراد غيره ، لكن باللحن من القول تبين أن المراد به غيره ، كما قال تعالى : { ولتعرفنهم في لحن القول } لأنه قال قبل ذلك : { حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال } . كان المراد أن ما قال عليه السلام ليس بشيء ، فهذا هو لحن القول ، لأن قولهم : ماذا قال محمد آنفا ؟ لم يكن غرضهم من هذا اللفظ استكشاف القول ، والفحص عن معناه . وهذا اللفظ يجوز أن يراد به ذلك ، لكن في لحن القول قد يراد به ما قدرناه ، فهم كانوا يقولون ذلك ، وكان ذلك بينا في لحن قولهم ، والله أعلم .

                                                      وهذا المفهوم تارة يكون أولى بالحكم من المنطوق ، إما في الأكثر كدلالة تحريم التأفيف من قوله : { فلا تقل لهما أف } على تحريم الضرب ، وسائر أنواع الأذى ، فإن الضرب أكثر أذى من التأفيف ، وكقوله صلى الله عليه وسلم في المسلمين : { يسعى بذمتهم أدناهم } ، فإنه يفهم ثبوت الذمة لأعلاهم بطريق الأولى . وإما في الأقل كقوله تعالى : { ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك } مفهومه أن أمانته تحصل في الدرهم بطريق الأولى . وتارة يكون مساويا ، كدلالة جواز المباشرة من قوله : {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم } على جواز أن يصبح الرجل صائما جنبا ، لأنه لو لم يجز ذلك ، لم يجز للصائم مده المباشرة إلى الطلوع ، بل وجب قطعها مقدار ما يسع فيه الغسل قبل طلوع الفجر .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية